تارخ الأردن وعشائره / ح 13 : عشائر الانباط الاردنية في جنوب الاردن

mainThumb

16-01-2010 12:00 AM

تأليف المفكر والمؤرخ : د . احمد عويدي العبادي

عشائر الأنباط الأردنية في جنوب الأردن وصراعهم الداخلي وصراعهم مع بني صخر

طريقة ابن عدوان وابن ختلان العبادي كل في ادارة القبيلة والصراع وارتياد الرحالة للديار الاردنية ,

واستمرار الصراع بين اليمانية والقيسية في وسط الاردن

توضيح من المؤلف

الكتابة عن العشائر الأردنية من الصعوبة والتعقيد والحساسية الى درجة انني اشعر وكانني اسير في حقل من الالغام قد تنفجر بي في اية لحظة , ويؤدي هذا الى تعطيل ما افخر به من الفصاحة وحسن التعبير ,لان اي تعبير ادبي اصرفه عند الكتابة لطرف من التبجيل او التشكيك او ذكر الحقيقة , فانه قد يؤخذ من طرف اخر انه جاء في معرض الإلغاء والذم وبخاصة ان لغتنا العربية تحتمل في مفرداتها الذم في معرض المدح والمدح في معرض الذم . لذا فانني اشعر ان الكتابة عن عشائرنا اثقل علي من جبل احد وجبل رم وجبل منيف , حيث اجد ان القراء من ابناء عشائرنا الكريمة يقراون ما اكتبه حرفا حرفا وكلمة كلمة وجملة جملة وقد يفسرونه على غير مأخذه. كما ان كل واحد يريد ان نكتب عنه وحدة وانه فريد عصره وانه صاحب تاريخ يبلغ الفرقدين وأنا لا أجد له فيما بين يدي من مصادر صحة ما يبغيه ابدا واطلب اليهم دائما ان يزودونني بما يقولون موثقا وغالبا ما يبقى الامر من طرفهم كلاما في الهواء .

واما انا فاكتب التاريخ وحركات العشائر بالاسم وليس بالنسب , لانه لا علاقة لي بالأنساب , وهذا ما فهمه أهلي الأردنيون منذ الحلقات الأولى لان الناس أمناء على أنسابهم وهم يوثقونها, ولا يجوز لأحد أن يطعن في نسب احد , لان ذلك يؤذي الأجيال الحاضرة والقادمة , وان التحقق من نسب عائلة واحدة قد يأخذ مدى جيل كامل للوصول اليه ,فكيف يمكن لعمر شخص او لمجموعة ان تحيط بانساب الأردنيين . فالنسب التاريخي ( وليس نسب الانتساب ) هو وجود الناس في البلاد واما النسب بالدم فهذه مهمة كل عائلة عن نفسها هي . لان غياب التدوين في الاردن ادى الى غياب الحقائق واحيانا تشويهها بالروايات , واحيانا اندثارها تماما وايذاء كرام الناس ورفع مقام بعض اللئام من الناس .

ولا شك أن هناك شخصيات أردنية من زعماء العشائر كانت كالنجوم العوالي في تاريخ الأردن , ولكن المشكلة ان عدم التدوين جعل معرفة الناس لهم محدودة على عشائرهم . ونحن نحاول هنا أن نأتي عليهم بالذكر الحميد لأنهم يستحقونه فعلا . عليهم رحمة الله وبركاته

قلنا أن المغفور له الشيخ ماجد العدوان توفي في عام 1946 وكان زعيما وطنيا وشيخا لمشايخ العدوان والبلقاء ودخل التاريخ من أوسع أبوابه , وبعد وفاته تم اختيار أكبر ابنائه المرحوم الشيخ حمود بمرسوم أصدره جلالة الملك المؤسس رحمه الله جاء فيه "يعين الشيخ حمود ماجد باشا العدوان شيخ مشايخ البلقاء بعد وفاة الشيخ ماجد", كما ساهم أبناؤه وأحفاده وأبناء عشائر العدوان، في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية الاردنية بشكل معروف , وبذلك حافظت القبيلة على كيانها ومجدها الذي صنعه الاباء والاجداد . وان كانت المحافظة على المجد قد تحتاج احيانا الى جهد يفوق الجهد الذي احتاجه لصنعه .

في الجنوب

عشيرة الحويطات النبطية

أشار إليها رحالة عرب من شمال أفريقيا عبروا العقبة(ايلة) برأً لأداء فريضة الحج واجتازوا النقب وذلك في زمن الأيوبيين والمماليك، وتحدثوا عن الحويطات كعشيرة في هذه الديار بهذا الاسم وقالوا ان الحويطات وبني عطية عشيرة واحدة. وقد نشرنا ذلك مفصلا في كتابنا الأردن في كتب الرحالة والجغرافيين المسلمين , ومقتطفات حول ذلك . وحيث ذكرنا هناك ماكان الرحالة دونوه من صراع بين المطالقة ( جماعة الجازي) والفرارجه جماعة ( أبو تايه) (وهما جميعا من الحويطات ويرتبطان معا في الجد الاعلى ) ، وما بين الحويطات بعامّة وأمراء الحج المصري والمغربي بخاصة ، والبطش الذي مارسه هؤلاء الامراء بسوق النساء والأطفال في القيود وهم يضربوهن بالسياط، وبشكل تقشعر له الأبدان ويسوقونهن من النقب الى العقبة .فاننا هنا نتحدث عن التاريخ العشائري ومجرياته .

لقد ركزت كتب التاريخ على طريق الحج الشامي عبر الأردن ، وعن دفع المال لبني صخر والمهداوي قبلهم، وللأمراء الطائيين ( آل الفضل بن عيسى بن مهنا بن حيار الطائي ) والى السردي الكندي من شمال الأردن، إلا أن هذه الكتب التاريخية صمتت عن طريق الحج المغربي والمصري والفلسطيني العابر للديار المقدسة من خلال أيلة/ العقبة في جنوب الاردن ، وما كان يقع من ظلم أمراء الحج على عربان الحويطات وعمق هذه القبيلة وعراقتها وتجذرها في التاريخ، وأنها قبيلة ليست وليدة سنوات قريبة أو عشرات او مئات السنين كما يتخيلّ?Z البعض , كما ذكر بعض الرحالة ان الحويطات جزء من بني عطية وهو خطا مبني على رواية غير دقيقة , ولا اراها تتفق مع الحقيقة . صحيح انهما من الانباط ولكن الحويطات بطن يختلف عن بطن بني عطية .

وهنا لا بد من القول أن اجتياز النقب المطل على وادي رم كان يتطلب يوما كاملا بسبب وعورة الطريق. وأنه ثم فتح طريق زمن المماليك لتسهيل العبور لقوافل الحجيج، وان الناس من الانباط والحجاج والقوافل كانوا يعانون معاناة عظيمة في أوقات الشتاء بسبب الثلوج المتراكمة والبرد القارس في هذا المكان. كما أن المتنبي قد اتخذ طريقه بعد هروبه من كافور الاخشيدي في مصر عبر العقبة ووادي اليتم والحميمة والنقب والجفر وتيماء ودومة الجندل في طريقه من مصر إلى بغداد ، وعبر ديار الحويطات وبني عطية في الجفار ( الجفر ) والعقبة ( وهو اسم النقب انذاك ) والشراة والتيه ( من النقب الى العقبة ) ووصف جمال البدويات الأردنيات بأبيات من أجمل ما قيل في الغزل وذكرناها مفصّلة في كتابنا أعلاه ولا تحضرني سوى قوله:

حسن المدينة مجلوب بتطرية == وفي البداوة حسن غير مجلوب

ويقصد بالمدينة مدينة القاهرة وحلب ودمشق.ويقصد بالبداوة بداوة جنوب الاردن . ومن خلال العشائر الاردنية في بوادي الجنوب هذه وصف المتنبي روعة الاخلاق والمروءة في بيوت الشعر الاردنية بقوله :

خذوا الخلق الرفيع من الصحاري فإن النفس يفسدها الزحام

فكم فقدت جلالتها قصور ولم تفقد مروءتها الخيام.

وان مرور المتنبي بها قد اوحى له بهذا الشعر الرائع .

وكان المقر الرئيسي للحويطات هو ايلة ( العقبة فيما بعد ) . والتي ذكرها القرأن أنها حاضرة البحر التي كان يقطنها أناس يدينون بدين اليهودية فاحتال هؤلاء على شريعتهم وصادوا السمك يوم السبت بحفر القنوات وألاحواض ثم يغلقونها ليقوموا بجمعها وصيدها يوم الأحد. وقد مسخهم الله قردة وخنازير. وهي أيضا القرية التي مر بها موسى والخضر عليهما السلام فاستطعما أهلها فلم يضيفوهما، فقتل الخضر غلاماً وأقام جدارا. وان بحر العقبة هو الذي ذكره القرآن في سورة الكهف أيضا وكان الملك هدد الأول ملك أدوم الاردني العربي يصادر كل سفينة صالحة، حيث كان له ميناء هناك. ولديه قراصنة تابعون لسلاح البحرية الادومية , اي تابعون للملك ( وكان وراءهم ملكا ياخذ كل سفينة غصبا الكهف 79) .

أما الحويطات فقد كانت لهم حُوط ( مفردها حوطة) النخل على شاطئ العقبة وكان لكل عائلة حوطتها اي مساحة من الارض مزروعة بالنخل وتصغيرها حويطة؟ وجمعها حويطات أي جمع كلمة تحبب للكلمة المصغّرة وفي وثيقة نشرتها في كتابي مقدمة لدراسة العشائر الاردنية تقول أن أراضي العقبة كانت عام 1956 مقسّ?Zمة إلى ثلاثة أقسام هي : ثلث للجازي، وثلث للنجادات وثلث لأهل العقبة. إذن فالعقبة هي أحد المراكز الرئيسة للحويطات الذين لهم امتداد ألان في السعودية، ومصر والنقب، وان زعامتهم منذ القدم في آل الجازي بالأردن وال ابو تايه ( التوايهة ) , وهذا دليل على نبطيتهم أن يكون الوريث الرئيس لأسرة الملك الحارث الأول وما بعده يجب أن يكون في الأردن. وهذا ينطبق ايضا على الجازي والتوايهة ( ابو تايه ) لان جد أل أبو تاية وال جازي هو جدّ واحد وهم أبناء عم نسبا وعصبا.

وقد اتخذ الحويطات طرقا عديدة لحماية أنفسهم ولضمان البقاء ومنها:

(1) تحالفهم مع عشائر أخرى في المكان أو عشائر وردت أليهم ، فأضافوهم إلى الحويطات مما زاد في عددهم وشوكتهم ومن هؤلاء : النعيمات وهم أدوميون والزوايدة الذين انفصلوا عن الحويطات اصلا زمن العباسيين والتحقوا بعنزة ثم عاد قسم منهم وهم الزوايدة وانضموا الى الاصل / اي الى الحويطات , وبقي قسم منهم كبطن من بطون عنزة الى الان , والامر نفسه ينطبق على عشيرة الزلابية , وقد ذكر فريدريك بك في كتابه ( تاريخ شرق الاردن وقبائلها ) ان الزوايدة والزلابية من عنزة ولم يتحدث عن جذورهم انهم حويطات اصلا والتحقوا بعنزة طلبا للحماية من اضطهاد العباسيين ثم عادوا فيما بعد الى عشيرتهم الاصلية وهي الحويطات .

ولكن كثيرا من الجيل الجديد في مطلع القرن الحادي والعشرين صار يعيد هذه العشائر إلى الأصل الثاني وعو عنزة ، ويتنكرّ لحويطته / الاصل الاول . والسبب الحقيقي وراء ذلك هو ان قانون الدولة هو السائد الان , ولم تعد لهم حاجة للحماية العشائرية التي كانوا بحاجتها سابقا.

كانت الحويطات ثاني أقوى عشيرة أردنية مابين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين ، وازدادت شوكتها وسطوتها وشهرتها بظهور الشيخ عودة ابو تايه رحمه الله . وكان الحويطات منافسون لبني صخر بشكل قوي وفعال، وكان لهم علاقات تحالف مع بعض عشائر النقب وسيناء وكان الاسم الذي يطلق على هذا التحالف هو كلمة : الصف وإما عشائر الأردن الاخرى فتسميه ( بنعمة أو أبناء العم) وقد شرحنا ذلك في كتابنا القضاء عند العشائر الاردنية بالعربية.

وقد أورد العقيد فردريك بيك في كتابه تاريخ شرقي الأردن وقبائلها الذي كتبه بالإنجليزية، وترجمه بهاء الدين طوقان إلى العربية، في معرض حديثه عن بني صخر أنهم ظهروا بعد أن احتدم الصراع بين المهداوي والعدوان، وبذلك غمز من جانب بني صخر بعيدا عن الأمانة العلمية والتاريخية. ونحن نرى عكس مايراه , وذكلك كما يلي.

(1) أن فردريك بيك كان حاقدا أصلا على بني صخر لان شيخ مشايخهم انذاك المرحوم الشيخ مثقال الفايز كان ربط فردريك بيك في ياخور البقر .؟؟؟وذلك عندما حضر المذكور يريد اعتقال الشيخ مثقال . وقد روى لي الشيخ عواد السطام الفايز رحمه اللع في عام 1980 ان فريدريك بقي مربوطا بمربط الثور مدة يومين وليلة لولا التوسطات والتوسلات لإطلاق سراحه. وقد جعل هذا العلج يتحامل على الصخور بعامة , بل واستطاع سلب اراضي الشيخ مثقال التي ورثها عن والده سطام , من راس العين الى مرج سكا ( محطة الارسال الان ) ومن راس العين الى المدرج الروماني , وامر بتطويبها باسماء اشخاص اخرين , وبذلك حرم الشيخ مثقال من هذه الاراضي التي ورثها ابا عن جد وكانت واجهة للسطام من الفايز من بني صخر , كما سبق وذكرنا من قبل .

إن هذه الحادثة ( سجن فريدريك بيك ) التي تبين قوة بني صخر بشكل عام، والشيخ مثقال بشكل خاص تلقي الضوء على مدى الانفه التي كان يتمتع بها الأردنيون، ومدى هشاشة الإدارة في حينه ( مطلع القرن العشرين ) . وبالتالي لم يقبل الشيخ مثقال لغة التهديد الفوقية التي جاء بها فردريك بيك وتعامل بها مع الشيخ , وهو ينظر لهذا الإنجليزي أنه محتل واستعماري.ولم يخش الشيخ من البريطانيين وقوتهم ابدا .

(2) أدت هذه الحادثة أن فردريك قد غمز من قناة بني صخر، وحاول النيل من اردنيتهم وتجذّرهم، فذكر أنهم جاءوا حديثا للبلاد. وكأنه يقول أنه وإياهم وافدون إلى الأردن. وللأمانة التاريخية، فقد بينا كيف ان اسم بني صخر متجذر بالاردن عبر العصور وانهم بطن من جذام , وان اسمهم مذكورة من عشائر الاردن زمن الظاهر بيبرس أي قبل أربعة قرون ونيف من صراع المهداوي والعدوان وذكرنا ذلك عند الحديث عن المماليك، وما قام به الظاهر بيبرس من استقطاب العشائر الاردنية. وكانت الزعامة آنذاك في بني صخر في ابن زهير، كما شرحنا من قبل، كما كان ذلك قبل التحاق طويق ببني صخر في القصة التي ذكرناها في موضع سابق.

(3) إن بني صخر قبيلة جذامية، وهي والمهداوي وعباد وبني عقبة وبني عجرم وبني حميدة من قبيلة واحدة جذام اليمنية.

(4) إن بني صخر كانوا ينتجعون من العلا جنوبا إلى الجولان شمالا الى طبريا الى مرج بني عامر الى اريحا , ومن الجوف وتيماء ودومة الجندل شرقا إلى سواحل سيناء غربا، وحتى وصفد وبيسان والحولة وما بين الرافدين . وكانت أقوى قبائل شرق الأردن، لأنها لم تكن على خلاف مع عشائر جذام الاردنية، ولم تستطع أية قبيلة أخرى الوقوف في وجهها أو مجابهتها , ولم تخض حربا مع اية عشيرة جذامية الا مع العمرو ( ماينطح العمرو غير البدارين ) والبدارين عشيرة شجاعة من عشائر بني صخر .

(5) سبق وذكرنا أن بني صخر لم تتدخل في الصراع بين المهداوي وابن عدوان، لأسباب بيّناها أعلاه، وسبق أن ذكرنا في الجزء الخاص بالتاريخ السياسي للعشائر الاردنية. ما قامت به بنو صخر من تشتيت الظفير وسويط من الجفر وترحيلهم إلى البوادي الشرقية وبلاد الرافدين ثم عودة الأخوان فايز وفوزان إلى الأردن ووفاة فوزان بلدغة أفعى وبقاء فايز الذي تناسل منه العدوان.

(6) ولكن , ومن منطلق التاريخ وبتجرد فان زعامات بني صخر أخطأت خطأ استراتيجياّ?Z في عدم مساندة المهداوي الجذامي ابن عمهم في صراعه مع ابن عدوان وأتباعه، لان هذا الصمت ووقوف المتفرج قد دفعت بنو صخر ثمنه غاليا في الصراع مع العدوان عندما قويت شوكتهم ( شوكة العدوان ) الذين تزعموا عشائر البلقاوية جميعا بكفاءة عالية واقتدار , وقادوهم لقتال عباد وبني صخر في صراعات طاحنة، واستمرت حوالي ثلاثة قرون، إذ أزهقت فيها الأرواح ، وثم أخذ وفقدان وإعادة أراضي بين الطرفين تارة تكون لهذا وتارة تكون لذاك، حتى استقرت عام 1868 عندما بارك السلطان تنسيب والي دمشق بمنح كل من كايد الختالين ( شيخ مشايخ عباد) وأحمد أبو عرابي الكايد العدوان زعيم العدوان الذين سئموا الحرب وجنحوا للسلم مع عباد. أقول بمنح كل منهم وساما رفيعا، كذلك حسين الصبح الفاعوري ( شيخ السلط في حينه) .

لقد اتفق هؤلاء الأقطاب الثلاثة ( ابن ختلان وابو عرابي والفاعوري ) على أن الوقت قد حان لتضع الحرب أوزارها في البلقاء وأن يسود الوئام بدل الخصام، والحكمة بدل العنجهية والمصافحة بدل السيف، والابتسامة بدل التجهم والعبوس. وكانوا رجالا صادقين. حقنوا الدماء وذهبوا إلى والي الشام ومعهم شيخ المجالية ( ابن مجلي ) الذي ( الوالي ) رحّب بذلك ونسّ?Zب بمنحهم الأوسمة. وأرسل طابورا إلى قلعة السلط للإشراف على العربان ومنع اختراق هذه الهدنة , ومنع اي تشويش على الصلح بين زعماء العشائر .

ورغم أنه لم يجري أي صلح بين الإطراف الثلاثة، إلا أن جميع العشائر من هذه الأطراف اعتبروا اتفاق شيوخهم هو صلح عام بينهم وحفار ودفان على ما مضى. إلا أن ذلك لم يرق للطرف الأخر من شيوخ العدوان الذين رفضوا مشيخة ابن عمهم أحمد أبو عرابي، ولكن الدولة التركية دعمته ووقفت إلى جانبه, لرغبتها في وقف الصراع وسفك الدماء، واستقرار العشائر لتخضع للقانون ,وكان الهدف التركي هو لكي تدفع هذه العشائر الضرائب. لان ما يهم الأتراك هو المال ثم المال ثم المال ، وما دام الخلاف يطوح بالمال فهو مرفوض . وما دام الاتفاق والصلح يأتي بالمال فهو موضع الترحيب.

إن ما ذكره فردريك بيك أن منازل بني صخر كانت في العلا، هو كلام صحيح لكنه جزء من الصحة والحقيقة وليست الحقيقة كلها . فالأمانة التاريخية والعلمية أن العلا وبيسان والبلقاء وجزيرة الفرات والجوف وربوع الاردن كانت كلها منازل لبني صخر اينما حطوا رحالهم تملّكوا ولا أحد يستطيع منعهم حتى حدث ما حدث وقامت عنزة بترحيلهم الكامل من العلا.كما ان العلا كانت من الاراضي الاردنية وهو مالم يشر اليه فريدريك بيك

ولا بد من الإشارة هنا أن أجزاء بني صخر كانت لهم تسمياتهم قبل أن يندرجوا تحت هذا الاسم. فالصخور شأنهم شأن أي عشيرة أردنية عبارة عن تحالفات من عشائر تألفوا معاً وشكلوا عشيرة واحدة لحماية أنفسهم دون أن ينقص هذا من شأنهم، وذلك تنظيم عشائري ينطبق على كل عشيرة أردنية فهناك من بني صخر من هو من قضاعة وهي عشيرة أردنية عريقة وهناك من هو من جذام وهناك من هو حرب. جمعتهم مصلحة البحث عن الأمن والبقاء وصاروا ضمن جذام عصبا ، بل رؤوساء حلف اليمنية وزعماء جذام بعد المهداوي وهذا لا يعيبهم أبدا، ذلك إن الانتساب للعشيرة قد يأتي من خلال النسب إلى الخط الأبوي، فلان بن فلان حتى الجد الأعلى، أو قد يكون من خلال الانتساب العصبي أي الموالاة والحلف ويصبح له ما لهم وعليه ما عليهم. وهذا موجود في جميع قبائل العرب بدون استثناء.

ويقول فردريك بيك في كتابة أعلاه أن بني صخر كانوا يدفعون حق الرعي للعدوان وامتنعوا عن ذلك عام 1730م. وهذا كلام غير صحيح إطلاقا، ذلك أن زعامة العدوان لم تهيمن على سائر مناطق البلقاء لوجود خصوم لهم وهم عباد وبنو حميدة، الذين قاوموا توسع العدوان بمؤازرة بني صخر التي أدركت ما وقعت فيه من خطأ , بعدم التحالف مع المهداوي لاجل القضاء على العدوان عندما كانوا في طور النمو والتوسع , ثم لا أدري من أين جاء فردريك بتحديد عام 1730 دون أن يشير إلى وثيقة أعداد العدوان وأتباعهم. وبالتالي فإن ما ذكره فردريك بيك يندرج ضمن حقده على هذه القبيلة ( بني صخر ) وأمنيته في إشعال الفتنة بين عشيرتين كريمتين عريقتين من عشائر الأردن وهم : الصخور والعدوان.

لقد كان امتداد العدوان في الأغوار وسفوح الجبال ولم يتعدوا إلى البادية والصحراء شرقا , التي كانت ضمن ديرة الصخور . كما أن العدوان من الذكاء الحربي بحيث لا يفتحون معركة مع الصخور وهم قد خرجوا توّ?Zا أو لا زالوا غارقين في حرب مع المهداوي، ولو فعلوا ذلك لصاروا بين فكي كماشة: المهداوي وحلفاؤه غربا، وبني صخر شرقا وحلفاؤهم بني عباد في الخاصرة ، وهذا وضع لا يساعد على الحرب والصراع إطلاقا.

وعلى أية حال إن الذي كان غائبا عن أذهان قادة وشيوخ هذه العشائر هو الفكر الوطني والهم العام الأردني،وهذا الذي يعنيني . وكان كل واحد يهمه نفسه وأتباعه، ومدى ما يكسب في غارة هنا أو معركة هناك. فلو تحالف العدوان ومعهم البلقاوية والصخور ومعهم اليمنية وعباد وسائر جذام واتفقوا على أية صيغة من الوحدة العشائرية ووحدة الأراضي لتغيرّ?Z تاريخ الأردن تماما عما صار اليه فيما بعد. ولكن العقلية والثقافة التي كانت سائدة آنذاك هي عقلية العشيرة والشيخة، وليس عقلية الشعب والقيادة أو الإمارة , وعقلية الديرة وليست عقلية الوطن , وعقلية العنجهية وليست عقلية التحالف والحوار من اجل الوطن . وشتّان بين الأمرين والمفهومين. ففي الأول يسعى الواحد إلى تكريس زعامته ولو على حساب أخوته وأبناء عمه، وربما على حساب أولاده ، وفي الثانية يسعى لان يكون هناك وطن وشعب وجيش وعاصمة ومؤسسات وسلطة مركزية , وهذا ما كان تنبه إليه ابن سعود في تلك الفترة في نجد فوحد جزيرة العرب وشعبها تحت امرته وقيادته ، وهذا ما افتقد إليه شيوخ الأردن وزعامتها العشائرية، فبقي الوطن ممزقا لايجد من يسمعه ؟ ، وبقي الناس في تناحر وتنافر حتى صارت هذه ثقافة متوارثه بالجينات للأسف الشديد وحتى صاروا يفضلون انقيادهم لمن هو خارجهم أن يعلوا عليهم حتى لا يعلوا احد منهم أحد الأخر.

نحن نتحدث ألان بعد مئات السنين من انقشاع تلك الأجيال عليهم جميعا رحمة الله وبركاته ، لكننا ندفع الثمن إلى ألان، وسيدفع أبناؤنا هذا الثمن أضعافا مضاعفة . ولا ادري أن كان يوما سيأتي يتنبه فيه الأردنيون إلى ضرورة الخروج من قوقعة العشيرة إلى رحاب الوطن ومفهوم الشعب , وان يكون اسم العشيرة عمودا في البناء للوطن وليس معولا لهدمه . ولا ادري ان كان يوما سياتي ويتم فيه تقديم الأفضل والأنسب وليس الأسوأ والأقرب. وإذا رأى البعض أنني أتحدث خيالا وأمنيات فإن كل شيء في الدنيا يبدأ فكرة وخيالا وأمنيات ثم يتحول إلى واقع وبرنامج ولو بعد حين من الدهر.وان مانضعه هنا هو عبارة عن فكر سيصبح بذرة وشجرة ثم غابة وارفة الظلال ان شاء الله . وان ماكان يعوز الاجيال السابقة هو انعدام المفكر والفكر الوطني الناضج والبرنامج الوطني وادوات تنفيذه , مما ادى الى تحولهم الى مجتمع متصارع في الوقت الذي يتربص الغربا بنا الدوائر , ولا ندري هل سنؤخذ على حين غرة ذات يوم ؟ . ان اي وطن او شعب اذا افتقد الفكر والمفكر انما يفتقد الروح التي تعطيه الحياة السياسية .

إن المشكلة الرئيسة التي عاشها الاردنيون بعد سقوط الأنباط حتى سقوط الأتراك أي ما يزيد على ثمانية عشر قرنا هي عدم البحث عن قيادة وطنية تعلو الجراح وتترفع على الخلافات وتكون للجميع مظلة وخيمة . وقد دفع ألأردنيون عبر هذه القرون ثمن انعدام القيادة لان بلادهم بقيت نهبا مقسّ?Zما ، وبقي الشعب تارة في الواجهة والتضحيات، وأخرى على الهامش والإهمال، حتى تكرّست عقلية العشيرة بدل الشعب , والديرة بدل الوطن , والمشيخة بدل الإمارة أو المملكة، والشيخ بدل الملك أو الأمير. والشيخ بدل الزعيم , والسلاح الفردي بدل الجيش المنظم , والاقتناع بالمكاسب الوضيعة بدلا من مكاسب الوطن العامة الرفيعة. وكانت كلما جاءت إدارة منذ زمن الأمويين حتى العثمانيين كرّ?Zست هذه المفاهيم التي صارت جزءا من ثقافة العربان وعقلياتهم، وصار الحديث في تغييرها ضربا من الجنون والهذيان.

من هنا فإن من ينادي بالفكر الوطني الأردني يجد من العنت وكانه يدعو إلى الوثنية في بلد مسلم، أو الى الشرك في بلد قائم على التوحيد (!؟) وتقترن السخرية ممن يتحدث بالوطنية باتهامه انه يسعى لنفسه وانه يريد الإمارة والامرة على الناس . وهناك أكذوبة يصدّقها الجميع إذا قيل احد عن أي شخص مخلص أو محترم يتحدث لمصلحة الناس، أقول إذا قيل عنه انه إنما يقول هذا وهذا فقط ليحصل على مزيد من المكاسب لنفسه وليس لأحد سواه. وهذا سلاح يضربون به كل مخلص , ويعتبرون ان المناصب والمراتب ليست من حق الاردنيين , وانما الحق علينا فقط ان نسمع ونطيع ولو كان من يامرنا الوسواس الخناس او اي من شياطينه .

حاول ابن عدوان السيطرة على ديار البلقاء من نهر الزرقاء إلى وادي الموجب والتي كانت من ممتلكات المهداوي، إلا انه اصطدم بعشائر عباد التي قويت وزادت بسرعة كما قلنا. بسبب سياسة الشيخ ابن ختلان في استجلاب الرجال وتقوية عزوته، وانخراطهم ضمن طاعته، وبالفعل قادهم في المعارك وحققوا انتصارات شجعتهم للتقدم إلى الأمام وتوسيع رقعة الأرض التي يعيشون عليها، حتى امتدت أراضيهم من نهر الزرقاء إلى ناعور ومن نهر الأردن إلى عين عمان.

ركّز ابن ختلان على الجذور التاريخية للعبابيد وجمع شتات العشيرة بعد أن تفرّقت في البلاد على أثر ترحيلهم من الكرك إلى البلقاء بأمر من صلاح الدين , وبعد مشاركتهم في معارك حطين وعين جالوت وتحرير فلسطين والقدس وقتال التتار , فعاد ملتحقا بها اعداد ممن ذهب منهم إلى فلسطين وسوريا والعراق ونجد والحجاز ومصر ومناطق أخرى من الأردن . لذلك يقال أن فلان من اصل كذا وكذا , والأغلب انه من أحفاد أولئك الذين انتشروا في البلاد بحثا عن الأمن والأمان ولقمة العيش الكريم. واستطاع ابن ختلان جمعهم وتوحيدهم مرة أخرى، وكل يرى انه ابن أو حفيد ذلك الجد الذي ذهب من هنا ألى هناك , فصارت عباد صاحبة قوة وشوكة وصارت تزداد بالتكاثر والاستقطاب معا، حتى صارت ألان ثاني أكبر قبيلة أردنية بعد بني حسن كما قلنا .

لم يستطع ابن ختلان ان يهيمن تماما بزعامته على العبابيد، بل ظهر شيوخ آخرون عارضوه وأضعفوا سلطته التي ما كانت واضحة إلا وقت الشدائد , حيث يلجأوون إليه لما كان يتمتع به من حكمة وحصافة رأي وشجاعة ، وبعد نظر ، لذا فإن عباد كانت تزداد عددا، لكنها تتقدم نحو التناحر والتنافر والشتات بسبب اختلاف الشيوخ وظهور شيوخ فيها من حين إلى حين، وتدخل الأتراك فيما بعد في دعم اتباع لهم في عباد كما في سائر العشائر في حينه , ليكونوا شيوخا وأصحاب أطياف. كان ذلك على حساب العبابيد العاديين وعلى حساب زعامة ابن ختلان. فأصبحت قوة عباد ضعيفة جدا رغم عددها الكبير وصار يتعذر جمعهم أو جمع كلمتهم بعد موت كايد الخثالين عام 1774م.

أما ابن عدوان فقد كان الحال على عكس ذلك تماما، إذ بقي ممسكا سلطة العشيرة لا يجروء أحد من الأتباع ( القرضة وغيرهم) معارضته أو ردّ كلامه أو مناقشته . ولكن مشكلته ان ظهرت المعارضة من داخل البيت العدواني حيث كان علي الذياب العدوان على خلاف مع قبلان العدوان، واحمد أبو عرابي الكايد. وكل له أتباعه، وبقيت إمارة القبيلة في أبناء حمدان أي في الصلب العدواني وهو الجد البعيد , ولكن هؤلاء الاحفاد كل يريدها لنفسه . أما إمارة عباد فقد تفرقت إلى مشيخات هشّة متناحرة , فضعفت العشيرة ودفع الناس الثمن . أما العدوان فكان الأتراك يخطبون ودّهم ويدعمون هذا الشيخ مرة، وخصمه مرة أخرى، وفي النهاية يكون الدعم لأسرة أبناء حمدان أي للعدوان من النسب .وبناء عليه بقيت شوكة العدوان مستمرة لان أحداً من أتباعهم لم يجروء على مخالفتهم، وانما نجد ان العدوان انفسهم قد خالفوا بعضهم بعضا , بينما تجرّ?Zأ أتباع ابن ختلان على مخالفته وتهميشه أحيانا .

وقد يقول البعض أن ذلك نمط من الديمقراطية والحرية عند العبابيد، وفقدانها عند ابن عدوان، مما أضاع السلطة في عباد من شيخ عباد , وتكريسها في العدوان في شيخ العدوان . ونحن نقول إن النتيجة كانت سيئة على عباد وابن ختلان، وكانت ايجابية على العدواني وأسرته. وان التفرق لا يمكن أن يؤدي إلى خير أبدا، وان التماسك يأتي بنتيجة طيبة في جميع الأوقات وان التعامل مع العربان في تلك الأجيال يحتاج إلى نمط السياسة التي مارسها ابن عدوان وهي أن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وليس إلى السماح للشيوخ الثانويين أن يوقفوا المسيرة.)من هنا خرج ابن ختلان بنتيجة تبيّن خطأ منهج التشاور الذي سلكه مع شيوخ العبابيد، والنتيجة هي مقولته المشهورة: عباد هدّدها ولا تشاورها؟اي اطلب منها الفزعة ولا تقل لها مارايكم ؟

لذلك كان أسلوبه في الحروب التي وقعت في منتصف القرن التاسع عشر انه يخرج على الناس بقوله: لقد اتفقت عباد على كذا وكذا فينفذون ما يقوله على انه موضع إتقاق الشيوخ. وقد شرحنا ذلك بالتفصيل في كتابنا : التاريخ السياسي للعشائر الاردنية ولا داعي للتكرار هنا.والحقيقة انه كان رايه وراي شيخ او شيخين معه كان اهمهم واكثرهم اخلاصا له هو : ابن نعيم ( النعيمات ) وهو صاحب الوظيفة الروحية عند العبابيد .

أدرك العثمانيون أهمية الأردن لطريق الحج فشّكلوا إمارة الغزاوي كما قلنا التي لقيت متاعب مع ولاية دمشق وكان مركزها عجلون وتشمل بلاد شرق الأردن حتى معان والعلا جنوبا، ونهر اليرموك شمالاً , وأصدرت الإدارة التركية دفتر عجلون عام 1560,1559 وقد تطرقنا إلى تفاصيلهما في كتابنا : التاريخ السياسي للعشائر الأردنية ولا داعي للتكرار . ومع هذا بقيت البلاد مسرحا للصراعات العشائرية منذ مطلع القرن التاسع عشر وذلك لضعف الإمارات التي شكلها المماليك مثل إمارة المهداوي وبني عقبة، واندثار إمارة الجرمي من الخارطة السياسية والاجتماعية، واختفت الأمارة الطائية، وتحوّل أمراؤها إلى عشيرة من بدو شمال الأردن وهم العيسى وبقيت زعامتهم في ( الماضي) ونزح فرع من آل الفضل بن عيسى بن حيار إلى السلط وأسس عشيرة الحيارات وهي أكبر عشيرة بالسلط الآن او من اكبر عشائر السلط حاليا .

تراجعت السلطات العثمانية وسحبت حاميتها العسكرية من عجلون والكرك، وصارت الأردن مهملة مثلما كان أمرها في العصر العباسي، مما أدى بالعشائر أن تدخل الساحة والمعادلة لملء الفراغ السياسي والإداري والأمني الذي ترتب على عدم وجود تمثيل للدولة فوق التراب الوطني الأردني. وصار الصراع في أكثر من بعد: بين المشيخات القديمة والناشئة وهذه سنة الحياة في التطور وحلول أناس مكان أناس، والرحيل من الأردن إلى خارجه، وعودة الكثيرين من الخارج إلى ربوع الآباء والأجداد. ونزوع بعض الوافدين للارتقاء إلى الشيخة حيث كان الناس في غاية الإرهاق والإجهاد والفقر والجوع , بينما نجد العديد من القادمين ملأى بالطاقة والطموح للوصول إلى السيادة والقيادة ، وذلك ما تحقق فعلا ، كما سنرى من الأمثلة المفصلة القادمة إن شاء الله تعالى.

وأمام هذا الفراغ وضعف الدولة وانشغالها في حروب البلقان مع العرب وحروب القفقاس ما بين الأتراك وروسيا بعد حرب داخلية ما بين القوقازيين والأتراك استمر من 1764 إلى عام 1864، وانتهت بصفقة مؤامرة تركية روسية على شعوب القوقاز وترحيلهم من بلادهم كي لا يستمروا مصدر إزعاج لروسيا التي تحتل بلادهم: أقول أمام هذا الفراغ تنبه الغرب مرة أخرى ولكن بدل إرسال حملات صليبية ربما توّحد العرب والأتراك، وترفع لواء الجهاد من قبل الخليفة , استبدلوا الحملات المسلحة بإرسال الرحالة الأذكياء الذين كانوا ضباط مخابرات يريطانية وألمانية , حيث جابوا بلاد الشام ومنها الأردن طولا وعرضا ودوّنوا كلّ صغيرة وكبيرة عن الأرض والشعب والمشاعر والأوضاع الاقتصادية، ووضعوا المخططات والخرائط اللازمة. وقد أطلعت شخصيا في جامعة كيمبردج عام 1980/ 1981 أثناء دراستي بها للدكتوراه على كثير من الرسائل والتقارير السرية التي كتبها الرحالة وبكميات تفوق ما طبعوه علنا وقراناه بكثير.

ومن أوائل الرحالة كان جون لويس بيركهارت .

وهو سويسري جاء إلى بلاد العرب ومنها الأردن مبعوثا من الجمعية الملكية الجغرافية البريطانية؟

وكتب العديد من الكتب وكلها في غاية الأهمية ومنها رحلات في سوريا والبلاد المقدسة ؟؟؟؟

وهو كتاب ضخم تحدث عن جولاته في سوريا والأردن وفلسطين، وأطال الحديث عن الكرك وأول رحالة أوروبي يدخل البتراء وقد سوّقها للعالم حيث تبعته بعثات ورحاله أخرون ليروا هذا الارث الحضاري العربي الاردني الذي نحته الفنان النبطي عبر مئات السنين ، كان من أهمهم البعثة الأمريكية التي جاءت عام 1902 وكتبت كتابا بعنوان ( وادي الأردن والبتراء) ؟؟؟ وقد ترجمته ( شخصيا ) إلى العربية وصدر مطبوعا في عام 2007 وقد تحدثت البعثة عن سوء إدارة الأتراك للبلاد. وضعف الدولة.

ومن الرحالة الذين ترجمت كتبهم : ترتسترام وهو من كلية سانت جونز كولج / كلية القديس جونز ؟؟؟ وهي الكلية التي تخرجت منها شخصيا في جامعة كيمبردج وكتب كتاب أرض مؤاب , الذي ترجمته إلى العربية أيضا ويتحدث عن انعدام السلطة الرسمية في شرق الأردن، وانشغال الناس في الحروب القبلية في ديارنا، وتحدث عن الغارة الوحيدة التي قام بها سطام الفايز وفرع الفايز من الطوقة على عباد في منطقته الذراع إلى الجنوب من وادي السير في عام 1872. لقاء زواج سطام من عليا بنت ذياب العدوان حيث اشترط أبوها على سطام مهرا لها , يوما / اي يوم قتال ضد عباد. وكان كذلك. إلا أن الغارة لم تحقق أهدافها وقد شرحناها مطوّلة في كتاب : التاريخ السياسي للعشائر الأردنية بالانجليزية .

ومن أهم الرحالة أيضا: الرائد كوندر؟؟ الإنجليزي الذي كتب عدة كتب وهي: أعمال المساحة في شرق الأردن وترجمناه الى العربية مع شروحات وتعليقات ؟ وكتابه أرض جلعاد الذي ترجمناه للعربية , والذي يذكر فيه شيئا عن السلطة العثمانية الهشة في السلط عام 1881 . وكتاب حث ومؤاب الذي ترجمناه أيضا للعربية وفيه وضع كوندر مخطط تقسيم بلاد الشام بحيث تكون سوريا لفرنسا , واما الأردن وفلسطين فتكون ضمن الهيمنة البريطانية ، ليكون هناك حاجز غير بريطاني ( فرنسي ) بين روسيا شمالا ومناطق الهيمنة البريطانية في الديار العربية جنوبا ، ولكي تكون الأرض المطلة على البحرين الأحمر والأبيض وعلى الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي تحت السيادة البريطانية، وكذلك كان . وكان يفترض صدور الترجمة في كتاب بالعربية عام 2007م إلا أن اعتقالي لمدة سنتين ظلما وعدوانا حال دون ذلك ولا أدري ما هو مصير الكتاب الذي يفترض نشره من دار جرير للنشر حيث وقعت معهم اتفاقا لذلك.وتحدث موزل في عدة كتب عن أوضاع الأتراك، وجاء حديثه عنهم في الأردن في كتابه شمال الحجاز قرأته بالإنجليزية ولم أترجمه ؟؟

وبذلك فان كتب الرحالة العرب والمسلمون ( من قبل ) والغربيين ( من بعد ) تعتبر أحد المصادر المهمة في الدراسات التاريخية عن الاردن والعشائر الاردنية وبخاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، لما تحتويه من معلومات مهمة عن النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والجغرافية , من شهود عيان وهم الرحالة . اما كتب الرحالة والجغرافيين المسلمين فقد خصصت لمدوناتهم وملحوظاتهم كتابا من جزئين بعنوان : الاردن في كتب الرحالة والجغرافيين المسلمين ( من 1500 ق . م – 1881 ميلادي ) وهي تحتوي زخما من المعلومات في هذا الاطار ايضا

ونرى من الضروري ذكر بعض اسماء وكتب الرحالة الاجانب الذين وفدوا الى الاردن ودونوا كتبا عن رحلاتهم الى بلادنا تضمنت معلومات هامة عن العشائر ومظاهر الحياة وثقافة الناس بشيء من التوضيح . ومن هؤلاء :

1)جون لويس بيركهارت)

الذي نشر رحلته سنة 1238هـ (1822م) تحت اسم (Travels in Syria and the Holy land وكان جاء الى البلاد العربية ومنها الاردن مابين 1812 – 1817 ). وقد تطرق في كتابه إلى العلاقة بين القبائل البدوية والسكان المستقرين. كم تضمنت معلومات مهمة عن النواحي الجغرافية والاقتصادية في المنطقة.

( من ابرز ما تطرق اليه الرحاله ( بيركهارت ) انه اثناء زيارته لارض ابن طريف / بني حميدة في الكرك تم استقباله اجمل استقبال ثم فوجيء في صبيحة اليوم التالي ان الشيخ بن طريف كان يحتضر في البيت الثاني , وانه توفي اثناء الليل ولم يعلموه ( الرحالة ) بذلك الا في الصباح خشية تعكير صفو الضيوف . وقد ترجمت له كتابين هما : ملحوظات عن البدو والوهابيين , بجزئيه

2) جورج اوجست فالن (G.A. Wallin) :

الذي نشر رحلته في سنة 1325هـ (1907م) تحت عنوان (Travels in Arabia (1845-1848)). حيث زار منطقة معان سنة 1264 هـ (1848م)، ودوّن مشاهداته عن المنطقة، واصفا العلاقة بين القبائل المحيطة من جهة، وبين سكان الأرياف من جهة أخرى، كما أشار إلى المحاصيل الزراعية في المنطقة، وبعض الحرف وطرق التعامل التجاري بين السكان، وأورد إشارات هامة عن طرق المواصلات في منطقة معان.

3) تريسترام (H. B. Tristram) :

الذي زار الكرك والبلقاء حوالي سنة 1288هـ (1871م)، ونشر نتائج هذه الرحلة سنة 1290هـ (1872م) تحت عنوان (The Land of Moab) وهو الكتاب الذي ترجمناه للعربية وصدر في طبعتين . وقد دوّن في كتابه ما شاهده من معلومات عن العشائر الاردنية في الحاضرة والبادية . كما ذكر معلومات هامة عن نشاط السكان الزراعي، وعن علاقات المنطقة التجارية مع المناطق المجاورة لها. وأورد بعض المعلومات المهمة عن المواقع الاثرية .

( يذكر في مذكراته أن الوالي العثماني قد سلمه كتابي شكر للشيخ احمد بن طريف و الشيخ سطام بن فندي الفايز ليساعدوه في الرحلة وذلك لقوة نفوذ الشيخين في منطقة مؤاب وما حولها وكتاب أخر من باب المجاملة لأي شخص يلقوه .

4) ميرل (Selah Merril) :

الذي قام برحلته في البلقاء سنة 1293هـ (1876م)، ونشر نتائج رحلته سنة 1299هـ (1881م) تحت عنوان (The East of Jordan) الذي ترجمنا الى العربية . وقد ذكر في كتابه معلومات القبائل البدوية في المنطقة، وأورد معلومات تتعلق بالنواحي الاقتصادية وقد ترجمت قسطا منه وتقفت الترجمة بسبب اعتقالي السياسي لسنتين .

5) داوتي (Charles M. Doughty):

الذي مر في المنطقة سنة 1292هـ (1876م)، ونشر نتائج رحلته سنة 1306هـ (1888م)، تحت عنوان (Travels in Arabia Deserts) والكتاب مكتوب بلغة ادب القرون الوسطى , ولم لتمكن بعد من ترجمته الى العربية وقد قراته اثناء تحضيري للدكتوراه مطلع ثمانينات القرن العشرين . وقد ذكر معلومات قيمة عن النواحي الجغرافية والعمرانية وكتيه باللغة الادبية التي كانت سائدة في العصور الوسطى .

6) جري هل (Gray Hill) :

الذي زار المنطقة أكثر من مرة في الفترة الواقعة بين سنتي 1306-1308 هـ (1888-1890م)، ونشر نتائج رحلاته بعنوان (With the Beduins) والذي ترجمناه الى العربية بعنوان : مع البدو وصدر بنسخة تتضمن النصين العربي والانجليزي . وتحتوي هذه الرحلات على معلومات قيمة عن القبائل البدوية في منطقة الكرك والبلقاء

اهدى خاتم للشيخ احمد غبن بن طريف لنبله وكرمه وعربوناً للصداقة . ( هذا ما كتبه المؤلف )

7) روبنسون ليس (Robinson Lees):

الذي زار قضاء السلط سنة 1308هـ (1890م)، ونشر نتائج رحلته بعنوان (Life and Adventure Beyond Jordan) وقد ترجمناه الى العربية وصدر في كتاب وهو كتاب صغير . وقد ذكر معلومات قيمة عن الحياة الاجتماعية في قضاء السلط .

8) هورنشتاين (Charles Alexander Hornstein):

الذي زار الكرك سنة 1313هـ (1895م)، ونشر نتائج رحلته في مجلة صندوق استكشاف فلسطين التي كانت تصدر في لندن سنة 1316هـ (1898م)، تحت عنوان (A Visit to Kerak and Petra). وقد ذكر معلومات تفصيلية عن حركة الشوبك التي حصلت سنة 1313 هـ (1895م)، كما أورد معلومات تتعلق بحركة المواصلات وجغرافية المنطقة.

9) أنطونين جاوسين (Antonin Jaussin) فرنسي الجنسية:

زار لواء الكرك ثلاث مرات في الفترة 1313-1323هـ (الموافق 1895-1905م)، ونشر نتائج رحلاته سنة 1325 هـ (1907)، تحت عنوان (Coutumes des Arabs au Pays de Moab). وتعتبر هذه الرحلة من المصادر التاريخية المهمة حيث أن فيها معلومات قيمة ونادرة عن العشائر الاردنية ، ومعلومات عن المحاصيل الزراعية والأدوات الزراعية المستخدمة في المنطقة، والمشاكل التي كانت تواجه الزراعة، وكذلك معلومات عن المكاييل المستخدمة في المنطقة، وطرق التعامل التجاري، إضافة إلى معلومات عن نشأة بعض القرى.

10) ميجر كوندر (Major C. R. Conder):

الذي قام بمسح جزء من قضاء السلط سنة 1299هـ (1881م)، ونشر نتائج هذا المسح سنة 1300هـ (1882م) تحت عنوان (The Survey of Eastern Palestine) وقد ترجمته الى العربية مزودا بشروحات مني لاسماء الاماكن التي وردت في الكتاب . وقد ذكر في كتابه معلومات هامة عن القبائل في القضاء، ومناطقها، وعدد أفرادها وخيمها، كما ذكر معلومات جغرافية عن القضاء. ثم جاب المنطقة مرة أخرى في الفترة ما بين سنة 1299-1300هـ (1881-1882م)، ونشر نتائج رحلته سنة 1301 هـ (1883م)، بعنوان (Heth and Moab).وقد ترجمناه ايضا الى العربية

11) لورنس أوليفانت (Laurence Oliphant):

الذي قام برحلته في البلقاء سنة 1297هـ (1879م)، ونشر نتائج رحلته سنة 1298هـ (1880م) تحت عنوان (The land of Gilead) وقد ترجمناه الى العربية وهو من اروع الكتب التي كتبها الرحالة ..

12) ثيودر داولنج (Theoder Dowling):

الذي زار الكرك سنة 1314هـ (1896م)، ونشر نتائج هذه الرحلة في السنة نفسها في مجلة صندوق استكشاف فلسطين التي كانت تصدر في لندن سنة 1316هـ (1898م)، تحت عنوان (Kerak in 1896). وقد ذكر معلومات قيمة تتعلق بالحركة العمرانية والمواصلات.

13) جودريتش فرير (Goodrish Freer):

الذي مر في لواء الكرك سنة 1321هـ (1903م)، ونشرت نتائج رحلته سنة 1323هـ (1905م)، تحت عنوان (In a Syrian Saddle). وقد ذكر بعض المعلومات الهامة التي تتعلق بالنواحي الجغرافية والاقتصادية.

14) وليم ليبي وفرانكلين هوسكنز(William Libbey and Franklin Hoskins):

الذين نشرا نتائج رحلتهما سنة 1323هـ (1905م)، تحت عنوان (The Jordan Valley and Petra) وقد ترجمنا هذا الكتاب الى العربية ..

15) فوردر (Archibald Forder):

الذي زار الكرك سنة 1328هـ (1910م)، ونشر نتائج رحلته سنة 1338هـ (1920م)، تحت عنوان (In Brigand’s Hands and Turkish Prisons). وقد ذكر بعض المعلومات عن حركة الكرك التي حصلت سنة 1328هـ (1910م).

16) كارل بيديكر (Karl Baedeker):

الذي نشر نتائج رحلته تحت عنوان (Palestine and Syria)، وقد ذكر فيها معلومات قيمة تتعلق بالناحية الاجتماعية والإدارية.[/SIZE]

كان اتصال الرحاله الأجانب بالأردن أكثر ما يكون مع ثلاث عائلات هم العدوان، الفايز ، المجالية . وبالتالي فإن الكثير من الروايات الموجودة حول العشائر والناس والبلاد هي غالبا اتكون وجهة نظر واحدة تعود لأحد هؤلاء , أي حسب الرحالة مع من يذهب؟ أو من يقابل ؟ . وهناك العديد من الكتب التي قمت بترجمتها وطباعتها تتحدث هن هذه الفترة , ومنها قصة الجيش العربي لكلوب باشا .

في غياب السلطة وسيادة الفراغ السياسي تحرك إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر لاحتلال الشام وبلاد الحجاز وقد ذكر بيركهارت في كتابه المفصّل :

ملحوظات عن البدو والوهابين

الذي ترجمناه إلى العربية.تفاصيل حرب محمد علي باشا في الحجاز والطائف وت?Zر?Zبه وعسير وسواحل تهامة ، ومكة المكرمة والمدينة المنورة، ووحشية هذا الضابط الألباني الذي لا علاقة له بالإسلام والعروبة . وان كل من يقرأ كتاب بيركهارت الذي ترجمناه للعربية ( ملحوظات عن الوهابيين ) يبكي من سوء تعامل محمد علي مع العرب بعامة، والأشراف بخاصّة. حيث أساء إليهم إساءات الحاقد على العروبة والإسلام وال البيت .

كانت مطامع محمد علي باشا أن يحكم مصر والشام والحجاز والسودان ووادي النيل وأن يؤسس فيها مملكة وراثية في أعقابه من بعده. وقد سيّ?Zر ولده إبراهيم لاحتلال الشام من السلطة العثمانية المركزية . وشرع في اجتياح سوريا برا قادما من مصر إلى فلسطين إلى الأردن عام 1831. كان ذلك المسير بسبب نكوث الاستانه بوعودها لمحمد علي أن تعطيه الشام , لقاء اشتراك ولده إبراهيم في معركة مع اليونانيين في عام 1827، لكن الدمار والانكسار والانحسار كان من نصيب إبراهيم باشا وأراد أن يبحث عن مجال جديد يمارس في هوايته في الحروب، ويحقق أهدافه السياسية ويتوسع على حساب سلطة الدولة المركزية، ويؤسس لعرش وراثي في البلاد العربية وان يكون مركزه في القاهرة واجنحته في وادي النيل والشام وجزيرة العرب والحرمين الشريفين للحصول على الشرعية الروحية .

أعلن إبراهيم باشا الألباني انه راعي القومية العربية وصار عربياّ أكثر من العرب ومصريا أكثر من المصريين ومسلما اكثر من المسلمين ومتحررا اكثر من الاحرار والمتحررين , واظنه لم يكن ايا من هؤلاء ، ونادى بتحرير الأقطار العربية من الاحتلال العثماني ، ووجدت دعوته هذه أذانا صاغية بسبب عدم وجود أية قيادة عربية في الساحة انذاك . وتقمّ?Zص إبراهيم باشا شخصية العربي القومي الحريص على تحرير الأرض والإنسان والعروبة من الاحتلال التركي . وكانت مصر تحت سيادة والده، وكذلك كانت الحجاز التي خاض فيها شقيقه توسون باشا حروبا ضارية لكنه (توسون) مات مسموما على يد والده محمد علي باشا حسبما ذكر بيركهارت في كتابه المذكور أعلاه . وكان إبراهيم وهو الابن الأكبر أكثر طاعة لأبيه من أخيه توسون الذي صار يتمرد على أوامر والده , مما قلل من هيبة محمد علي باشا الذي لم يتوانى بالتخلص منه.

زحف إبراهيم باشا إلى سوريا واحتلها ثم توغل في أسيا الصغرى ينوي إسقاط الخلافة العثمانية وإعادتها إلى القاهرة باعتبار أن السلطان سليم الأول قد أخذ الخليفة وسجنه واجبره على التنازل عنها، وبالتالي فهي مصرية وهو أحق بها من الأعاجم ( حيث كان يتحدث كعربي؟؟!!) وقد حقق انتصارات على الجيش التركي كان أخرها معركته في قونية مما أجبر السلطان على عقد معاهدة معه للصلح عام 1833. نال فيها محمد علي باشا سوريا بأكملها من العقبة إلى حدود الأناضول وتشمل سوريا والأردن وفلسطين، وصار إبراهيم هو والي بلاد الشام كلها .

إلا أن إبراهيم باشا الذي دخل سوريا مزهُوّا بالنصر على السلطان والسلطة المركزية أدخل نظاما صارما على إدارة البلاد مما أثار السكان فثاروا ضدّه ونشبت الفتن في كل مكان الأمر الذي أثلج صدر الآستانة التي أزرت الثوار ضد إبراهيم باشا ومدتهم بالمؤن والذخائر والأسلحة , لأنهم يحاربون نيابة عنها، ثم جد?Zدت عليه حملة لاخراجة من سوريا، والتقت قواته وقواتها في نصيب شمال شرق الأردن. لكنه تغلّب عليها وهزم جيشها، وسار نحو ربوع شرق الأردن يقمع كل من يعارضه وينهب كل من لا يرحب به.وكان الغرب الذي يسيل لعابه لاسقاط الخلافة يجد في محمد علي باشا ومشروعه وسيلة ممتازة لانهاء هيمنة العثمانيين من بلاد مصر والشام وجزيرة العرب , ومدوه بالاسلحة المتطورة التي لم تكن متوفرة لدى العثمانيين . وكل ذلك تمهيدا لاقتسام البلاد في نهاية المطاف بين مراكز النفوذ البريطاني والفرنسي كما ذكرنا عند الحديث عما اوصى به الرحالة كوندر في كتابه : حث ومؤاب اعلاه .

اشتعلت ثورة نابلس التي قادها قاسم الأحمد الجماعين ضد ابراهيم باشا وظلمه وتجبره ، فتوجه إبراهيم بجيشه إلى نابلس لقمع ثورة جبل النار , ففر قاسم إلى الخليل طلبا للنجاة، حيث لم يكن والثوار قادرين على المجابهة والمنازلة بسبب فارق العدد والعدة والاسلحة المتطورة بمفهوم ذلك الزمن ، وبخاصة أن السلطات العثمانية وقفت عاجزة من مساعدتهم وعن صدّ الجيش المصري. ودخل إبراهيم باشا إلى نابلس وضربها بيد من حديد، ثم توجه إلى الخليل للقبض على قاسم الأحمد، الذي لم يجد بدّ?Zا من التوجه إلى بلاد الملاذ الأمن وهي قلعة الكرك في الأردن حيث دخل في حماية شيخ القلعة وشيخ مشايخ الكرك في حينه الشيخ إبراهيم الضمور الغسّ?Zاني. وهنا تتوقف عند هذا الرجل الوطني قليلا .

الشيخ إبراهيم الضمور الغساسنة شيخ مشايخ الكرك في حينه في ثلاثينات القرن التاسع عشر. يعود في نسبه إلى أمراء الغساسنة الذين اتخذوا الأردن موطنا لهم بعد قدومهم مع الملك عمرو بن ميزيقيا بن ماء السماء الذي استقر في بلاد الشام واسس امارته الغسانية في شرق الاردن وسوريا بما فيها دمشق وكان حليفا للروم . ومن الواضح أن الشجاعة والحكمة والوطنية التي تمتع بها الشيخ إبراهيم الضمور الغساسنة، ليست وليدة لحظة وانما هي جينات متوارثة أبا عن جدّ، لان الزعامة الحقيقية وليست الوهمية والشجاعة والتضحية لا تأتي عابرة، وإنما لا بد لها من جذور وجينات وراثية.

وقد اعتصم إبراهيم الضمور الغساسنة في القلعة ومعه اهل الكرك وقاوم مقاومة الابطال . ولكن ابراهيم باشا قبض خارج القلعة على ولدين من أولاد الشيخ إبراهيم الضمور واحرقهم أمام عيني والديهما لكي يقوم بتسليم القلعة ، إلا أن الشيخ إبراهيم قبل التضحية بولديه رافضا تسليم الدخيل قاسم الاحمد الجماعين أو فتح أبواب القلعة لأنه لو فعلها للحقه العار ابد الدهر، ولقام إبراهيم باشا يقتل الناس وأولهم الشيخ إبراهيم نفسه. ومثل هذا المشهد والحدث يذكرنا بالملك ميشع الذي ضحى بأولاده وألقاهم من فوق أسوار القلعة أثناء محاصرة بني إسرائيل للقلعة، فلاذ الغزاة بالفرار عندما راوا جثث أولاد ميشع تقع أمامهم.فذاك هو الملك ميشع الوطني الاردني في عصر الوثنية , وهذا هو ( الشيخ ابراهيم ) حفيد الملوك الغساسنة الوطني الاردني في عصر الاسلام .

وتكرر المنظر والموقف في الحالين وعند الزعيمين رغم فارق الزمن والدين , اقول تكرر المنظر والحدث والموقف نفسه عندهما ، فقد اطل يوشع على بني اسرائيل وذبح ولده امامهم دفاعا عن قير حارسة / الكرك وتقربا للالهة . اما في حالة الشيخ إبراهيم الضمور الغساني فقد اطل وزوجته من فوق سور القلعة , هي تزغرد وهو يتحدى وولديهما يحترقان , قائلا بصوت قوي جهوري: تحيا الكرك ونموت جميعا وتحيا الأردن ، ونموت جميعا وتبقى الكرك , فأصدر إبراهيم باشا أوامره بالهجوم الجنوني على القلعة فاقدا صوابه، ثم أطل عليهم الشيخ إبراهيم الضمور الغساني مرة أخرى. وقال نحيا جميعا وتحيا الأردن، نحيا جميعا وتحيا الكرك لا استسلام ، الشهادة أو النصر، عودوا أيها الغزاة إلى بلادكم إن للكرك أهلها الذين يحمونها وللبلاد أهلها الذين يحمونها ، ولن تنالوا منا شيئا. واصوات البنادق تنطلق من طاقات القلعة فوقع القتلى من جيش إبراهيم باشا الذي كان بدون حماية أو وقاية بينما تشكل الأسوار حماية هائلة لرجال الشيخ إبراهيم الضمور. والذي قام بتهريب الثأئر قاسم الأحمد تحت جنح الليل إلى قلعة السلط.

قام احد العيون بإخبار إبراهيم باشا أن الثأئر قد غادر وهو في طريقه إلى السلط، وان الشيخ إبراهيم لن يعطيه القلعة، فما كان من القائد المصري إلا ورحل مغادرا المكان ورافعا الحصار متجها إلى السلط حيث دخلها الثائر بحماية ورعاية مسلحين من رجال إبراهيم الضمور , وصاروا في حماية السلطية والعبابيد والعدوان .

سلك إبراهيم باشا طريق اللجون حيث ارتوى وجيشه. ثم إلى ذيبان، ثم إلى زيزيا، حيث خيم على بركتها، وهنا تصدى له فرسان بني صخر البواسل الذين هاجموا معسكره ليلا ، إلا انه لحق بهم وحاصرهم في قرية القسطل واستسلم منهم العديد بسبب الإجهاد والعطش فقتلهم ودمر زيزيا والقسطل. لقد كان إبراهيم باشا عنصر تخريب وتدمير ويحمل حقدا دفينا على العرب بعامة وعلى كل متنور او ثائر منهم بخاصة ، ويدعي حبه للعرب، والمناداة بالقومية العربية. لقد كان يحب نفسه، ويحب مصلحته فقط وليس غير ذلك اطلاقا.كان يسعى لتوطيد سلطته وتحويلها الى ملك عقيم .

لا أريد الدخول في التفاصيل حول ذلك حتى لا نأخذ الكتاب عن مساقة , ولكن إبراهيم باشا لم يجد قاسم الأحمد في السلط بل فرّ من هناك إلى قبيلة عنزة التي سلّمته فيما بعد للاسف الشديد , ولكن الاردن لم تسلمه ولا باية حال من الاحوال ، وقام إبراهيم باشا بتخريب قلعة السلط وترك بها حامية للسيطرة على الناس، ولمنع أية ثورات , وسار إلى دمشق وكان يتصرف بجنون همه السيطرة، والقتل والتشريد والهدم وارهاب الناس لكي يكون له شوكة , وان يوسس لنفسه ملكا لنفسه ولذريته من بعده في البلاد العربية .

وهنا تدخلت القوى الاروبية عام 1841 وأرغموا الجيش المصري على ترك سوريا والانسحاب الى مصر، مقابل منحه السودان ودارفور ومصر وجعل ولاية مصر وراثية في بيت محمد علي وهو ما كان يصبوا إليها أصلاً.

وكان يعمل بالسخرة ولا يأخذ راتبا ( حسب الروايات) ووجد إبراهيم ان لا مناص من العودة الى مصر , وانه يسير في بلاد معادية له، وان هذا العداء مدعوم من الاستانه وأوروبا . لذا رأى أنه يوزع جيشه اثناء عودته في ثلاثة طوابير طمعا في سلامته من الابادة أو الاعتداء. وكان حكيما في ذلك بالفعل.

(أ) ألطابور الأول يتحرك من دمشق الى المزيريب/ ثم الى عمان ثم حسبان ثم ذيبان ثم اللجون ثم إلى الكرك ثم إلى غزة ثم الى مصر.

(ب) الطابور الثاني يسير عبر طريق البادية شرقي عمان إلى القطرانة إلى الحسا ثم الى معان ثم إلى النقب فالحميمة ثم الى العقبة ثم الى مصر وجعله تحت قيادة سليمان باشا.

ج- الطابور الثالث تحت قيادة إبراهيم باشا نفسه وسار الى عجلون ثم الى جرش ثم الى السلط، ثم الى الغور حيث كان بنو صخر وعباد في كمين للثأر منه وصارت بينهم إشتباكات، ولم يكن له طابور يكفي لصد الهجوم الصخري العبادي. وتراجع نحو القدس، متظاهراً أن هدفه الهجوم على المدينة المقدّسة مما أتاح للطابور الأول أن يدخل غزة ويتجاوز إلى مصر، أو أن الجيش التركي الذي تحرك لضرب الطابور المصري المتجه إلى غزة، وجد من الضروري العودة للدفاع عن القدس، فصارت طريق غزة مفتوحة واقفة أمام الطابور الأول.

وعندما توكد من نجاة طابوره الأول وانسحاب الجيش التركي إلى القدس وتمركزه هناك في حالة دفاع، تحرك إبراهيم باشا نحو الكرك قاصدا الانتقام من الشيخ إبراهيم الضمور الغساسنة وإحتلال القلعة وقتل الشيخ وتخريب القلعة قبل ان يعود الى مصر.

وما أن أطلّ على الكرك حتى أغلق الشيخ إبراهيم أبوابها أمام الغزاة مرة أخرى وصار إبراهيم باشا الغازي المحتل قزماً أمام إبراهيم الوطني الزعيم الذي فضلّ الموت على الحياة. وأرسل إبراهيم باشا من يفاوض الشيخ ابراهيم الضمور , راضخا للمفاوضات بدل القتال . وكانت النتيجة يستحيل على المحتل أن يدخل القلعة، لكن الشيخ إبراهيم الغساسنة جاهز على المصالحة في دائرة: لا غالب ولا مغلوب. واتفق الشيخ إبراهيم مع رجاله أن يرسلوا جيش إبراهيم في مهاوي الهلاك . واوكلت المهمة الى جلحد بن سالم الحباشنة الذي يعرف الطرق الوعرة , والذي خرج متطوعا ليدل الجيش المصري على طريق النجاة ؟؟؟ فوافق ابراهيم باشا على ذلك وسار بدلالة جلحد، فأتى به طريق الموت حيث فقد نصف جيشه موتا من الإرهاق والعطش ووقوع الصخور عليهم.

ونجا ابراهيم باشا وهلك اغلب جيشه ، وعاد جلحد بعد أن وصل غور الصافي وأخبر الشيخ إبراهيم بأن موتى الجيش كانوا عشرات أضعاف موتى المعارك لو وقعت بين الطرفين، وأن رجال الكرك سلموا والحمد لله. فصار المثل: مثل دلّه جلحد؟؟؟ وهي تضرب لإيقاع القوم في مهاوي الردى والموت , وهو يتظاهر أنه يدلهم على الخير والنجاة .ومن غور الصافي سار إبراهيم باشا بمن تبقى من جيشه إلى وادي عربة ثم إلى غزة، ثم إلى مصر.

إن الوطنية ليست نسمة هواء عابرة، بل هي جينات متجذرة في الدم , وقد كان دور جلحد هو خداع هذا المحتل وأضعافه كي لا يعود ويقتل وينهب ويغتصب , وهو بعمله هذا قد أنقذ أرواح الأردنيين وأعراضهم وأموالهم من النهب والحرق، وإننا لنشكر الله أن الروايات التي تداولها أبناؤهم وقد وصلتنا نحن وسارعنا الى تدوينها لتتحول من روايات قابلة للشطب والإهمال والتحريف الى حقائق بين يدي الأجيال القادمة ومن تاريخ مضاع الى تاريخ مصاغ .

ورغم أن جيش إبراهيم باشا كان يحمل الموت والدمار والعنف معه، إلا أنه كان يحمل هيبة الدولة التي أوقفت الغزوات العربانية، وما أن غادر البلاد حتى صار الفراغ، وعادت عمليات الغزو والنهب مرة اخرى ، وصار القوي يأكل الضعيف وصار المتحرك ( البدوي) يؤذي المستقر ( القروي) , ومن الأمثلة أن عرب ألسعيدي اعتدوا على الأراضي التابعة لناحية الوسطية: ومنعوا أهلها من زراعتها فما كان من هؤلاء الفلاحين إلا واشتكوا الى والي نابلس الذي جرد حملة لطرد ألسعيدي من أراضي الوسطية. فصمد هؤلاء أمام الجنود الأتراك ورفضوا الانسحاب أو الاستسلام حتى أبيدوا ( أي المقاتلون من رجال السعيدي ) عن بكرة أبيهم. وقد وقعت المعركة في وادي العرب الى الغرب من إربد وتم دفن القتلى في تل هناك لا زال يسمى: تل السعيدية، وتحدث عنه الرحالة ألمهندس الألماني شوميخر في كتابه : أبيلا، بيلا وشمال عجلون. وهو مؤلف كتاب أخر بعنوان عبر نهر الأردن الذي ترجمناه الى العربية وصدر عام 2007م.؟؟

وعلى أثر معركة الأتراك مع عربان ألسعيدي ، وجد العثمانيون أن إهمالهم للديار الأردنية خطأ استراتيجي فادح فاضح، رغم انشغالهم في فلسطين والحروب مع روسيا، ووجدت أن ترسل حامية الى عجلون حيث أنشأت فيها سنجقا وجعلته تابعا لمتصرفيه نابلس، وعّنيت له قائم مقام وذلك عام 1850/1851 . وقد كان هذا السنجق أو القضاء يشتمل أراضي شمال الأردن من نهر اليرموك الى نهر الزرقاء باستثناء الرمثا التي تم إلحاقها بسنجق حوران من وادي الشلالة نحو الشمال أما الغور ؟ فكان تابعًا لقائمية طبريا.

ونعود إلى الأمر من أوله، إذ أن الأتراك أنشأوا لواء في عجلون عام 1550/ حتى 1560، وأنشأوا إمارة الغزاوي وكان هذا اللواء يشمل الأردن حتى العقبة وتبوك جنوبا والغور بضفتيه، ثم انسحب العثمانيون وتركوا البلاد خرابا حتى عام 1850 أي بعد ثلاثة قرون. ولنا أن نتخيل إهمال الأردن لثلاثة قرون متتالية ليس فيها إدارة ولا خدمات رسمية. ولا حماية. إن نسخة الأمراء العباسيين قد أعيدت مرة أخرى، وصار القوي يأكل الضعيف، وهاجر الكثير من أهل الأردن تاركين بلادهم ، حتى إذا ما شعروا ببصيص استقرار عادوا ثانية إليها ولكن بعد حين .

ويذكر صالح مصطفى التل في مذكراته التي نشرناها كاملة في كتابنا : العشائر الاردنية ( الارض والانسان والتاريخ 2004 ) أن الشيخ يوسف الشريدة ( والد كليب وجد عبد الله) قد أخذ خرجا من المال وذهب إلى والي الشام وقدمه هدية له، مقابل فصل اتخاذ قرار بفصل عجلون عن نابلس وأتباعها لدمشق مباشرة، وكذلك كان .

ولا بد من الوقوف قليلا عند مافعله الشيخ يوسف الشريدة رحمه الله. فقد رأى أن عجلون لا تقل أهمية عن نابلس ان لم تساويها بكل مقومات البقاء ، وان الأيسر على الناس أن يذهبوا إلى دمشق لانها عاصمة البلاد الشامية كلها بما فيها عجلون ونابلس اللتان يجب ان تقفا على قدم المساواة معا . كان الشيخ يوسف يبحث عن العدالة, وعن الاستقلال الوطني , وعن احترام المشاعر والكرامة الوطنية. ومن الواضح أن الفكر الوطني كان في ذهنه. وان أهل البلاد يقبلون لأنفسهم أن يكونوا جزءا مباشرا من الولاية وتابعين لعاصمتها , لكنهم يرفضون التبعية لألوية أخرى. فلعجلون ثقافتها الخاصة بها وكذلك شخصيتها .

والنقطة الأخرى. أن يوسف الشريدة وهو الزعيم بن الزعيم، صاحب الكلمة التي لا تنافس في محيطه في حينه , شعر بالمسئولية التاريخية الملقاة على كاهله , ولتوكيد زعامته للشمال بعد ان انحسر نفوذ عشيرة الغزاوي واقتصارهم على الغور الشمالي . أراد الشيخ يوسف الشريدة عند الحديث بين اهله واتباعه أن يقولوا أنه قابل الوالي، وليس أن يقولوا قابل المتصرف. وهكذا لم تدم تبعية عجلون لنابلس لأكثر من وقت محدود. صدر بعدها فرمان الوالي بتبعيتها لدمشق مباشرة واشتملت على الاردن الحالي وحتى العلا جنوب تبوك وضفتي نهر الاردن في الغور والى العقبة وجزء كبير من حوران .

كان يوسف زعيما بمعنى الكلمة. جمع بين البداوة المتوارثة من حياة أبائه الجذاميين في الكرك ( بن حماد / بن رباع ) ، وبين حياة الاستقرار الزراعي في دير أبي سعيد فبقيت الأخلاق البدوية والانفة البدوية هي المنهج . وصار نمط الحياة نمطا زراعياّ?Z. ولكنه لم يساوم على الزعامة والكرامة المتوارثة في أسرته إلى درجة أن ولده كليب الشريدة قام بثورته المشهورة في عام 1923 ضد الإدارة البريطانية بالأردن في حينه وتم قمعه بالقوة العسكرية التي لاطاقة له ولعربانه بها انذاك .

وبغياب إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ارتفعت وتيرة الغزو والقتال بين العربان ، وبخاصة بين العدوان وأحلافهم من جهة , وعباد وبني صخر كحلف واحد من جهة أخرى. واستمرت المعارك المؤسفة حتى عام 1850 عندما غادرت عشائر عباد ديار البلقاء نازحة إلى بيسان عند حلفائهم الصقور , وكان شيخهم آنذاك إبن ملاك , وبدعم من المسعودي وكان شيخهم الضامن .

وبدلا من اتفاق الأردنيين على التوحد وتوطيد الأمن والاستقرار ، وهم احوج ماكانوا اليه فيما مضى كما الحال في كل حين , فانه وبغياب الخطر الخارجي , قد زادت الصراعات الاردنية العشائرية الداخلية الى درجة مخزية، حيث بدأت التصفيات في عشائر الكرك، وأخرى في عشائر الوسط، وأخرى في عشائر الشمال. أما في الكرك فإنه وبموت الشيخ إبراهيم الضمور الغساسنة، غاب مجد زعامة الغساسنة للكرك وديارها في منتصف القرن التاسع عشر ، وصار التنافس الداخلي على أشده بين شيوخ العمرو بعضهم ضد بعض , الذين يريدون استعادة أمجادهم التي كانت زمن الايوبيين , كما مارسوا من الاعمال والفوقية على عشائر الكرك ماجعل هذه العشائر الكركية تتكاتف معا , فانقضت على العمرو لانهاء نفوذهم من ديار الكرك , وكذلك كان . فقد استمروا بامارة الكرك العشائرية اكثر من سبعة قرون وهي كافية لانهاك قوى اية مشيخة عشائرية او سياسية .

وبعد المذبحة انحسر نفوذهم وتفرقوا في داخل الاردن وخارجه . اما من كان منهم في فلسطين فكانوا ذهبوا في حرب حطين واستقروا كما سبق وشرحنا في شمال فلسطين والخليل , وفي شمال الاردن مثل الجرادات وصار منهم فروع مع العبابيد . وهم في هذه الحالة انتقلوا من عشيرة جذامية الى اخرى جذامية ايضا , وهو امر طبيعي . ولكن لم تقم للعمرو قائمة بعد ذلك نحو الامارة العشائرية المتوارثة او الشيخة المتقدمة منذ ذلك الشتات الى الان .

وبغياب زعامة الغساسنة ( الضمور ) وجذام ( العمرو ) , صار الفراغ وهو مالا تقبله الطبيعة , فتحرك المجالية لاخذ الشيخة في الكرك بعد ان رتبوا ( المجالية ) الثورة الكركية ضد العمرو الذين خسروا ( اي العمرو ) هذه الزعامة بطريقة مشابهة تماما لما حدث لأبناء عمهم المهداوية الجذاميين في البلقاء. فقد تمت تحت دعوة بني عقبة الى الغداء من قبل الكركية الذين اعملوا السيف في ضيوفهم العمرو وقتلوهم شر قتلة ، فتشتتوا في ارجاء الأردن وفلسطين كما قلنا توا . ولم يبقى من العمرو بالكرك إلا عدد ضئيل ( مقارنة باعدادهم السابقة ) , وقد تفرقوا على اطراف الموجب ( قرى العمرو ) شمالا والحسا جنوبا مبعدين ( بضم الميم وفتح العين ) .

تلا ذلك اشتعال الحروب بين بني حميد وبني عطية الذين خسروا ( بني عطية ) المعركة وانسحبوا نحو الصحراء في القطرانة- وإلى الجنوب في معان، ثم صار أغلبهم جزءاً من الدولة السعودية ويحملون تابعيتها الان ، وبقي عدد ضئيل منهم في القطرانة ( محافظة الكرك). وكانت زعامة هؤلاء في أل الأصفر، وكان أخر من عرفت شخصّ?Zيا من شيوخهم الشيخ المرحوم حامد الاصفر (أبو فواز) وكان رحمه الله صديقا شخصياً للمؤلف.

وظهرت عشيرة المجالية في الكرك قادمين من الخليل وقد مزجوا بين السيف والسياسة والدهاء واحتواء الأعداء والأصدقاء على حدّ سواء. وبرهن العديد من رجالاتهم عبر تاريخهم بالأردن على نبل التعامل مع الآخرين والتسامح مع المتجاوزين عليهم. وبجمعهم لهذه المتناقضات صار لهم مكانتهم في الكرك، رغم أنهم أحدث عشيرة جاءت إليها. وهم أكثر عشيرة كركية تهتم بالتاريخ والتدوين عنهم لدى الرحالة والمؤرخين والجهات الرسمية بغض النظر عن صحة أو عدم صحة مايروونه , او ما يقال عنهم من مدح أو قدح , ويمكن القول انه كان للمجالية حُس?Zاد كثيرون ولكن لم يكن لهم من الأعداء إلا القليل . اما الان فان الدنيا قد تغيرت .

أما بني حميدة / جذام فقد امتدت في مناطق الطفيلة والكرك ومادبا، ولهم شيوخهم ومراجعهم العشائرية ، وقد عانوا كثيرا من الأتراك، وسبق العديد منهم الى مقاصل الكرك والشام بسبب مواقفهم الوطنية الأردنية المشرفة ، ورفضهم للاحتلال والاستعمار. وأما الطراونة فهم من الادوميين ونزلوا القرى الجنوبية الشرقية من الكرك المسماة قرى مؤاب وهم ألان أكثر عشيرة بالكرك عددا ، وهم أبناء عم النعيمات في معان والحزمان ( أي جنوب الكرك) لأنهم جميعا ينحدرون من الادوميين .

وقد اشتهرت عشيرة الطراونة على مستوى وطني أردني وخارجي زمن المغفور له الشيخ حسين الطراونة الذي كان رئيسا للحركة الوطنية الاردنية ، وكان ميّالا للأتراك من منطلق إسلامي. وكان له منافسون أشداء من أبناء عمّه حيث سمعت الكثير من الروايات من الطراونة حول ذلك . وأما الغساسنة، فقد أقل نجمهم بغياب الشيخ إبراهيم الضمور، وصارت زعامة الكرك متداولة بين الطراونة زمن الشيخ حسين والمجالية زمن قدر ، وحابس ألمجالي رحمهم الله جميعاً. وأما العمرو فقد كان للمذبحة تأثير مهلك عليهم واضعفهم من حيث امتلاك الارض والعدد والمال .

وأما الحويطات وهم انباط , فقد بداوا يظهرون بقوة زمن عرار بن جازي، ثم الشيخ حمد بن عرار بن جازي، إلا أن ظهور عودة أبو تايه قد قلب الموازين رأسا على عقب. إذ أن المرحوم عودة كان فارسا شجاعا مقداما صاحب حظ في الحروب لم ينهزم في معركة في حياته، وصديقا للفارس الوطني الشيخ طراد بن زبن وغزا مع الشيخ طراد , وكان عودة رحمه الله يغزو بالأردن، ونجد وشمال الحجاز والفرات والعراق. ويعود محمّ?Zلاً بالأسلاب والغنائم . إلا أن الأتراك ارتكبوا حماقة في عام 1910 كما يقول موزل؟ في كتابه الحجاز الشمالي؟؟؟ إن الأتراك طلبوا من عودة أن يدفع المستحقات عليه من الضرائب وغيرها فانقلب عليهم وانضم الى القوات الإنجليزية وصار رفيق وصديق لورنس العرب , واخذ بثأره من الأتراك.

ورغم التاريخ المشترك بين الحويطات وبني عطية وانهم اقارب كونهم من الانباط , إلا أنهم انفصلوا عن بعضهم بعضاً في التنظيم العشائري , وأماكن السكن على حدّ سواء لاسباب عديدة منها ظهور شيوخ الحويطات مثل عرار وعودة وحمد . وقد سبق وذكرنا إشارات لما نشرناه في كتابنا: الأردن في كتب الرحالة والجغرافيين المسلمين(2007) حول كل من الحويطات وبني عطية , والإشارة إليهم بالاسم في تلك الكتب الاسلامية القديمة . كما أن زعماء بني عطية كانوا حضروا اللقاء مع الظاهر بيبرس كما ذكرنا من قبل . واشار اليهم الرحالة الاجانب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر انهم من عشائر منطقة الكرك غورا وجبلا .

وأما بني صخر فقد كانت أقوى قبيلة أردنية منذ نهاية المماليك حتى نهاية القرن العشرين. وتأتي قوتهم من قوة زعمائهم ، وشجاعة فرسانهم وطول نجعاتهم وأسلوبهم في الحرب والغارة. وهو اسلوب السرعة الخاطفة والنار العشوائية، كما شرحنا في كتابنا: التاريخ السياسي للعشائر الأردنية بالانجليزية . وقد اعتمدوا في مواردهم على خمسة مصادر (أ) ألغزو (ب)مواكب الحج سواء بأخذ أموال سنوية أو نهب ما بأيدي الحجاج(جـ) النجعات الطويلة(ء) تربية الإبل. ثم أضافوا في مطلع القرن التاسع عشر (هـ) الزراعة التي بدأها الشيخ فندي بن فايز وشجع بني صخر عليها، ودعاهم للاستقرار لأن الأرض تعطيهم ناتجا يساوي أضعاف ما يعطيهم الغزو والسلب والرعاية والتجوال . وله في ذلك قصّة مشهورة إذ انه جمع شيوخ بني صخر على سماط ( طعام ) ثم أطلق النار على الإبل فهربت ثم أطلقها على الأرض فبقيت.

فقالوا: إن فندي أصيب بالجنون، فقال : ماذا كان ردّ فعل الإبل عند إطلاق الرصاص؟. قالوا: هربت. فقال: وما هو ردّ فعل الأرض؟ قالوا: بقيت. فقال: إذن تعالوا نتمسك بالأرض ونزرعها وتترك الإبل ونجعاتها فالخير بالأرض والزراعة وقام ولده سطام بالاهتمام بالزراعة كوالده، وصار الشيوخ والعربان يرسلون الإبل اليه وقت البيادر وتعود محمّ?Zلة بالقمح والعدس والسمسم مجانا سواء من العشائر الصديقة او المعادية .

أما الغزو فكانت بني صخر يغزون في داخل الأردن وفي خارجه، اينما راوا غنيمة ,وأما مواكب الحج فإن لبني صخر قصص طويلة، في ذلك، وان القارىء للكتب التي صدرت على فترات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر يبين أنهم كانوا يعتمدون موكب الحجاج والجردة مصدرا سنوياً هاما من مصادر الرزق والدخل , فإن أخذوا حصتهم من المال تركوا الحجيج وشأنه، والا هاجموهم ونهبوهم وعطّلوا مسيرتهم. وقد أشرنا الى ذلك في صفحات سابقة كمثال من الأمثلة. والشرح في ذلك يطول وليس هذا مكانه .

أما النجعات الطويلة فقد كانوا ( الصخور ) يستفيدون من كل مكان يذهبون إليهم فإن وجدوا الفرصة مواتية للغزو غزوا، وان كانت مواتية لبيع رؤوس الإبل التي يكسبونها ا في غزواتهم، أو يرونها في نجعاتهم، فعلوا ذلك , انه صراع البقاء، وحياة الشقاء، ولكنهم تجاوزوها. واليوم تعيش أجيالهم الحالية أحدث ما توصلت إليه الحضارة المعاصرة وأعلى ما يصل إليه أبناء البلاد من المؤهلات والتخصصات. لقد تغيرت الدنيا وصار صراع البقاء يعتمد العلم والمال والسلطة .

أما بني حسن فقد اتخذوا زاوية منعزلة وديرة لهم حول المفرق والزرقاء . ومنابع نهر الزرقاء والعيون المنبجسة من الجبال والوديان . وقد اتخذ شيوخهم سياسة الاحتواء لكل من يفر إليهم طالبا للحماية أو هاربا من الخوف، فازداد عددهم بسرعة تفوقت على ازدياد سرعة عباد، وكانوا ضمن تحالف عشائر البلقاوية بقيادة ابن عدوان . ومن الملفت للنظر أن شيوخ بني حسن رفضوا السماح للرحالة الاجانب بارتياد مضاربهم وقراهم والخراب الأثرية مثل الفدين ( المفرق) ورحاب وبلعما، واعتبروا أن هؤلاء الرحالة مقدمة للاحتلال والاستعمار الأجنبي , وهي المواقف الوطنية التي انحدرت اليهم عبر الجينات من الملك الادومي هدد الاول الذي قاوم دخول بني اسرائيل الى الاردن .

ويتميز بنو حسن عن سائر عشائر الأردن أنهم لا زالوا الى ألان ( مطلع القرن الحادي والعشرين) يلتفون حول الشيوخ، ويطيعونهم حتى من قبل ( بكسر القاف وفتح الباء ) من هم أكثر منهم مالا وأعلاهم علما في انضواته تحت شيخه الأقل مالا والأدنى حظا في العلم. ويتميزون أن للشيوخ دور هام في حلّ مشاكلهم وهو ما تعترف به الدولة وغالبا ماتجعل القانون خاضعاً لهذه الأعراف.

وفي رأينا أن السبب يعود الى الجذور التاريخية. فبني حسن هم أدوميون، والادوميون كانوا شعبا عربيا أردنيا منظّما انشأ مملكة في بصيرا/ الطفيلة وكان نظام الحكم وراثيا وللملك كلمة الفصل، واستمرت هذه المملكة حوالي ألف سنة، فصار الالتفاف حول القيادة وطاعته الملك الذي تحول أولاده وأحفاده الى شيوخ عشائر، أقول صار ذلك جزءا من الجينات في دم الأفراد وتوارثوها، وبهذه الطريقة حفظوا تماسكهم ووحدتهم واستمرارهم، وصاروا أكثر عشيرة أردنية عددا، وأكثرهم تماسكا وطاعة لزعمائهم، ولا يستطيع شخص أخر سواء من بني حسن أو غيرها أن يدخل على دائرة الشيخة ويأخذها من أهلها مهما كثر ماله أو ارتفع علمه، ذلك إن هؤلاء الشيوخ بالنسبة لعربانهم عبارة عن ملوك ولا يجوز لأي شخص غيرهم أن يكون ملكا أو يتجاوز على عرش ملك القبيلة أو العشيرة.

من هنا نجد أن انتخاباتهم النيابية عبر تاريخ الدولة الحديث حتى ألان غالبا مايفرزون للمجلس النيابي شيوخا أولاد الشيوخ ، ويرون أن من غير المناسب فرز شخص عادي منهم مهما كان ماله أو عمله، لان للشيخة والسيادة أصول وثقافة وأجواء لا تأتي بالعلم والمال( في رأيهم) وإنما تأتي بما تربى عليه الفرد في أسرته وبيته، وهناك شيوخ متعددون لكل منهم عشيرته ومجاله، ولا يستطيع شيخ أخر أن يتجاوز عليه، ومع هذا إذا اجتمعوا أوكلوا الزعامة في ذلك اللقاء لشخص محدد، وينتهي التكليف بانتهاء المهمة زمانا ومكانا .

أما بني صخر فقد اختلفت أوضاعهم ، فقد كانت زعامتهم اصلا في دهمش / الدهامشة زمن العباسيين , ثم صارت في البواسل / خضير . وفي زمن الأيوبيين والمماليك صارت مشيختهم في بيت ابن زهير، ثم انتقلت المشيخة في مطلع العصر العثماني الى ابن الخريشة ثم انتقلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى الشيخ سطام ابن فايز بمؤازرة الأتراك .

* التعليقات محجوبة ومن كان لديه معلومات موثقة ارسالها الى ايميل الكاتب : oweidi2005@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد