مثلنا تماما ، فقد رسموها بالقلم والمسطرة والفرجار، وفصلوا لها دورها الوظيفي في المنطقة ،وقد نجحت في تحقيقه بالكامل ومنعت كافة محاولات الوحدة العربية ، وكل أوجه التنمية المستدامة والتقدم والتطور ، بحجة أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ،وإني لأعجب عن أي معركة كانوا يتحدثون؟
ونحن أيضا في منظومة دول معاهدة سايكس - بيكو ، لنا دور وظيفي نفذناه بزهو وحقق نجاحا باهرا ، ومن أوجهه تضييع كامل فلسطين وأراض ومناطق عربية أخرى ، مثل هضبة الجولان التي باعها حافظ الأسد لمستدمرة إسرائيل بمئة مليون دولار عام 1967 ، قيل أن الشيك كان بدون رصيد والله أعلم.
بعيدا عن التعمق في الموضوع والغوص في الثنايا ، يتبين أننا متساوون مع مستدمرة إسرائيل ، لكن وبنظرة متعمقة ، نجد أنهم يختلفون عنا في طريقة تنفيذ الدور ، لأنهم "شايلوكيون "حتى النخاع بطبيعتهم ، وقد حلبوا النملة وجنوا الفوائد الجمة ، ومارسوا الإبتزاز والإستغلال ، إلى درجة أن مسؤولا أمريكيا جريئا كبيرا نسيت إسمه طالب بتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط ، وقال أن إسرائيل تبتز أمريكا في حال طلبت منها شيئا ، ويمضي النهار ولا تقدم لأمريكا شيئا ، عكس الدول العربية التي تقدم وبالسرعة الفائقة كل ما تطلبه منها أمريكا وبالمجان .
أما نحن فإننا تبرعنا طواعية بأضرعة نياقنا وأبقارنا ونعاجنا وماعزنا للآخر كي يحلبها ، ونحن نتحسر على رشفة حليب ، ولهذا لم يحترمنا أحد ، أو يشعر بوجودنا ، بدليل أن الدول العربية فشلت في الحصول على برنامج نووي رغم الثروات والعلاقات مع أمريكا ، بينما إيران حصلت مؤخرا على عضوية النادي النووي ، وما نزال نندب حظنا.
هذا الدور الوظيفي الذي نتحدث عنه ، هو الدافع الرئيسي لرفض قادة مستدمرة إسرائيل منذ بن غوريون الذي أزاح سلفه موشيه شاريت الذي كان راغبا بالتوصل إلى سلام حقيقي مع الدول العربية ، لكنه لم ينجح لأن التيار الصهيوني الذي كان يمثله بن غوريون أزاحه فورا ، علما أنه كان أجرى إتصالات إيجابية مع بعض العرب.
يظن البعض أن رفض قادة مستدمرة إسرائيل للسلام وفي مقدمتهم شامير وبيغين وشارون ونتنياهو ، ناجم عن قوة إسرائيل وقدرتها على إلحاق الهزيمة تلو الهزيمة بالدول العربية ، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء الصهاينة يعون جيدا طبيعة دورهم ، وأن الغرب مستعد لفعل المستحيل لمنع إلحاق الهزيمة بمستدمرة إسرائيل ، للسبب الوظيفي ،وحتى لا يتمكن العرب من هزيمة يهود بحر الخزر في فلسطين ، فيضطرون للعودة إلى بلدانهم الأصلية في الغرب ويمارسوا الفساد والإفساد مجددا ، ومع ذلك فإن غالبية هؤلاء يحملون جنسيات بلدانهم الأصلية وحصلوا على جوازات سفر فاعلة منها .
إن رفض قادة إسرائيل للتسوية ينطلق من الخوف من تذويب يهود بحر الخزر في المنطقة ،بحكم قوة الدفع العربية وطبيعة التكاثر الديمغرافي ، فهم لا يؤمنون بصناديق الإقتراع ، لأن العرب في حال التوصل إلى تسوية ، سيصبحون إن عاجلا او آجلا هم الأكثرية في فلسطين ، ولهذا فإن الصهاينة رفضوا مقترح الدولة الواحدة التي قدمته حركة فتح ، وحل الدولتين الذي يؤيده المجتمع الدولي.
يؤمن قادة مستدمرة إسرائيل أن مستدمرتهم ستفقد سعرها في حال التوصل إلى سلام حقيقي مع العرب ، علما أن مؤتمر قمة بيروت العربية تبنى ما يحلو للبعض تسميته "مبادرة السلام العربية " التي أطلقها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله ، وتعهد فيها بجلب كافة أعضاء منظمة التعاون الإسلامي وعددها 57 للتطبيع العلني والرسمي مع مستدمرة إسرائيل.