من الوساطات العربية الناجحة ( وثيقة الدوحة) لسلام دارفور، والتي صبرت عليها دولة قطر صبراً جميلاً ، حتى وصلت هذه المحطة الهامة وهي ( الإستفتاء الإداري) لدارفور ، لتصير إقليماً واحداً ، كما كان في وقت سابق ، أو خمس ولايات كما هو معمول به الآن .
المنجز النهائي من وثيقة الدوحة ، التي وقع عليها حزب التحرير والعدالة الذي كان يناهض الحكومة المركزية ويرفع السلام في وجهها ، أدرك أن تلك اللغة لا تناسب لنيل الحقوق ففاوض الحكومة على أمور شتى، لُخصت في الوثيقة.
اليوم يتربع على رأس الحكومة الإنتقالية لدارفور قادة التمرد سابقاً ، والحاكمين منذ أكثر من خمس سنوات حتى وصلوا إلى المحطة الهامة ،بذل فيها الشركاء جهوداً مضنية في لملمة جراح دارفور من رتق للنسيج الإجتماعي وبث للطمأنينة والإستقرار .
مجاهدات كبيرة جداً ، وأموال ضخمة ،ورؤى متميزة وحكيمة ، بذلت في الخمس سنوات ليصبح الوضع في دارفور كما هو الآن أمن ،وإستقرار ،وتنمية ، و فعاليات غير محدودة لإعادة اللُحمة الإجتماعية ، لأيامها النواضر فأخر الأخبار أن الجيش السوداني قد حرر آخر نقاط التمرد في جبل مره الحصين العتيد ... حيث صار المتمرد عبد الواحد محمد نور وحزبه لا يملكون شبر من أرض ، و لا ظهير لهم في معسكرات النازحين ، التي كانوا يعتمدون عليها كثيراً حتى تكشفت حقائق كثيرة ، عملت حركات التمرد مع جهات أجنبية كبرى معادية للمشروع الوطني السوداني ، وحققت في هذه المسألة نجاحاً واسعاً في تلويث سمعة السودان ، و غير فبركة التقارير و الأخبار ، و منتجة الأفلام والصور للوصول لأهداف خبيثة و دنيئة ، لكن لمّا تدخلت دولاً عربية لا مصالح لها ، سوى إصلاح ذات البين صبرت على كل العلل السودانية ، من تشظي الحركات المسلحة ورغباتها المجنونة والمحمومة و أمزجتها المتقلبة حسب أهواء الدول الداعمة والممولة لها.
هذا الإستحقاق الأخير ، يرعاه شركاء الإتفاقية، برغم أن طرف منها يدعو بشده للإقليم الواحد وله مبرراته ، بينما الطرف الآخر يدعو للصيغة الإدارية الحاكمة الآن.
صبرت دولة قطر على كل هذا ، و إستضافت جولات التفاوض الطويلة والعديدة بكرم باذخ ومن ثم أنفقت على مشاريع التوطين وإعادة التأهيل ، وبناء المدارس والمراكز الصحية بسعة ورجاء على أمل أن تنهض دارفور تلك المنطقة الزاخرة بالامكانات المادية والبشرية .
وإذا كانت زيارة البشير مؤخراً لولايات دارفور الخمس ، ترمومتراً حساساً لقياس حالة الأمن والإستقرار والتنمية في ربوع مساحة واسعة توازي مساحة فرنسا ، فلنصفق للأخوة القطريين و للحكومة السودانية ، ولمواطني دارفور كبرى ولزعمائها ، حتى أصغر جندي ساهم في تحقيق هذا الإنجاز ... فلقد تعافت دارفور من علتها المتطاولة .
فالحشود الهائلة التي إستقبلت البشير في الهواء الطلق ، تدل بشكل كبير على الحميمة بين الرئيس والشعب ، لتسقط على إثرها دعاوي المحكمة الجنائية المفتوحة من إبادة جماعية ، وغيرها من تخرصات على السودان .
فإذا كانت بعض الأقلام ، ودولة مثل الولايات المتحدة لها رأي مغاير في استفتاء دارفور وهو إستحقاق دستوري ، أملته وثيقة الدوحة للسلام ، و ضمنتها الحكومة في الدستور لكي يطمئن قلب الحركات المسلحة الموقعة فلماذا تدخل أمريكا أنفها في قضايا داخلية لدولة ذات سيادة !! .... ولحسن الطالع أن حزب العدالة والتحرير ، هو الذي قاد مع شريكه المؤتمر الوطني ( الحزب الحاكم ) كل عمليات البناء والتعمير فكل التقارير الواردة للإستفتاء الإداري تتسم بالنزاهة ، والإقبال الجماهيري الواسع للإدلاء بأصواتهم في ظل مناخ معاف ومستقر مما يعني هذا إنتصار كبير لوثيقة الدوحة .
لا أرى بعد هذا كله ، داع للثرثرة هنا وهناك ، عبّرت عنها أمريكا بوضوح ، يُضير الدولة العظمى أن يصوّت أهل دارفور للأقليم أو للخمس ؟؟
الحرية هنا لمواطني دارفور.... بعض الناس ينادون بالأقليم الواحد، وآخرين للخمس ولايات لكل مبرراته ، ودفوعاته وللجماهير الهادرة الحق الأعلى في الخيار !!!
فالذي يرى أن تقسيم الولايات ، أضر بالنسيج القبلي في دارفور ، وعمق المشكلات المتوارثة وصنع أرتالاً من الموظفين ، وأنهك ميزانية الدولة ، فيصوت للإقليم والذي يرى أن الولايات قصّرت الظل الإداري ومنحت أبناء تلك المناطق السلطة كاملة ليديروا شأنهم بأنفسهم فليصوت لخيار الولايات ، فالأمر بيد مواطني دارفور رفعت الأقلام وجفت الصحف !!!
العالم كله شهد تعاف دارفور ، بعد فعل مثابر من حكومات الولايات ، لعقدها للمصالحات بين القبائل المتداخلة و المتصاهرة، وحسم بالغ الصرامة من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى للتمرد، وحركة البناء والتعمير لكل ما دمرته الحرب، هذا كله لم يبلغ مقاصده كلها ، لكنه قطع شوطاً مقدراً في إحراز المأمول .
المدرك أن هنالك عمل كبير يبقى، إلا أن الإدارة الوطنية الصلبة ماضية لتحقيق الأهداف المنشودة.
يبدو أن دارفور مهما صار وضعها الإداري تعافت كثيراً من تردِ الخدمات وزعزعة الأمن فابلأمس القريب أعلنت القوات المسلحة إنتهاء العمليات العسكرية في دارفور الكبرى ، هذا الإعلان يوضح خفوت التمرد وإنحساره تماماً ، تَبقى الآن العمل المثابر لدفع مسيرة الإستقرار والإصلاح والتنمية .