شهدت إيران العديد من التطورات الكبرى أكدت أهمية رسوخ وحدتها الوطنية وتعدديتها السياسية, وأثبتت صوابية النهج السياسي الإيراني الذي نجح في إفشال مخططات عزل إيران ومحاصرة دورها الإقليمي والدولي, فقبل كل إنتخابات إيرانية وخاصة انتخابات مجلس الشورى الإسلامي ومجلس خبراء القيادة تعلو أصوات حملات التضليل المعادية لإيران للإيحاء بتناقضات أو ضعف في الوحدة الإيرانية وقوة الشعب، لكن الشعب الإيراني وكما في كل استحقاق إنتخابي أثبت بوعيه السياسي وبمشاركته الفعالة والواسعة "بنسبة مشاركة 58 % من الناخبين الإيرانيين" بأنه حريص على تعزيز خياره الحر والوقوف بوجه اعداءه.
اليوم يتساءل المراقبون والمحللون في الشأن الايراني والدولي عما الذي يمكن توقعه في الإنتخابات الإيرانية؟، حيث تكتسب هذه الإنتخابات أهمية كبرى إذ من الممكن أن تحدد مصير البلاد في الفترة القادمة، ومن خلال مراقبة التطورات ودخول المنطقة في حروب متعددة وشائكة بالإضافة الى التحديات وصعوبات المرحلة المقبلة مع وجود التدخلات الغربية فيها, الأمر الذي جعل هذه الانتخابات هي المحرك الأساسي والرئيسي الذي سيحدد مستقبل الإقليم والطريق الوحيد لمعرفة كيف ستكون سياسة إيران ومن رئيسها الجديد، لذلك سيكون لهذه الانتخابات تداعياتها في رسم الخارطة الجديدة للمنطقة بأكملها.
في سياق متصل تملك إيران الدور المحوري في كل القضايا والأمور التي تحدث في المنطقة ولابد من وجودها ليكون هناك حل للمشاكل والأزمات التي تشهدها المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية التي تعتبر اساس ومحرك الواقع المعاصر، فموقف إيران هو الأساس في ايجاد حل للأزمة السورية، إذ ترى إيران أن الأزمة السورية لا يمكن حلها عسكرياً وتجد بأن الحل السياسي هو السبیل الوحید للخروج من هذه الازمة، وإنطلاقاً من ذلك قدمت ايران مبادرة من ستة بنود لحل الأزمة, ونصحت دول المنطقة بإتخاذ الحلول المناسبة من خلال ترك الشعب السوري هو من يقرر مصیره بنفسه عبر الإنتخابات وصنادیق الاقتراع، في إطار ذلك فقد أعطى التحالف السوري الإيراني السوريين قوة إقليمية, حيث باتت إسرائيل وحلفاؤها تتحدث علناً على إنها تريد فك التحالف السوري الإيراني عبر مفاوضات مع دمشق بعد أن كان قادة إسرائيل ينظرون الى سورية بأنها دولة ضعيفة, ولا تستحق النظر إليها وانه ليس لديها ما تقدمه, لذلك مكن الدعم الإيراني والعمق الذي منحته ايران لدمشق من التلويح أكثر من مرة بخيار عسكري ضد إسرائيل , كما دفع بالإسرائيليين الى التخوف من القدرة العسكرية المتنامية خصوصا بعد التجربة الإسرائيلية في جنوب لبنان مع حزب الله عام 2006 , و العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009 .
في نفس السياق إن حضور إيران على الساحة الإقليمية والدولية يشكل عنصر الاستقرار والأمن لذلك يقر الجميع بتأثير دور إيران الإيجابي في المنطقة، ويؤكدون انه لا يمكن إرساء وتعزيز الامن في المنطقة من دون مشاركة ايران في جميع الملفات العالقة، وأن دور ايران أساسي في حل كل الملفات الدولية والإقليمية، ورغم كل ما يجري في المنطقة ورغم كل الدخان المتصاعد في ساحاتها، فإن نتائج الانتخابات الإيرانية، ستؤشر بالمدى الذي ستذهب إليه طهران في مقارباتها لقوس الأزمات المُتفجر حواليها, بدءاً من سورية مروراً بالعراق وليس انتهاء باليمن ومستقبل علاقاتها مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي وأيضاً تركيا واقليم كردستان وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية, التي ستبقى العلاقة معها, نقطة صراع بين المحافظين وبين حكومة روحاني الذي يتمسك بتحسين علاقة بلاده مع واشنطن, فيما المحافظون ما زالوا يرون فيها "الشيطان الأكبر"، كما إن هناك ملفات كثيرة تواجه الرئيس الإيراني القادم وعلى رأسها أزمة البرنامج النووي الإيراني وحل الصعوبات التي تواجهها طهران اقتصاديا وسياسياً، لأهمية ذلك تراقب دول المنطقة بحذر نتائج الإنتخابات لمعرفة ما ستكون سياسة إيران بعد الإنتخابات، وكيفية تعاطيها مع الأزمات، وكيف ستكون طريقة تعاملها مع دول المنطقة؟.
في إطار ذلك يمكن القول إن الدول العربية تستطيع أن تكسب أو تخسر من برنامج إيران النووي، وذلك بحسب موقفها السياسي في مرحلة المواجهة الحالية بين إيران والدول الغربية، فإذا سعت الدول العربية الى فتح صفحة جديدة وشفافة مع إيران ودعمت حقها في إكتساب التكنولوجيا النووية السلمية فإن ايران النووية ستصبح رصيداً إستراتيجياً للدول العربية، ومنها تستند التكنولوجيا العسكرية، وإليها تلجأ وقت التصعيد مع إسرائيل، وإذا نجحت إيران في بناء سلاح نووي فستخسر تلك الدول لأن واشنطن في هذه الحالة ستسعى للتفاهم مع إيران وتتقاسم المصالح والنفوذ على حساب الدول العربية.
مجملاً.... يمكنني القول إن العالم يتطلع بأسره الى الإنتخابات الإيرانية لأنها القاعدة الأساسية لكل المسائل والقضايا التي تهم المنطقة كون مستقبلها متوقف على هذه الإنتخابات وطريقة تعاطي الرئيس الجديد مع الوضع الراهن، التي من شأنها أن تلقي بتداعياتها على الأمن في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، لأن إيران تمتلك المفاتيح لحل الوضع المتدهور والمتأزم في المنطقة.