بعد أكثر من عام ونصف من سقوط صنعاء وأكثر من عام من الحرب التي كانت نتيجة للقفز على الإجماع اليمني وحوار طال أمده لعام كامل وبعد كل هذه المعاناة لم يكن يخطر في بال الشارع اليمني الذي كان يعول على السلام أن ينتهي الأمر بما آلت أليه الأمور في آخر تفاوض في الكويت والذي يسير وفق النموذج السوري من محطة تفاوضية لأخرى ، وفي لقاء بيل السويسري المعروف بجنيف 2أوآخر العام المنصرم وضعت أجندة أتفق عليها طرفي الحوار لمفاوضات مقبلة بخمسة محاور وبنود اتفق عليها فلماذا لم يحاسب الطرف الذي يفرض شروطاً أخرى ولا يحدد الطرف الذي يُميع القضية ويهرول نحو تسوية فقط من اجل فرض نفسه كطرف سياسي فاعل وهو متسلح بمقدرات الدولة التي اغتصبها ، فإذا كان المجتمع الدولي قد تواطئ حين عند زحف الحوثيين لصنعاء تحت مبررات واهية واسقطوا العاصمة بذريعة (الجرعة) وفرضوا ما عُرف بإتفاق (السلم والشراكة) تحت أسنة الرماح ونقضوه في اليوم التالي والذي كان له شقين أمني وسياسي تم تطبيق جزئيا الجانب السياسي من فرض حكومة (توافقي) وتم التغاضي على تنفيذ الجانب الأمني والعسكري بحيث بقى الميلشيات كما هي وكما دخلت الحوار السياسي قبل ذلك وهي مجرد ميلشيا مسلحة . وحتى الجانب السياسي تم الانقلاب عليه ووضعت الحكومة تحت الإقامة الجبرية وتم ملاحقة قيادات الدولة الى عدن حتى عشية (عاصفة الحزم) ولو كان الطيران اليمني اليوم متعافي لكانت تعز وعدن تقصف بالبراميل المتفجرة كما هو الحال في سوريا.
لقاء الكويت
على خلفية تعثر مفاوضات الكويت يبدو ان اليومين المقبلين بل ربما الساعات المقبلة ستحدد مصير هذه المفاوضات العقيمة ، وقد يلتئم في نهاية الأمر إذا كانت رؤية وفد الحكومة محصورة فقط في إشكالية معسكر العمالقة وسوا كانت هذه القضية مختلقة كما يدعي الانقلابيين أو حقيقة وكذا سوا كان الأمر مبالغ فيه بهذه الجزئية من عدمه ، التطورات ديناميكية في الحالة اليمنية التي تفرض تطوراتها تلقائيا وتربك المتفاوضون وكل يوم لها وجه وتعامل محدد وفق سياق الحدث .
تكتيك الحوثي يحاكي حلفائهم الإيرانيين في أسلوب النفس الطويل يوحي بأن الحوثيين يهيئون لكويت 2 في المحصلة ، ينبغي أن الطرف الشرعي من يحرج الانقلابيين ويضعهم في زاوية التفاوض الجاد وتطبيق القرار وليس العكس ، بمعنى ان الحكومة الرسمية بأسلوبها تضعف القرار الدولي وتفرغه من مضمونه
القرار الدولي 2216 أعطى مهلة بضعة أيام لتنفيذة ولكن الحكومة الشرعية وخلفها التحالف لم تستفيد من الاستفادة منه ، وانخرطت الحكومة اليمنية في تفاصيل فضفاضة يناور بين سطورها مفاوضي الحوثي بدهاء
ومنطق الميلشيا خذ ثم طالب مجدداً ، في الجملة الحكومة تتناسى كل تفاصيل اختراقات الحوثي وسوابق عديدة وتجاوزات منذ نحو عامين مضت وتحصر الأمر في جزئية بسيطة ، الظاهرة الحوثية من خلال تصرفاتها خُلقت لتبقى ، ومجرد حضور وفد الحكومة للكويت هو اعتراف ضمني بالخصم ، بغرض النظر مدى شعبية الانقلابيين ورفض أغلبية اليمنيين له ، لكن يجب التعامل معهم بدهاء وبعد نظر وبشمولية مع الأخذ بالاعتبار ديماغوجية ومراوغة هذه الحركة التي تهدد اليمن والمنطقة كلها ، أي تفاوض معهم وبأي نتيجة هو مكسب لطرفي الانقلاب ، وخيراً للشعب اليمني أن يبقى تحت سلطة الأمر الواقع من الانخراط والانزلاق الالتزامات اتفاق مفترض هش مع هذه الجماعة .. ومن هنا وفي حال أستمر الامر بهذه الرخاوة من جانب الشرعية اعتقد طرفي الانقلاب سينتصر في نهاية الأمر وتصبح الشرعية جزاء من الماضي ، وهو الأمر لدول التحالف وعلى رأسها السعودية ستدفع الثمن غالياً التي تعتقد بأنها قد حيدت حدودها بتفاهمات مع الحوثيين وتريد ان تتحول الحرب إلى (يمنية يمنية) داخلية وسواء تم امبرام اتفاق هش او خلافه فأن الحرب الأهلية تلوح في الأفق لان مسوغاتها ومعطيات الواقع واضحة للعيان ، وبهذا فأن السعودية تحفر قبرها بيدها وفي نهاية المطاف فأن الجميع خاسر اليمنيون ودول الإقليم وعلى رأسها السعودية والحوثيين أنفسهم ، الذين لن يحكموا سوى أطلال وبقاء بشر .
البعض من الشعب اليمني ممن يتأثر بأعلام الداخل ويختزل كل الإشكال في مفردة (العدوان) وبالطبع هؤلاء فقط هم من يقدسون الجلاد وسيد الانقلاب لا يدركون حجم المؤامرة وبأن اليمن مجرد ورقة بيد إيران للضغط على بلدان الخليج والشعب اليمني وقودا لهذه الحروب .
وسواء كان تسابق الحوثيين بإدلاء تصريحات ضد إيران صحيحة أو (تقية) وخطاب ديماغوجي إلا أنها في حقيقة الأمر حقيقة واقعة . والمخطط يراد منه ان ينجر اليمن للنموذج السوري والعراقي لأن البيئة المجتمعية غدت مفككة والجميع يكره الجميع . فبعد دمار اليمن وقتلى الحروب الحوثية العبثية الست التي راح ضحيتها عشرات الالوف ومثلهم جرحى ، وبعد حرب مدمرة بدأت منذ سقوط عمران بتواطئ الدولة العميقة للرئيس السابق وتواطئ هادي نفسه ، بداء مسلسل خراب اليمن مروراً بحرب عام ونيف ولا زالت مؤشرات الحرب توحي بانسحاب الطرف السعودي بتفاهمات مع الحوثيين للتحول الحرب إلى داخلية سواء كان هناك اتفاق هش او لم يحصل فأن الحرب الأهلية قادمة لا محالة لان مسوغاتها ومعطيات واضحة للعيان .
وخلاصة الأمر في هذا السياق وبالنظر لتباين وجهات نظر طرفي التفاوض سواء في المرجعيات أو التنفيذ ، يكفي لان ينسف أي نتيجة (توافقية) مفترضة في لقاء فوفد "الحوثي- صالح" وصل الكويت من أجل "مفاوضات" لإنهاء الغارات وحدها والعودة إلى توافق ما قبل "مارس 2015"، مع الاحتفاظ "باللجنة الثورية" أو ما يوازيها في المجلس الرئاسي، والحكومة وصلت الكويت لإجراء "مشاورات" وليس "تفاوض" لتطبيق القرار الأممي وتعود الحكومة لإدارة البلاد بعد سحب السلاح وحظر أنشطة مسلحة لأي جماعة .
وكما ذكرت صحيفة (السياسة) الكويتية في افتتاحيتها مؤخراً ناصحة طرفي الانقلاب إلى القبول بالحل المعروض عليهم أفضل بكثير من تسويف الوقت وإطالة أمد معاناة الشعب ، وإذا كان الاتفاق حالياً يمثل مخرجاً ما من تبعات قرار مجلس الأمن الدولي 2216، فأنه لن يكون متاحاً غداً ، ومن طلبه كله فاته كله !
* كاتب ودبلوماسي يمني