" لوكان محمد موجوداً لحل مشاكل العالم اليوم وهو يرتشف فنجان القهوة " !
هذا ما قاله الكاتب الغربي )مايكل هارت( مؤلف كتاب ( الخالدون : المائة الأوائل يصف إعجابه الشديد بشخصية النبي صلي الله عليه وسلم .
أتذكر هذه المقولة الشهيرة وإسقاطها على واقع مؤسف لحال الأمة وبالذات البلدان التي جرت فيها محاولات التغيير لأنظمة الاستبداد ومن ضمنها اليمن ، ندرك بأن الأمة يحكمها الاستبداد وحكم العسكر المتحالف المتلبس بالوطنية ومفردة السيادة هذه الأنظمة التي تتحالف بالمناوبة مع الاستلام السياسي بشقيه فغدا الدين تجارة رابحة وأداة للتنكيل بالشعوب .
هل فقد اليمنيون البوصلة بفعل الإعلام (الديماغوجي) وفعل الدولة العميقة لعقود مضت ، وهل غُيبت الحكمة في بلد الإيمان والحكمة ؟
الإشكال الجوهري في التفكير الجمعي العربي أن المواطن العربي في جمهوريات العسكر تحديداً غدا يفكر بعقلية حاكمه ، ولا يتبين للبعض مدى حجم الفساد والظلم إلا بعد رحيله !
فقد ينظرون لحياتهم وفق رؤية النخب الحاكمة التي يحلو لها الترويج لمثل تلك الثقافات
كان اليمن غداة الربيع العربي مضرب المثل في ثورته السلمية قبل أن تعسكر الثورة وتحتويها الثورة المضادة للدولة العميقة فبينما كانت قلاقل وحروب واختلال أمنية في بلدان الربيع العربي كان اليمن يتفاخر بتجربته وبحواره لكن من أخطاء وضعف القيادة أنها سمحت للحوثيين دخول الحوار وهم يتمنطقون السلاح مجرد ميليشيا لم ترقى لمستوى حزب وهم من أطالوا الحوار كما يحاولون التلاعب بالوقت في مارثون المفاوضات على غرار النفس الطويل لتجربة إيران في مفاوضات النووي لسنوات .
ومن أخطاء الحكومة الشرعية والتحالف هو إيهام الحوثيين بنصيب في كعكة السلطة مهما فعلوا وعليه فأنهم لا يلامون فأن انتصروا بالغلبة استمرار لطبيعتهم الحربية والفتوحات فليكن وإلا فمكانهم محجوز بثلث السلطة مستقبلاً فمكافئة طرفي الانقلاب الذين سببوا بتشريد ثلاثة مليون يمني وقتل ألآف وعشرات الآلاف في ستة حروب وجعلوا أكثر من ثلثي الشعب اليمني تحت خط الفقر ، سيكون بعد المحاصصة والتقاسم تحت عنوان (التوافق) ليس شريكين كما كان بعد خروج الرئيس السابق الشكلي من الحكم بل وهذه المرة طرف ثالث مؤدلج سيكون خطرا على اليمن والمنطقة برمتها .
وبداهة فالاتفاق أو الاختلاف حول " تشكيل الحكومة " مسألة سياسية تحدث حتى في الحالات الاعتيادية التي لا تشهد فيها الدولة حربا داخلية ، وتحدث حتى في الديمقراطيات المستقرة وتحت سقف الدولة التي يقر بسلطتها الجميع أما حالة الصراع في اليمن فالمشكلة هي سيادية داخلية وليست كما يصورها طرفي الانقلاب بعلاقتها بالآخر حيث ينبغي بداهة أن تحضر الدولة أولا وتعود كمؤسسة سيادية يقر بسلطتها كل الأطراف
اليوم على الأقل لدينا مرجعيات وأسس حل ولكن في حال تشكيل حكومة توافق فأن ذلك يعني نسف كل المرجعيات وبالتالي الدخول في نفق مظلم بتدوير العنف وتنزلق اليمن للحالة السورية والعراقية وربما أسوأ
مكافئة على الانقلاب لا يهتمون بملايين المشردين وتدهور الاقتصاد وكون ثلثي الشعب اليمني تحت خط الفقر
يتضح للراصد والمحلل بأن الفكرة الجوهرية لبيان قمة الأربعة في لندن هي دعم خارطة طريق للحل في اليمن تبدأ وبش;ل متسلسل بانسحاب الميلشيا من العاصمة والمدن وتسليم السلاح ومن ثم تشكيل الحكومة بعد تنفيذ تلك الخطوات وهذا التسلسل هو الذي ترفضه جماعة الحوثي وتريده متزامنا ليترك مجالاً للتلاعب وإبقائها تمسك زمام المبادرة كخطوة للانقضاض في أي لحظة !
البيان يؤكد على المرجعيات والقرارات ويضع الانسحاب شرطا لتوسيع السلطة السياسية،ومفهوم الانسحاب يعني التسليم والإخلاء والإحلال.
لكن بيان لندن الرباعي رغم ان البعض اعتبره مجرد بيان ضبابي صادر من عاصمة الضباب باعتباره مجرد توصيات، لكنه أكد على المرجعيات الثلاث القرار الأممي 2216 ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية إلا انه في كل الأحوال تمثل ضغوط واضحة بعد ان بدأت الرؤية تتضح للمجتمع الدولي بتدليس طرفي الانقلاب ، كل هذه المواقف السياسية تأتي على خلفية تقهقر قوات الميلشيا في أكثر من جبهة وبداهة فأن مثل التطورات سوا كانت سياسية او ميدانية عسكرية تشير إلى تبدل في المواقف من شأنها أن ترجح خيار الحل العسكري،أو اعتماد القوة القهرية لإجبار الانقلابيين على القبول بالحل السياسي .
تزامن بيان لندن مع تصريحات نائب وزير الخارجية الكويتي بتحديد أسبوعين لحسم المشاورات اليمنية الذي تماهى مع شروط الحكومة اليمنية للعودة
ومن نقاط قوة شوكة طرفي الانقلاب هو ضعف الحكومة الشرعية التي تعكس ضعف التحالف العربي نفسه والمنقسم الرؤى في الشأن اليمني فلو كانت السعودية تريد تحرير اليمن لاعطت مهلة للشرعية منذ تحرير الجنوب أي قبل عام ومع ذلك يفترض على الأقل ان تقتدي بالكويت فيما يتعلق بمارثون المفاوضات في هذا المسلسل الممل !
يقولون في المثل العربي الثالثة ثابته فبعد ثلاث جولات انتهت آخرها اواخر رمضان أنتهت لجولة رابعة على مبدأ حوار يفرز حوار وحرب تلد أخرى !
غدا واضحاً بأن من انقلب على الإجماع واغتصب السلطة في غفلة من الزمن لا يريد سلاما وحتى لو وقف العالم بأسره يسانده فلن يغير من الأمر شيئا فلا المجتمع يصنع المعجزات ولا الأمم المتحدة متحدة ، ولا دول الإقليم أحرص على أمن وسلامة اليمن من اليمنيون أنفسهم .
نحو اسبوع يفصلنا عن المدة التي حدتها الحكومة الشرعية للعودة للمفاوضات لسحب آخر ذريعة لطرفين الانقلاب . بضعة أيام تفصلنا على المدة التي حددتها الحكومة واقل من أسبوعين من إنذار الكويت فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر فشرعية ضعيفة لا يعني القبول بطرفي الانقلاب البعض لا يفرق بين الإيمان بالشرعية وبين من يمثل هذه الشرعية .
يعتقد بعض الراصدين للشأن اليمني بأن الفترة المقبلة إلى توجه حقيقي للمجتمع الدولي يعكس احتمالين الأول انه قد ضاق ذرعا بأعمال الحوثيين صالح ، ويعكس توجها دوليا حاسما لتحجيم الحوثيين وأنصار صالح ، أو أنه جزء من سياسة مسك العصا من الوسط ، والدفع باتجاه حرب استنزاف لدول الخليج العربي تضعف جميع الأطراف .
* كاتب ودبلوماسي يمني