أقاويل تتردد هنا وهناك بأنه يوجد محاولات عديدة للتوسط بين سورية وتركيا، فالأجواء تشير إلى تحركات لكننا لا ندري حقيقة ما يحدث، وإن كانت المؤشرات تقول إن الجزائر تحاول أن يكون لها دور في هذا الملف، وإنها تحاول إزالة الخلافات بين دمشق وأنقرة، خاصة أن تركيا لديها مشاريع خاصة بالمنطقة، وترى أنه لن يكتب لها النجاح إلا من خلال وجود توافق بين دول المنطقة الرئيسية وعلى رأسها دمشق، وأن محاربة الإرهاب في الإقليم لن يكتب له النجاح إذا إستمر الخلاف مع دمشق، وتحت عنوان روسيا وتركيا تعيدان تقييم أدوارهما في سورية، قالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن تركيا مستعدة لاتخاذ خطوات من شأنها أن تغير مسار الحرب في سورية لافتة إلى أنه سيكون تسويات وتنازلات فيما يتعلق بالأكراد والمجموعات المسلحة.
في عالم السياسة لا شيء مستحيل، فالرئيس أردوغان تراجع عن مواقفه المتعددة تجاه الفضايا المعقدة سواء بإسقاط الطائرة الروسية أو شروطه القوية لإعادة العلاقات مع إسرائيل بعد حادثة السفينة التركية، فقد جرى بالفعل توقيع اتفاق مع إسرائيل وإعادة العلاقات معها بالإضافة الى مد يد المصالحة مع روسيا، فالسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا هو : هل تمد تركيا يدها مجدادً مع خصومها خاصة دمشق دمشق بعد التقارب الروسي التركي الروسي؟ خاصة أن الجميع بدأوا يرتبون أوراقهم من أجل عملية إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة .
على صعيد متصل ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن تركيا تخطط لتغيير إستراتيجيتها في سورية، بالتخلي عن الدعم المباشر للجماعات المسلحة المعارضة لحكومة الرئيس الأسد، كما أن هدف أنقرة في سورية الأن هو قمع الحركة الكردية ومكافحة تنظيم داعش، وقالت الصحيفة: بعد عدة سنوات من الحد من التجارة وزيادة الهجمات الإرهابية، أنقرة شعرت بأنها معزولة على الصعيد الدولي، في الوقت الذي كانت تناضل فيه ضد الحركة الكردية داعش كان ينمو داخل البلاد.
في إطار ذلك قد يكون الهجوم الإرهابي على مطار إسطنبول حافزاً كبيراً لتوثيق العلاقات مع روسيا ولتغيير الإستراتيجية في سورية، وعلى الرغم من تحذير الدبلوماسيين بشأن إمكانية التغيير الحاد في مسار البلاد، إلا أن الصحف الموالية للحكومة التركية بدأت تغير مقالاتها تجاه سورية، بمعنى أن تركيا إستدركت المخاوف من ولادة دويلة كردية على حدودها مما جعلها تغير مواقفها تجاه النظام السوري، وأن مهماتها الرئيسية ستكون مكافحة الأكراد وتنظيم داعش ولتحقيق هذه الأهداف فأن أنقرة ستحتاج إلى دعم موسكو.
وفي الإتجاه الآخر أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أنه يرفض عداءً دائماً مع دول مجاورة، بعد أزمات مع مصر وإسرائيل وروسيا وسورية في السنوات الماضية، ونقلت صحيفة حرييت عنه قوله: إسرائيل وسورية وروسيا ومصر، يجب ألا يكون لدينا عداء دائم مع تلك الدول المطلة على البحرَين الأسود والمتوسط.
اليوم وجدت تركيا نفسها شبه معزولة بسبب صلف الرئيس أردوغان، فبدلا من سياسة صفر مشاكل التى جاء بها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو فإن تركيا توترت علاقاتها مع معظم الجيران ودول المنطقة، وتورطت فى الحرب على سورية وتوترت علاقاتها مع روسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية ـ وقطعت روسيا السياحة إليها ـ وخسرت مصر ومعظم الدول العربية لانحيازها إلى جماعة الإخوان، لذلك تجد تركيا نفسها أمام مأزق حقيقي، خاصة بعد أن أصبحت المنطقة العازلة فِكرة غير قابلة للتحقق في ظل معارضة حلفاء دمشق، كما أن تركيا التي أدارت الصراع في سورية خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية وبيدها الورقة الكردية، لكن الرهان الأكبر سقط بعد فشل أردوغان من إعادة خلط الأوراق وإحداث فوضى في سورية لتحقيق أهدافه هناك، ولكن كل هذه الأوهام تلاشت وإنهارت لأن قوات الجيش السوري إستطاع القضاء على داعش وطردها من البلاد، وبذلك فأن تركيا دفعت ثمناً سياسياً ودبلوماسياً باهظاً لمغامرتها الطائشة في سورية.
لذلك فإن السياسة التركية في سورية آخذة بالتغيير، فرحيل رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو عن منصبه والذي كان ينظر إليه على أنه المهندس الرئيسي لسياسة أنقرة سهل هذا التحول، كما أن بقاء الرئيس على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلت من أجل الإطاحة به، هذا بالإضافة إلى تحول محور اهتمام حلفاء تركيا الغربيين نحو الاهتمام بداعش والقضاء عليها بدل الاهتمام بتغيير النظام السوري، بذلك وجدت أنقرة نفسها في عزلة متزايدة في طريقها لتحقيق هذا الهدف الذي أثبت في النهاية عدم جدواه في ظل الدعم اللامحدود للنظام السوري من حلفائه الروس والإيرانيين، في هذا الإطار تلعب تركيا على أكثر من سيناريو والمطلوب منها العمل على إغلاق حدودها أمام تدفق الإرهابيين والأسلحة، ووقف التدخل بالشأن السوري، والابتعاد عن سياسات المناورة والخداع والالتفاف، وخلا ذلك ستواصل تركيا حصد المزيد من الخسارات والمخاطر على أمنها الوطني والقومي.
مجملاً..... لا يمكن لأحد في العالم أن ينكر الدور الرئيسي الذي لعبته تركيا سياسياً وعسكرياً و إستخباراتياً بالحرب على سورية ومشاركتها الرئيسية بتدمير سورية ولكن الأن وبعد ان فشل المخطط الرئيسي لتركيا و حلفائها بتقسم سورية على أساس طائفي و إضعاف جيشها وبعد الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وبالأخص في ريف حلب الشمالي، حان وقت الحساب وهنا نتساءل: هل سيدفع أردوغان و تركيا حساب ما فعلوه؟، أو سيغير النهج ويعود الى الحضن السوري؟.والإجابة على هذا السؤال ستظهره الأيام والأسابيع القادمة والخاسر دائماً هو من يدفع الثمن.