تفعيل اتفاقية الزئبق لمواجهة آثاره الصحية ‏- إبراهيم ثياو*

mainThumb

11-03-2016 02:10 PM

مضى ستون عاما تماما منذ أن أصبحت الشقيقتان التي تبلغ إحداهما خمس سنوات والأخرى ‏سنتين، وهما من أوائل الأشخاص القاطنين قرابة الساحل الياباني والبالغ عددهم 20,000 شخص ‏تقريبا، الذين تم تشخيصهم بصورة رسمية بأنهم مصابون بوصمة داء مؤلم لا رجعة فيه وهو ‏التسمم بالزئبق".‏

 

وقد استغرق الأمر عقودا للعالم لفهم علم ما يعرف بالتسمم بالزئبق وآثاره على الطعام الذي نأكله، ‏والماء الذي نشربه والهواء الذي نتنفسه والاقتصادات والنظم الإيكولوجية التي نعتمد عليها.  ‏واليوم، نعلم أن الآثار المترتبة على التلوث بالزئبق الحالي ستتجرعها الأجيال التي ستأتي بعد ‏جيل أطفالنا وأطفالهم.‏

وعلى الرغم من علمنا بهذا، إلا أن الأطفال الصغار وكثير من البالغين في جميع أنحاء العالم ما زالوا ‏يعانون من شبح داء الزئبق.  فمن الفلبين إلى إندونيسيا، ومن بيرو إلى الإكوادور ومن غانا إلى ‏زيمبابوي، تعد الصناعة التقليدية لمناجم الذهب مسؤولة عما يزيد عن ثلث انبعاثات ومناولات واستنشاق ‏الزئبق يوما بعد يوم.‏

 

وكذلك الأمر في المناطق النائية مثل أوروبا وأستراليا والصين والولايات المتحدة، تساهم الأنشطة ‏الشائعة مثل البناء، والحرق، أو حرق الفحم، في انبعاثات الزئبق داخل المجتمعات التي تغفل ‏وجود الزئبق أو فاعليته.‏

 

بيد أنه إذا كان التعرض للزئبق لا خيار فيه أو ناتج عن قلة الوعي، فإن الضرر الناجم عنه يبقى ‏كما هو.‏

 

وللأسف، وعلى الرغم من مرور ستة عقود على اتفاقية ميناماتا، إلا أن معارفنا الجيدة لا تزال ‏تعاني من ثغرات خطيرة.  حيث تشير التقديرات إلى أن انبعاثات الزئبق في جميع أنحاء العالم ‏التي هي من صنع الإنسان تبلغ 2000 طن، ولكن التوقعات تؤكد أكثر من ضعف هذا العدد – ‏التي تتراوح ما بين 1000 - 4000 طن.  وتعد الأنشطة الأساسية التي يقوم بها الإنسان مثل ‏صنع الخرسانات، وحرق الفحم، مسؤولة عن ثلث انبعاثات الزئبق، الأمر الذي يؤدي إلى وجود ‏ثغرة كبيرة تشعرنا بالقلق.‏

 

ومع مثل هذا النطاق الجغرافي والأجيال المعرضة للتسمم بالزئبق، يجب أن يكون التصدي لهذه المشكلة ‏جزء من نهج منتظم لدورة الحياة لكل من الدول المتقدمة والنامية.‏

 

وإضافة إلى هذا النهج، يجب أن تشمل الجهود المتضافرة بين القطاعين العام والخاص، على المراقبة ‏والتخلص التدريجي وحظر استخدام أو تداول الزئبق ومركباته؛ لضمان الإدارة السليمة للنفايات ومعالجة ‏المواقع الملوثة؛ ولتبادل الخبرات والتكنولوجيات لجعل كل ذلك ممكنا.‏

 

وتقتل الملوثات ما يقرب من تسعة ملايين شخص سنويا، أما بالنسبة إلى الزئبق، فإنه ينتشر ويتضخم في ‏جميع مراحل الحياة الطويلة.‏

 

إن شبح الملوثات له آثار على الصحة، والفقر، والإنتاج والاستهلاك، والأمن، والنمو الاقتصادي، الذي ‏يفسر السبب في أن البيئة، والمواد الكيميائية، والتلوث، والنفايات جزءا لا يتجزأ تقريبا من جميع أهداف ‏جدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030 البالغ عددها 17 هدفا، كما يفسر سبب، لماذا لا يمكن معالجة ‏هذه القضايا من قِبل أي بلد أو منطقة أو أصحاب مصلحة بصورة منفردة.‏

 

وبالنسبة للمواد الكيميائية، فإن الخيارات الصعبة للتصدي لها ، تنعكس في تضافر جهود أكثر من 100 ‏شريك في الشراكة العالمية الخاصة بالزئبق التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وفي نطاق اتفاقية ميناماتا ‏الطموحة.‏

 

وتعد اليابان أحدث الدول التي انضمت إلى اتفاقية ميناماتا للحد من استخدام وتلوث الزئبق، بالإضافة ‏إلى قائمة من 23 بلدا قام بالتصديق على الاتفاقية، في حين يعمل كثيرين آخرين بجد ليحذو حذو هذه ‏الدول. ولكن علينا أن نبني على هذا الزخم إذ كنا نريد ضمان دخول الاتفاقية حيز النفاذ هذا العام، مما ‏يتيح لنا فرصة لإعادة التركيز على تنفيذها.‏

وأما مصير نجاح أو فشل  جدول أعمال عام 2030 فيعتمد على قدرتنا في تحقيق ذلك كجزء من ‏الجهود المبذولة لإدارة المواد الكيميائية والنفايات على نطاق أوسع، ومتعدد الأطراف مثل اتفاقيات ‏بازل وروتردام واستكهولم، والنهج الاستراتيجي للإدارة الدولية للمواد الكيميائية.‏

 

وفي نهاية المطاف، فإن هذه الاتفاقيات ليست حبرا على الأوراق التي كتبت عليها.  فقد تم التوصل ‏إلى هذه الاتفاقيات من أجل تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع.  وبعد معرفة كل هذه ‏الأشياء- هل سمعتم في أي وقت مضى عن قيام شخص ثري بالتطوع للعمل داخل أي منجم، أو شرب ‏ماء ملوث، أو المخاطرة بصحة وأمن أطفاله.‏

 

إن صحة ورفاهية سكان هذا الكوكب ستكون نبراسا للمفاوضات المتعلقة بالزئبق التي ستجرى هذا ‏الأسبوع وخلال محادثات جمعية الأمم المتحدة للبيئة التي ستجرى في شهر مايو القادم، حيث سيجتمع ‏وزراء البيئة في العالم لتوفير كوكب صحي تتمتع به شعوب العالم.‏

 

وكما قال الرئيس أوباما " لقد كان يوما جيدا" عندما أعلنت الولايات المتحدة معايير انبعاثات الزئبق ‏في عام 2013، بناء على 20 سنة من الجهود المبذولة في مختلف الأطياف السياسية، وبعد ثلاثة ‏أسابيع فقط من كونها أول دولة تقوم بالتصديق على اتفاقية ميناماتا. ‏

 

وهذه الأيام، يحتاج العالم وبصورة ماسة إلى "يوم جيد" آخر للسيطرة على الزئبق، ويوفر هذا الأسبوع ‏فرصة مماثلة للوفود المجتمعة على شواطئ البحر الميت. ‏

 

ومن خلال اتخاذ الخطوة النهائية لتنفيذ الاتفاقية المتعلقة بالزئبق، يمكن للوفود أن تقدم تأثيرا ملموسا ‏على أرض الواقع مع معالجة هذه القضية الفتاكة، التي تعد في كثير من الأحيان غير مرئية، والتي قد ‏تصيب الناس من المهد إلى اللحد.  فلنفكر في هذا الأمر: ترتفع مخاطر الزئبق من المهد إلى اللحد.  ‏فإلى متى يمكننا تجاهل هذه القضية دون القيام بشئ حيال ذلك؟

 

‏* نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة .‏



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد