لا يمكن لنا أن نمر مرور الكرام على تلك الجلسة الإستثنائية التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية فى هضبة الجولان السورية المحتلة يوم 17 نيسان الحالي، فهذه الجلسة لم تكن فقط مجرد رسالة إسرائيلية للعالم العربي والمجتمع الدولي عبّر عنها رئيس الوزراء نتنياهو بتصريح مفاده أن إسرائيل لن تنسحب من الجولان وستبقى تحت سيطرتها للأبد, بل أن هذه الجلسة كما أراها هي توجيه رسالة إلى الأطراف الدولية المجتمعة في جنيف، بشأن سورية، مفادها بأن الجولان لن تعود إلى دمشق، تحت أي ظرف سياسي، وهي مقدمة جادة لقرار إسرائيلي مرتقب يتم التمهيد له بكل وضوح لحسم مصير هذه المنطقة المحتلة .
إن الرسالة التي أرادت الحكومة الإسرائيلية إيصالها، لم تكن رسالة أمنية وعسكرية، لقد كانت رسالة سياسية من الدرجة الأولى، موجهة إلى أمريكا وروسيا وكافة الأطراف الدولية، أنه وتحت أي ظرف سياسي، أو رؤية يتم بلورتها بالشأن السوري ستبقى الجولان في يد إسرائيل، فإسرائيل تريد أن تقول للعالم إنه آن الأوان لقبول ما كان يرفضه سابقا بشأن الجولان، كما أن نتنياهو له حساباته الداخلية، فهو يريد أن يقول للشارع الإسرائيلي أنه الوحيد القادرة على حفظ أمن إسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية بالقوة على الجولان، مدركاً أنه لن يكون هناك موقف عربي بمستوى الحدث يمنعه من القيام بمثل هكذا خطوة.
في سياق متصل إن سبب إطلاق نتنياهو هذه التصريحات هو القلق والذعر الذي انتابه في أعقاب التطورات الأخيرة في الملف السوري التي أفشلت مخططاته، إذ كان يأمل في استغلال الحرب في سورية وتفككها لينتزع إعترافاً دولياً بتغيير حدود إسرائيل من الشمال، "شمال الجولان" رسمياً ضمن هذه الحدود، كان يأمل في الحصول على إعلان رئاسي وقيام الكونغرس بتشريع قانون رسمي يتيح مواصلة سيطرة إسرائيل على الجولان، لذلك طرح نتنياهو على الرئيس الأميركي أوباما خلال لقائهما الأخير في البيت الأبيض "فكرة إعادة النظر" في مكانة الجولان والأخذ في الحسبان مساهمة إسرائيل في استقرار المنطقة، وكان يأمل من خلال طرح هذه الفكرة إعتراف أميركي بالجولان جزءاً من إسرائيل بتعويض إستراتيجي عن إتفاق الدول الكبرى مع إيران في الملف النووي، كما بذل نتنياهو جهده لاقناع الرئيس بوتين بأن من مصلحة روسيا والدول العظمى عدم التطرق الى موضوع مستقبل هضبة الجولان المحتلة في أي تسوية سياسية مستقبلية في سورية، لأن وجود إسرائيل على حدّ زعمه هو ضمانة لحفظ مصالح هذه الدول وليس مصلحة إسرائيل وحدها.
من يتابع المواقف والتصريحات الرسمية الإسرائيلية والجدل الدائر داخل إسرائيل في هذا الشأن لا بد أن يلاحظ كيف تحاول حكومة اليمين في إسرائيل إستغلال الفوضى الإقليمية والوضع المتردي في الدول العربية لتكريس واقع الإحتلال الإسرائيلي الى الأبد في هضبة الجولان، فالأوضاع التى شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة والتداعيات التى تركتها، دفعت وشجعت إسرائيل إلى إعادة تأكيد عقيدتها العسكرية والأمنية والتى تتمثل فى أن الحفاظ على الأمن القومى الإسرائيلى لن يتم إلا من خلال إسرائيل نفسها دون الاعتماد على قوى خارجية أو الوثوق فى أية تعهدات من أى طرف، وفي إطار ذلك أن التصعيد الإسرائيلى يرتبط بالضعف الشديد الذى يعاني منه الموقف العربى بشكل غير مسبوق وإنشغال العديد من الدول العربية بمشاكلها الداخلية الحادة, إضافة إلى تقدير إسرائيل بأن رد الفعل العربى لن يخرج عن إطار الشجب والإدانة، فضلاً عن التوافق الأمريكى الروسى على حل الصراع الراهن فى سورية وإحتمالات التوصل لتسوية بصورة قد لا تتمشى مع المصالح والأهداف الإسرائيلية الصهيونية.
لجوء نتنياهو إلى اتخاذ هذا الموقف في الوقت الراهن، إلى رغبته في استغلال الوضع الصعب الذي يمر به العالم العربي بشكل عام، وسورية بشكل خاص، من أجل فرض معطيات جديدة على الأرض، وتثبيت سياسة الأمر الواقع.
وفي السياق ذاته تمضي إسرائيل حالياً فى إستثمار وإستغلال الأوضاع العربية المتردية والإنقسام العربي, من خلال زيادة قدراتها العسكرية والأمنية بأحدث الأسلحة والمعدات تحسباً لأية مخاطر إقليمية خاصة عدودها اللدود إيران، بالإضافة الى إعادة رسم خريطة التسوية السياسية للصراع العربى الإسرائيلى بالشكل الذى يؤمن حدودها مستقبلاً وذلك من خلال تهويد مدينة القدس وضم أجزاء هامة من الضفة الغربية لمنع إقامة دولة فلسطينية متواصلة الأطراف مع استمرار السيطرة على الجولان وعدم التفريط فيها.
إذاً فلاشك إن إسرائيل تريد من المجتمع الدولي أن يبارك خطوتها، ولم أستبعد وجود دعم دولي للخطوة الإسرائيلية، أو غض الطرف عنها، في ظل حالة التشتت العربي فهناك أطرافا دولية، في مقدمتها أمريكا قد تدعم هذا الوضع، وأن يبقى الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، مستغلة في ذلك المتغيرات الإقليمية والدولية التي تخدم فى مجملها موقف حكومة نتنياهو وتتيح أمامها الفرصة لاتخاذ خطوة تالية بإعلان قرار ضم الجولان بصورة رسمية ثم اتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لترجمة هذا القرار لواقع جديد، وإنطلاقاً من ذلك ليس أمامنا سوى التحرك العاجل لطرح قرار فى مجلس الأمن يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان، وإنشاء محكمة جنائية على غرار محكمة يوغوسلافيا السابقة ومحكمة رواندا لمقاضاة إسرائيل، التي تتصرّف وكأنّها دولة فوق القانون وفوق المحاسبة، وهذا يستلزم منا وقفةً جادّة وقويّة من قبل المجتمع الدولي لردع إسرائيل عن إنتهاكاتها وممارساتها التوسعيّة والاستيطانيّة.
مجملاً...ماذا نتوقع من العالم، إذا كان العرب أنفسهم لا يملكون الجرأة على الفعل، وإن وجدت الجرأة الشعبية والغضب لدى الشارع تتلقفه الأنظمة والحكومات العربية وتتوج بالفشل، فالسوريين وحدهم من يملك حق الاختيار، ووحدهم من سيقرر نوعية المواجهة أو المهادنة مع نظام محتل، قاتل وجبان، فالجولان سيظل سوريّاً خالصاً لا يقبل القسمة، وإنه لن يكون فيه موطئ قدم للاحتلال ومتطرفيه مهما بلغت غطرسته وعربدته من خلال صمود الجيش العربي السوري الذين يرابط للدفاع عن الجولان والأرض العربية المحتلة، بإختصار شديد.... إن الحرب قادمة لا محالة، وأن المنطقة قادمة على مشهدين لا ثالث لهما إما تسوية مرضية بشروط محور المقاومة وحلفائه الدوليين أو حرب إقليمية ولن تكون إسرائيل في مأمن منها أبداً.
Khaym1979@yahoo.com