صاحبي والقلق والطفولة

mainThumb

08-05-2016 11:23 AM

كان مهموما لدرجة لا تصدق ، بدا ذلك من نظرة الحزن العميقة التي ‏كانت تنبعث من عينيه ، ومن حركة يده البطيئة ، ومن طريقة جلوسه ، ‏ومن نبرة صوته الواهنة وهو يتساءل :‏
 
‏-‏ هل أجد لديك الجواب الشافي لسؤال اقض مضجعي ، ويقضه ، منذ ‏أصبح طفلي في السادسة ؟
 
تنبهت له بكل حواسي فأنا ممن تستهويهم الطفولة ويا كم قضيت ‏الساعات الطوال وأنا أراقب الأطفال عن كثب وهم يمارسون هواياتهم ‏وشيطنتهم .. أفكر في المستقبل الذي ينتظرهم ، أفكر كيف ‏سيتصرفون إذا شبوا عن الطوق .. هل سينجحون في حياتهم ؟ هل .. ‏هل .. حتى يأخذني التفكير بهم كل مأخذ .. ربما ذلك لإحساسي العميق ‏بأننا جميعا مقصرون تجاههم .‏
 
تنبهت من شرودي على صوته القلق :‏
 
منذ أسابيع وأنا أقرأ عن الأطفال ولم أفز بطائل .‏
 
كتمت ضحكة كادت تخرج من صدري .. كنت قرأت في باب التعارف ‏للأطفال الخبر التالي : الطفل فلان في الرابعة من عمره هوايته تكسير ‏الصحون وتحطيم فناجين القهوة . ولم تلبث الحيرة أن استبدت بي ‏حين تذكرت أنني قرأت عن طفل في الرابعة من عمره أيضا يقوم بحل ‏أصعب العمليات الحسابية وهو بعد لم يتقن القراءة أو الكتابة .. أكمل ‏صديقي : أريد طفلي أن ينشأ سويّا شاهدتهم في الغرب يعاملون ‏الأطفال معاملة الندّ للندّ .‏
 
فكرت في نفسي : أجل معاملة الند للند حتى إذا بلغ السادسة عشرة ‏وقبل أن يكتمل نضجه الفكري يفتح له والده الباب الخارجي على ‏مصراعيه حتى إذا خطا خطوة واحدة إلى الخارج أغلق دونه الباب ‏بارتياح .. هززت رأسي أستحثه على المضي في الحديث ، تساءل في ‏حيرة ولكن هل هذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع الأبناء ؟ أردت أن ‏أقول له بأن في تعاليم ديننا ما يوفر علينا مؤونة المقارنة ولكنه ‏سرعان ما اندفع في مقارناته المحمومة :‏
 
في كل بيت هناك حديقة وفي كل حي وفي كل بلدة .. وفي حديقة البلدة ‏كل ما يخطر على بال طفل وأكمل قائلا :‏
 
هناك أسئلة كثيرة لا أجد لها جوابا شافيا مثلا نحن نقدم لأطفالنا ‏جميع ما يحتاجون إليه ومع هذا لا ينجحون النجاح الذي نريد .. ‏ضحكت هذه المرّة بصوت مسموع ..لقد تذكرت انني قرأت ذات يوم ‏بأن سائحة أجنبية قابلت رئيس تحرير إحدى الصحف المشهورة ولما ‏استقر بهما المكان سألها رئيس التحرير عن شهاداتها فأجابت بأنها ‏تحمل دكتوراة في تربية الطفل وعندما استفسر منها عن المنصب ‏الذي تشغله أجابت بهدوء : أنا أعلم الصف الأول الإبتدائي .‏
 
وكأن ضحكتي العريضة استفزت صاحبي مما جعلته يستنكر ويقول :‏
 
إذا كان حديثي لا يعجبك فلا تجعلني على الأقل هدفا لسخريتك .. فأنا ‏لم أكن أحسب أن في الدنيا من يهتم بالطفولة كما أهتم أنا ولكنك .. لم ‏أدعه يكمل قاطعته قائلا : جميعنا نهتم بالطفولة .. أليس طفلي وطفلك ‏وأطفال الآخرين هم من عناهم الشاعر بقوله:‏
 
وإنما أولادنا بيننا            أكبادنا تمشي على الأرض ‏
 
وتركته وانصرفت ، فلا شفى هو غليله ولم أشف غليلي أيضا . ‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد