لست نادما على ما أنا عليه وفيه ، فهذا من إختياري وتنفيذا لقناعتي وإنسجاما مع مبادئي وأفكاري ، فأنا أكره الغربة والأنانية والإنتهازية ، والوصول إلى الأهداف بطريقة ملتوية ، وعلى حساب الآخرين .
كان بإمكاني وأنا في ريعان الشباب الهجرة إلى الغرب والعيش بحرية متناهية وبإنفتاح وأحظى برعاية رسمية ، كون هذا الغرب لا يحاسب على على آخر إسم في الهوية ، ولا على لون السحنة "البشرة" ، بل على العطاء والإخلاص ، وأدعي أنني بفضل الله معطاء ومخلص ولدي أفكار خلاقة.
وكان بإمكاني الحصول على جنسية أجنبية أخرى ، أعتد وأتسح بها ، وتكون سيفا مسلطا بيدي على كل من تسول له نفسه ممارسة عقدة النقص لديه عليّ ، وأن أعبر الحدود العربية معززا مكرما ، يطلبون مني الرضا خشية إبلاغ سفارتي "المفترضة" عن أمراضهم وسفالاتهم ، وبالتأكيد سيكون عندي رصيد كبير من المال الحلال مع حظوة ، لكنني لم أقم بالهجرة ولا بطلب الحصول على جنسية ثانية أجنبية بطبيعة الحال.
كنت ولا أزال أؤمن أن الشباب هم عماد الوطن ، وهم وقود ومشاعل ثوراته ، وتصحيح مساره نحو الأفضل ، لأننا نستحق أفضل مما نحن فيه وعليه ، ولذلك عمقت أوتادي في هذا الوطن لأجد نفسي في نهاية المطاف ، غريبا محروما وحتى غير مرغوب فيه ، لأنني أؤمن أن الخط المستقيم هو أقصر الطرق والمسافات إلى الهدف ، وان الإنتماء لا يقاس بالمغنم ، وأن الحياة كفاح وجهاد.
ليس سرا القول أن من يهاجر إنما يهرب من واقعه المؤلم ، بسبب عدم قدرته على المواجهة ودفع الثمن ، وأن من يحصل على جنسية أجنبية أخرى إنما يتقوى بها على وطنه ، ويحتقر جنسيته الأصلية ، ومعروف أن أحدا لا يطلب جنسية بلد فقير ولا ضعيف ، بل يرومون إلى الحصول على الجنسيات القوية حتى يعودوا بعد "تقييفهم " مسؤولين وصناع قرار ، وينفذوا أجندة بلدهم الجدي ، وتكون علاقتهم بسفارة جنسيتهم الجديدة أقوى واعمق من علاقتهم مع أي مؤسسة محلية ، بل على العكس من ذلك ، إنهم يحتقرون مؤسسات الوطن لأنهم "أجانب " وأي أجانب هم ؟
كنت أعتقد أن لي نصيب من الثورة فانخرطت بها عن قناعة تامة وعلى هيئة متطوع ، لأنه لا يوجد أغلى من الروح ، باحثا عن مجد الحياة بعد الموت ، وليس عن المكاسب والمغانم والمناصب ، وبرهنت على ذلك بحمل السلاح في أصعب الأوقات ، لأكون بذلك زاوجت القول بالعمل ، والنظرية بالتطبيق ، لكنني حصدت خيبة الأمل ، فلا الوطن كان وطني ولا الثورة كانت ثورتي ، فالوطن كان من نصيب الإنتهازيين الذين يحسبون حركاتهم برمشة العين ، حتى لا تحسب عليهم وتكون نقطة سوداء في ملفاتهم ، وهؤلاء بطبيعة الحال ضاربو الجذور في المجتمعات العربية من خلال إنتمائهم لعائلات برزت إبان الحكم العثماني أولا ، وقربها من الباب العالي بالآستانة ، ومن ثم إنتقلت بولائها وإنتمائها إلى أحضان سايكس – بيكو ، وقدمت الكثير من التنازلات ، وراكمت مكاسبها ، وكانت مثل العهدة تتنقل بين هذا المستعمر وذاك.
هؤلاء الذين أتحدث عنهم هاجروا إلى الغرب ودرسوا بحكم إمكانيات ذويهم في أفضل الجامعات وحصلوا على جنسيات أجنبية ، وعملوا على التشبيك مع أجهزة المخابرات الغربية ، وعادوا إلى الوطن العربي قادة يرثون الأرض ومن عليها ، ويتسلمون المؤسسات الحساسة برواتب خيالية ، وتتداور عليهم المناصب الكبرى ، ولا يخضعون للمحاسبة ، لأنهم لا يعرفون معنى الشفافية ، فهم فوق الشعب ومصالحه ، بحكم انهم فوق القانون .
نحن في الأردن لسنا بمنآى عن هذه الظاهرة ، فازدواجية الجنسية شائعة وها هي تحصل على المباركة بالقانون وعن طريق البرلمان الذي يفترض أن يكون منتخبا من قبل الشعب ، ويعمل من أجل الشعب وحماية مصالح الشعب ، لكنه ومع الأسف الشديد لم يتقيد بأصول اللعبة ، وسجل مواقف حكومية أكثر من الحكومة نفسها .
وصل مزدوجو الجنسية عندنا إلى منصب رئيس الوزارء ، ولا أدري – بل أدري – كيف يكون الشخص المزدوج منتميا لوطنه الأم ، محبا لشعبه الذي خرج من بين ظهرانيه ، بينما بلده الذي منحه الجنسية خارج نطاق إهتمامه ، علما انه ما كان ليصبح مسؤولا كبيرا ، لولا أنه من حاملي الجنسية الأجنبية المانحة المهيمنة.