ما وراء التهديدات: ماذا نفهم من تصريحات نتنياهو الأخيرة؟

mainThumb

25-04-2016 09:24 AM

لا يمكن لنا أن نمر مرور الكرام على تلك الجلسة الإستثنائية التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية فى هضبة الجولان ‏السورية المحتلة يوم 17 نيسان الحالي، فهذه الجلسة لم تكن فقط مجرد رسالة إسرائيلية للعالم العربي والمجتمع ‏الدولي عبّر عنها رئيس الوزراء نتنياهو بتصريح مفاده أن إسرائيل لن تنسحب من الجولان وستبقى تحت ‏سيطرتها للأبد, بل أن هذه الجلسة كما أراها هي توجيه رسالة إلى الأطراف الدولية المجتمعة في جنيف، بشأن ‏سورية، مفادها بأن الجولان لن تعود إلى دمشق، تحت أي ظرف سياسي، وهي مقدمة جادة لقرار إسرائيلي ‏مرتقب يتم التمهيد له بكل وضوح لحسم مصير هذه المنطقة المحتلة‎ .‎
 
إن الرسالة التي أرادت الحكومة الإسرائيلية إيصالها، لم تكن رسالة أمنية وعسكرية، لقد كانت رسالة سياسية من ‏الدرجة الأولى، موجهة إلى أمريكا وروسيا وكافة الأطراف الدولية، أنه وتحت أي ظرف سياسي، أو رؤية يتم ‏بلورتها بالشأن السوري ستبقى الجولان في يد إسرائيل، فإسرائيل تريد أن تقول للعالم إنه آن الأوان لقبول ما كان ‏يرفضه سابقا بشأن الجولان، كما أن نتنياهو له حساباته الداخلية، فهو يريد أن يقول للشارع الإسرائيلي أنه الوحيد ‏القادرة على حفظ أمن إسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية بالقوة على الجولان، مدركاً أنه لن يكون هناك موقف ‏عربي بمستوى الحدث يمنعه من القيام بمثل هكذا خطوة.‏
 
في سياق متصل إن سبب إطلاق نتنياهو هذه التصريحات هو القلق والذعر الذي انتابه في أعقاب التطورات ‏الأخيرة في الملف السوري التي أفشلت مخططاته، إذ كان يأمل في استغلال الحرب في سورية وتفككها لينتزع ‏إعترافاً دولياً بتغيير حدود إسرائيل من الشمال، "شمال الجولان" رسمياً ضمن هذه الحدود، كان يأمل في ‏الحصول على إعلان رئاسي وقيام الكونغرس بتشريع قانون رسمي يتيح مواصلة سيطرة إسرائيل على الجولان، ‏لذلك طرح نتنياهو على الرئيس الأميركي أوباما خلال لقائهما الأخير في البيت الأبيض "فكرة إعادة النظر" في ‏مكانة الجولان والأخذ في الحسبان مساهمة إسرائيل في استقرار المنطقة، وكان يأمل من خلال طرح هذه الفكرة ‏إعتراف أميركي بالجولان جزءاً من إسرائيل بتعويض إستراتيجي عن إتفاق الدول الكبرى مع إيران في الملف ‏النووي، كما بذل نتنياهو جهده لاقناع الرئيس بوتين بأن من مصلحة روسيا والدول العظمى عدم التطرق الى ‏موضوع مستقبل هضبة الجولان المحتلة في أي تسوية سياسية مستقبلية في سورية، لأن وجود إسرائيل على حدّ ‏زعمه هو ضمانة لحفظ مصالح هذه الدول وليس مصلحة إسرائيل وحدها.‏
 
من يتابع المواقف والتصريحات الرسمية الإسرائيلية والجدل الدائر داخل إسرائيل في هذا الشأن لا بد أن يلاحظ ‏كيف تحاول حكومة اليمين في إسرائيل إستغلال الفوضى الإقليمية والوضع المتردي في الدول العربية لتكريس ‏واقع الإحتلال الإسرائيلي الى الأبد في هضبة الجولان، فالأوضاع التى شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات ‏الأخيرة والتداعيات التى تركتها، دفعت وشجعت إسرائيل إلى إعادة تأكيد عقيدتها العسكرية والأمنية والتى تتمثل ‏فى أن الحفاظ على الأمن القومى الإسرائيلى لن يتم إلا من خلال إسرائيل نفسها دون الاعتماد على قوى خارجية ‏أو الوثوق فى أية تعهدات من أى طرف، وفي إطار ذلك أن التصعيد الإسرائيلى يرتبط بالضعف الشديد الذى يعاني ‏منه الموقف العربى بشكل غير مسبوق وإنشغال العديد من الدول العربية بمشاكلها الداخلية الحادة, إضافة إلى ‏تقدير إسرائيل بأن رد الفعل العربى لن يخرج عن إطار الشجب والإدانة، فضلاً عن التوافق الأمريكى الروسى ‏على حل الصراع الراهن فى سورية وإحتمالات التوصل لتسوية بصورة قد لا تتمشى مع المصالح والأهداف ‏الإسرائيلية الصهيونية‎.‎
 
لجوء نتنياهو إلى اتخاذ هذا الموقف في الوقت الراهن، إلى رغبته في استغلال الوضع الصعب الذي يمر به العالم ‏العربي بشكل عام، وسورية بشكل خاص، من أجل فرض معطيات جديدة على الأرض، وتثبيت سياسة الأمر ‏الواقع.‏
 
وفي السياق ذاته تمضي إسرائيل حالياً فى إستثمار وإستغلال الأوضاع العربية المتردية والإنقسام العربي, من ‏خلال زيادة قدراتها العسكرية والأمنية بأحدث الأسلحة والمعدات تحسباً لأية مخاطر إقليمية خاصة عدودها اللدود ‏إيران، بالإضافة الى إعادة رسم خريطة التسوية السياسية للصراع العربى الإسرائيلى بالشكل الذى يؤمن حدودها ‏مستقبلاً وذلك من خلال تهويد مدينة القدس وضم أجزاء هامة من الضفة الغربية لمنع إقامة دولة فلسطينية ‏متواصلة الأطراف مع استمرار السيطرة على الجولان وعدم التفريط فيها‎.‎
 
إذاً فلاشك إن إسرائيل تريد من المجتمع الدولي أن يبارك خطوتها،‎ ‎ولم أستبعد وجود دعم دولي للخطوة ‏الإسرائيلية، أو غض الطرف عنها، في ظل حالة التشتت العربي‎ ‎فهناك أطرافا دولية، في مقدمتها أمريكا قد تدعم ‏هذا الوضع، وأن يبقى الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، مستغلة‎ ‎‏ في ذلك المتغيرات الإقليمية والدولية التي تخدم ‏فى مجملها موقف حكومة نتنياهو وتتيح أمامها الفرصة لاتخاذ خطوة تالية بإعلان قرار ضم الجولان بصورة ‏رسمية ثم اتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لترجمة هذا القرار لواقع جديد، وإنطلاقاً من ذلك ليس أمامنا سوى ‏التحرك العاجل لطرح قرار فى مجلس الأمن يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان، وإنشاء محكمة جنائية على ‏غرار محكمة يوغوسلافيا السابقة ومحكمة رواندا لمقاضاة إسرائيل، التي تتصرّف وكأنّها دولة فوق القانون وفوق ‏المحاسبة، وهذا يستلزم منا وقفةً جادّة وقويّة من قبل المجتمع الدولي لردع إسرائيل عن إنتهاكاتها وممارساتها ‏التوسعيّة والاستيطانيّة.‏
 
مجملاً...ماذا نتوقع من العالم، إذا كان العرب أنفسهم لا يملكون الجرأة على الفعل، وإن وجدت الجرأة الشعبية ‏والغضب لدى الشارع تتلقفه الأنظمة والحكومات العربية وتتوج بالفشل، فالسوريين وحدهم من يملك حق ‏الاختيار، ووحدهم من سيقرر نوعية المواجهة أو المهادنة مع نظام محتل، قاتل وجبان، فالجولان سيظل سوريّاً ‏خالصاً لا يقبل القسمة، وإنه لن يكون فيه موطئ قدم للاحتلال ومتطرفيه مهما بلغت غطرسته وعربدته من خلال ‏صمود الجيش العربي السوري الذين يرابط للدفاع عن الجولان والأرض العربية المحتلة، بإختصار شديد.... إن ‏الحرب قادمة لا محالة، وأن المنطقة قادمة على مشهدين لا ثالث لهما‎ ‎إما تسوية مرضية بشروط محور المقاومة ‏وحلفائه الدوليين أو حرب إقليمية ولن تكون إسرائيل في مأمن منها أبداً. ‏
 
 
Khaym1979@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد