في خضم المأساة الإنسانية في مخيم الزعتري، شاب سوري لاجئ يكرس جزءاً من وقته اليومي للفن
دارا المصري – المجلس النرويجي للاجئين
عمان - السوسنة – في أحد الشوارع الأكثر اكتظاظاً في مخيم الزعتري، يجلس محمد في صالونه للحلاقة الصغير جداً منتظراً بفارغ الصبر أن ينتهي أبوعمر من حديثه الطويل وأن يغادر حتى يستطيع إكمال عمله على لوحته الجديدة.
حيث أن "مُحتَرَف الرسم" الفني لمحمد في مخيم الزعتري للاجئين بسيط للغاية ويتكون من طاولة خشبية صغيرة مكسورة مسنودة بقضيبين حديديين موضوعة في إحدى الزوايا، وقارورة بلاستيكية كبيرة مكسورة إلى نصفين تحمل فراشيه وأقلامه البالية، وقطعة من الفحم، والقليل من أقلام الرصاص بالإضافة إلى مسطرة.
ويقول محمد بأن رسم الأطفال هو الشيء الأكثر صعوبة وذلك لأن وجوههم تفيض بالمشاعر.
حيث قد قطع أبوليلى، كما يلقب منذ طفولته، تعليمه المدرسي في سوريا منذ سن السادسة عشرة وبدأ العمل كحلاق. ويقول بأنه يمارس هذه المهنة منذ زمن طويل، وهو يقف في صالونه واضعاً معجون الحلاقة على ذقن أحد الزبائن، مضيفاً بأنه يقوم حالياً بتدريب بعض الشباب في المخيم لمساعدته في العمل، مشيراً إلى أخيه الأصغر الذي أنهى دورة تدريب في مهارات الحلاقة تابعة للمجلس النرويجي للاجئين والذي يعمل حالياً معه.
محمد، الذي يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً، بدأ بممارسة الرسم وهو في سن الحادية عشرة، حيث كان الرسم بالنسبة له هواية بدأ بصقلها وشجعه أبواه عليها. ويوضح وهو يقوم باستعراض صور اللوحات والرسومات التي يحتفظ بها على هاتفه بأنه لم يتلقَ دروساً أو دورات في الفن، ولكن الرسم كان بالنسبة له مهرباً للتنفيس عن النفس وما تزال ممارسته بمثابة تصفية للذهن.
يرسم محمد غالباً الوجوه وأحد الوجوه المفضلة لديه التي قام برسمها هو لسيدة الغناء العربي فيروز، ولكنه لم يستطع أخذ هذه اللوحة معه عندما اضطر لتركها وراءه في منزله في سوريا، قائلاً أنه يظن بأن منزله ما زال قائماً ولكنه قد تعرض للنهب متسائلاً عن مصير أعماله الفنية التي خلفها وراءه.
وقد كان الرسم يشكل بالنسبة لمحمد مصدر دخل ثانوي جيد عندما كان يعيش في سوريا، بالإضافة إلى صالون الحلاقة الذي كان يملكه، لافتاً إلى أن الناس هنا لا يرون في الفن استثماراً مربحاً، حيث أنهم بالكاد يستطيعون سد رمقهم، وبأنه قد حالفه الحظ ببيع بعض اللوحات مقابل 15-20 ديناراً لكل لوحة (ما يعادل 20-30 دولار أمريكي)، وبأن فناناً أمريكياً زار مخيم الزعتري قدَّر قيمة إحدى لوحاته بمبلغ 200 دينار أردني (ما يعادل 280 دولار أمريكي).
يستخدم محمد الأغراض العشوائية التي يجدها في المخيم لصنع اللوحات التي يمكن الرسم عليها حيث أنها غير متوفرة ولا تُباع إلا في الأسواق، قائلاً بأنه يستخدم الخشب لصنع إطارات اللوحات وقماش الخيم القديمة للرسم عليها. وبالنسبة للألوان والزيت والفحم فإنه يشتريها من خارج المخيم.
هذا الشاب يصف كيف أن أسلوبه في الرسم تغير منذ مغادرته سوريا، قائلاً بأن ما رآه هو وأبناء وطنه جعله يرسم الوجوه بشكل مختلف، فالتعابير قد تغيرت وحتى الألوان التي يستخدمها الآن هي أكثر قتامة عن ما كانت عليه، مشيراً إلى لوحة معلقة على الحائط تمثل ظلالاً حمراء طويلة على خلفية من الألوان الخضراء الداكنة والزرقاء والسوداء.
يكسب محمد قوته من صالون الحلاقة الصغير الخاص به مثله مثل الكثير من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مخيم الزعتري. فقد تطور المخيم من أرض صحراوية خالية قبل ثلاث سنوات إلى مدينة تعج بالنشاط تتوفر فيها محلات الملابس والأحذية والحلاقون وأكشاك الخضراوات والفواكه والمطاعم ومحلات الطباعة والمخابز وغيرها الكثير.
وبوجود أكثر من 80,000 لاجئ يعيشون في هذه المساحة التي تقل عن 3.5 كلم مربع، فإن محمد يشعر بأنه مُقيَّد وبأن فرصه محدودة. ويقول بأنه يريد مستقبلاً وحياة كريمة لعائلته أكثر مما يريد لنفسه، وبأنه واحد من القلائل المحظوظين الذين لديهم محل ويستطيع أن يقتات منه، ولكن الكثير من الناس معتازون. ويقول أيضاً بان أطفاله ما زالوا صغاراً وبأنهم سيحتاجون قريباً للذهاب للمدرسة.
بعد اختبار العيش في المخيم لمدة سنة ونصف حتى الآن، ما زال محمد ينتظر الوقت الذي سيتمكن هو وأفراد عائلته من العودة إلى سوريا، ويقول بأنه فقط يريد العودة إلى دياره والعيش في منزله وإعادة افتتاح محله وإرسال أطفاله إلى المدرسة، مضيفاً بأن الذهاب إلى أوروبا هو أمر غير وارد بالنسبة له.
ثلاث زوايا أخرى
يحتوي محل محمد على آثار تذكارية تعود للخمسة والعشرين عاماً التي عاشها في سوريا. وبالإضافة إلى زاوية "مُحتًرًفه الفني"، تحتل كل واحدة من الزوايا الثلاث الأخرى مساحة في محله الصغير الواقع في الشوارع الهائجة لمخيم الزعتري. حيث يوجد في أحد الجوانب كرسيان، ومرآتان، وطاولة يشرب عليها قهوة الصباح وشاي الظهيرة مع بعض الأصدقاء، وبعض الأغراض المبعثرة على الرفوف المزينة بخطوط حمراء والتي يكسب من خلالها رزقه.
وفي زاوية أخرى من المحل يوجد قفص كبير مصنوع يدوياً تزقزق فيه أربعة عصافير بيضاء فوق رؤوس الزبائن وهم يتحدثون. ويقول محمد بأنه كان يحتفظ بكوخ كبير بجانب منزله في سوريا مخصص للعصافير وبأن ألوانها وأصواتها المتعددة كانت تعطيه إحساساً بالسكينة.
وتنتظره الزاوية الأخيرة من المحل حتى يكمل دروسه في العزف على العود، حيث يجلس أبو ليلى على أريكة معلقة فوقها لوحة مائلة لسيدة عجوز.
ويختم محمد كلامه بالقول: "إن الموسيقى هي شكل من أشكال الفن وبأننا فنانون والفن هو حرفتنا".