بين الانتخاب والاستفتاء

mainThumb

26-06-2016 12:34 PM

الفارق بين التصويت لانتخاب شخص رئيسا مثلا والاستفتاء٬ أن الاستفتاء هو إعطاء المواطنين حق التصويت في القضايا الكبيرة. ومعظم الديمقراطيات لاُتمارس الاستفتاءات لأنها تعتقد أن عامة الناس لا تدرك تفاصيل القضايا المصيرية٬ ولا يفترض أن تقرر بشأنها. لهذا توجد ديمقراطيات غير مباشرة٬ بمعنى أن الناس تختار قيادتها التي تقرر بالنيابة عنهم ما تراه مناسبا.
 
 
 
عندما واجه خصوم رئيسة الحكومة البريطانية مارغريت ثاتشر يطالبونها بالعودة للشعب في قضية قانون الضرائب الذي أحدث جدلا ومظاهرات كبيرة ردت عليهم غاضبة بأن الناس ينتخبون مرة واحدة وليس كل يوم. وهو الحال في معظم الدول٬ فهي قلما تطرح قضاياها للاستفتاء٬ اللهم إلا في حالات مثل إقرار دستور جديد.
 
 
 
 
 
ألمانيا فعلتها مرتين فقط٬ وكذلك بريطانيا. أما في سويسرا فإنه يكفي أن يوقع خمسون ألف شخص على عريضة يطلبون فيها بإجراء تصويت أو استفتاء ليصبح ملزما تنفيذه على الأقل للبرلمان خلال ثلاثة أشهر. الديمقراطيات الحديثة تعالج بذكاء مسألة الرأي العام٬ فهي تعطي الناس حق اختيار الرئيس٬ أو رئيس الحكومة٬ لكنها لا تعود إليهم حتى في القرارات التي تمسهم مباشرة٬ مثل شن الحروب وفرض الضرائب. لهذا يتبارى السياسيون في الوعود لكنهم عادة لا يفون بها إذا وجدوا أن المصلحة العامة في عدم تنفيذها.
 
 
 
هذا ما يعتقد البعض أن رئيس الوزراء البريطاني أخطأ فيه٬ فهو وعد باستفتاء مواطنيه على بقاء بلاده في الاتحاد الأوروبي إرضاء للناقدين. ربما ما كان عليه أن يسير في هذا الطريق لأنه عندما انتخب من الشعب صار مفوًضا٬ ولا يوجد هناك قانون ملزم بإجراء الاستفتاء. وهو أمر مختلف عن قيام سكان اسكتلندا بإجراء استفتاء على الانفصال عن المملكة المتحدة.
 
 
 
 
والاستفتاء في بريطانيا٬ بخلاف كثير من الدول٬ لا يتطلب سوى أغلبية بسيطة لاتخاذ قرار مصيري مثل الخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي. في كثير من الدول الاستفتاءات٬ عدا عن أن اللجوء إليها أمر نادر٬ فإنها تتطلب أغلبية حاسمة لتصبح قانونا. أستراليا مثلا تتطلب أغلبية بسيطة٬ أي 51 في المائة لكنها تشترط كذلك أن تكون أغلبية الولايات مؤيدة. لأن أغلبية الشعب قد تكون في مناطق محدودة بكثافة٬ لذا تشترط أستراليا أغلبية الولايات وأغلبية الأصوات معا. وفي بعضها تشترط أغلبية الثلثين.
في بريطانيا أغلبية بسيطة قررت مصير البلاد٬ وعمليا أسقطت نظاما معمولا به٬ وهو النظام الأوروبي٬ وقد لا تكون النتيجة مماثلة لو أجري الاستفتاء قبل أو بعد شهر٬ لأن الأغلبية البسيطة تتغير. كما أن البقاء٬ أو الخروج٬ من الاتحاد مسألة معقدة٬ غالبية المصوتين لا تفهم حقائقها. والذين صوتوا مع الخروج بنوا موقفهم رغبة في وقف مد المهاجرين للبلاد. في حين أن الخروج لن يوقف بالضرورة المهاجرين غير الشرعيين.
 
 
 
وهناك فريق مثقف في بريطانيا يعتقد عن قناعة بالخروج٬ لكن هؤلاء أقلية. هؤلاءَيَرْون أن الاتحاد الأوروبي يمثل نظاما بيروقراطيا قديما وقد سن الكثير من الأنظمة التي عطلت التنمية وكلفت بلادهم الكثير وأن بريطانيا ستكون أفضل حالا بعد الانفصال٬ أو على الأقل تقرر مستقبلها وتختار الطريق الذي تراه مناسبا بحرية وإتقان أكثر.
 
 
 
وهذه كلها حوارات نظرية لا يمكن أن نعرف من المصيب ومن المخطئ فيها إلا بعد أن تجرب.
 
 
 
 
*نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد