قد تكون هي الزيارة الأخيرة لباراك أوباما، كرئيس للولايات المتحدة، عندما التقى في الرياض العاهل السعودي الملك سلمان مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الآخرين. القمة تمثل الفصل الثاني من لقاء كامب ديفيد، عندما استضاف الرئيس قادة الخليج قبل عام ليستبق توقيعه الاتفاق مع إيران. الوضع لم يتحسن كثيرًا في العلاقة السعودية الخليجية مع واشنطن في كل القضايا التي أصبحت مرتبطة بإيران، تحديدًا سوريا والعراق واليمن، التي رفعت درجة اضطراب المنطقة بشكل غير مسبوق.
خلال السنة التي فصلت بين قمتي كامب ديفيد والرياض أنجز البيت الأبيض تعهده بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، وأخفق في إظهار ما يقابله للطرف الآخر، حتى يوازن تلك الخطوة الخطيرة، وفق وجهة النظر الخليجية. وفي نفس الوقت استمرت إيران وحلفاؤها يحاولان السيطرة على المنطقة، وتحديدًا في الدول الثلاث المضطربة، وتهديد أمن المجموعة الخليجية واستقرارها.
حالة الحرب الإقليمية، المباشرة وغيرها، لم تترك مجالاً لدول الخليج للتعاون مع واشنطن في مشروعها بالانفتاح على إيران، لأن الاتفاق جرأ الحرس الثوري على القتال فيما وراء حدوده، وانخرط في حروب لا مثيل لها من قبل.
ما كان منتظرًا بعد قمة كامب ديفيد الأميركية - الخليجية في العام الماضي، أن توازن الولايات المتحدة رفع العقوبات عن إيران في نفس الوقت بسياسة متشددة تواجه محاولات تمددها وتهديد جيرانها. هذا التوازن لم يتحقق. حصلت إيران على رفع العقوبات، والإفراج عن أرصدتها المالية، وعقد الصفقات، وأشركت في مفاوضات أزمات الإقليم، وغض النظر عن العمليات العسكرية في حروب الدول الثلاث. ولم تهدد بمعاقبتها على تكرار مخالفاتها لقرارات مجلس الأمن بحظر تسليح المتمردين في اليمن، حيث ضبطت البحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية والأسترالية شحنات سلاح إيرانية في طريقها لليمن. الدول الخليجية كانت قد التزمت بعدم معارضة الاتفاق الدولي في قمة كامب ديفيد العام الماضي، رغبة منها في إرسال إشارة واضحة للولايات المتحدة أنها ليست ضد مبدأ مصالحة الغرب مع إيران، بل ضد سياستها تصدير الفوضى والثورات في المنطقة، التي وضعها نظام آية الله الخميني في صلب سياسته بعد هيمنة رجال الدين على الحكم في عام 1979. وتطبقها القيادة الحالية اليوم بشكل أكبر.
هذا هو الخلل في العلاقة السعودية الخليجية - الأميركية. لا يمكن لواشنطن أن تنفتح على إيران، وتسمح لها، في الوقت نفسه، بأن تهدد أمن دول المنطقة ومصالحها، وتطالب هذه الدول بأن تتنازل.
بقيت في رئاسة أوباما إلى نهاية العام الحالي، فترة ليست بالوجيزة في حساب الوقت في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة تسارع الأحداث الخطيرة التي تدور رحاها في أرجاء المنطقة من سوريا إلى ليبيا. خلال الأشهر المتبقية، إن كان أوباما يريد أن يختتم فترته الرئاسية بالمحافظة على مشروعه مع إيران والإبقاء على العلاقة الخاصة مع الخليجيين، والعرب عمومًا، يستطيع ذلك بتحقيق توازن يصحح الاختلالات الناجمة عن فترة مفاوضات الاتفاق النووي وما تلاها. فلا تستطيع هذه الدول أن ترى إيران تهيمن على سوريا والعراق ولبنان دفعة واحدة التي تقع شمال حدودها، وتقف مكتوفة الأيدي، وتنشط ضدهم في اليمن، أيضًا.
كيف للرئيس أن يحقق التوازن؟ يكفي أن ينفذ تصريحاته المعلنة، دعم إبعاد رأس النظام السوري، ومساندة قرارات الأمم المتحدة التي سبقت الانقلاب على الشرعية في اليمن، وأيدتها من قبل الولايات المتحدة نفسها.
هل يفعلها أوباما بعد عودته من الرياض؟ لا يوجد أمل كبير، والرئيس لم يقل شيئا، ولا سياسة حكومته توحي بذلك. يبدو أنه يضع رهانه في أن الأطراف تنهك من الصراع وفي الأخير تقبل بحل ما.
ليس متحمسًا لاتخاذ مواقف جديدة ربما لأنه لم يعد يرى أسبابًا قوية للتحالف مع مجموعة الخليج، ولم يعد يعتبر أن هناك دولاً صديقة مقربة لبلاده أكثر من غيرها في المنطقة.
سياسة الابتعاد تبدو خيار أوباما المفضل منذ توليه الرئاسة قبل سبع سنوات، والواقع أنها أثبتت خطأها أولا في أن القوى الإقليمية هنا لا تنهك في زمن قصير. والثاني، البديل لعدم الانخراط في أزمات المنطقة هو الفوضى. وهي التي أنجبت من قبل «القاعدة»، واليوم «داعش»، وعشرات التنظيمات الإرهابية التي تهدد العالم. الضغط على إيران ومواجهتها كفيل بإنهاء أزمات سوريا والعراق ولبنان واليمن، أو على الأقل وقف المواجهات الكبرى منها.
صحيفة "الشرق الأوسط"