اليمن .. الهرولة للمجهول

mainThumb

15-02-2016 10:08 AM

الواضح من رصد تطورات المشهد السياسي والعسكري وقبل أسابيع من الذكرى الأولى ‏لمرور عام على هذه الحرب التي لم تبقي ولم تذر ، فالأحداث تتلاحق في مسلسل درامي ‏مؤسف ومعاناة إنسانية خانقة متزامناً بتحرك تحالف الانقلاب لاستئناف المحادثات على ‏خلفية الهزائم الأخيرة وربما يبدون مرونة شكلية لاستدراج الطرف الأخر لكن اللافت ‏أنهم لازالوا متخندقين بأوهام النصر الإلهي المؤزر على اعتبار ان كل الحروب التي ‏خاضوها كانوا يتجاوزنها في آخر لحظة ويزيد هذا الرؤية اعتقادهم بجهادهم تحت راية ‏الحسين وبدعم إيراني وتعاطف غربي وروسي واضح من خلال تحرك أمريكي كلما ‏قرب الحسم لإنقاذهم من ورطتهم بطوق نجاه سياسي بالإيعاز لمجلس الأمن بالتحرك ‏السريع في اليومين المقبلين لجلسة تحت مسمى مناقشة الوضع الإنساني على خلفية تقارير ‏تؤكد رفض الحوثيين المستمر في تسهيل المواد الغذائية والتمرينات الطبية للمناطق ‏المنكوبة وبالأخص تعز .‏
 
ولعل تداعيات المعارك الأخيرة وتحديداً في نهم لم تنحصر في الجوانب العسكرية بل ‏تواصل الانتصار سياسيا وفي تفكيك جبهة الانقلابيين على النحو الذي نشره الإعلام ‏مؤخراً ، وهذا يؤكد إلحاح القوى الدولية لإنقاذ الميلشيا والتي بدأت بإصرار لافت .ورغم ‏أن مجلس الأمن في اجتماعه المرتقب سيتم تمديد العقوبات على الرئيس السابق والحوثي ‏لعام أخر او لحين انتهاء الحرب ، وهناك طبخة تهيئ قد تتضمن مساعي روسيا وعواصم ‏أخرى مبادرة لإيقاف الحرب بل وإيجاد شرعية جديدة لإنقاذ الانقلابيين وفق تلك ‏التوقعات وبرضاء وتوافق دولي لان من طبيعة السياسة الأمريكية خلق بؤر دائمة ولا ‏تريد منتصر او مهزوم في اغلب الحروب بدليل فضية (إيران جيت) في ثمانينات القرن ‏الماضي فكانت رسيما أن الإدارة الأمريكية آنذاك في صف العراق ومجلس التعاون ‏الخليجي في حربهم ضد إيران ولكن عندما تميل الكفة لصالح العراق تبادر بتزويد ‏الطرف الأخر بالسلاح سراً ومن هنا عرفت تلك الانتهازية وقتها (بإيران جيت )‏
 
المراقب للمشهد اليمني لا يتوقع نجاح التوجه السياسي لأنها الصراع بنا على معطيات ‏الواقع اليوم لان طرفي النزاع كل يتخندق بموقفة لإيمانه باحتمال هزيمة الأخر لان نتيجة ‏الحرب ستحدد ليس فقط مصير أي تفاوض مستقبلي والذي بدوره سيحدد هو الآخر ‏مستقبل اليمن بل والمنطقة كلها ومن هنا فهذه الميلشيا لم تعد هما يمنياً بل إقليمياً وبالنسبة ‏لدول الخليج فتعتبر تراجعها في حرب اليمن دون نصر ملموس بمثابة انتحار وبداية العد ‏التنازلي لانهيار أنظمتهم ، وبالطبع تواري هذه الممالك لا يهم اليمنيين لكنه لن يتم ذلك إذا ‏افترضنا جدلاً أن هذه الحروب استمرت وصمدت الميلشيا لسنوات فلن يتأتى ذلك الا بعد ‏تدمير اليمن تدميراً كاملاً وربما مقتل الملايين ، فتغيير تلك الانظمة بداهة هو من مهمة ‏أبناء تلك الدول ومقارعة تلك الأنظمة يوكل لأهلها او حتى إيران وليس على الشعب ‏اليمني ان يحرر الجزيرة من رجسهم .‏
 
الرأي العام المتنور تحديداً في اليمن يدرك طبيعة الصراع المحموم على السلطة في وكل ‏ماجرى ويجري  غداة الربيع العربي في نسخته اليمنية قد هيئ الظروف المواتية التي ‏كانت مألاتها جملة من التناقضات وانسداد الأفق السياسي لينتج هذه الحرب .واللافت في ‏الخصوصية اليمنية ان اللاعبين في المشهد المتكرر هم أنفسهم مع تغيير شكلي في مواقع ‏المسئولية بمن فيهم المنشقين عن النظام السابق سوا من القبيلة او المؤتمر فهادي احد ‏عناصر تلك الدغمة في مدرسة صالح ولكنه اخذ منحى آخر اللافت المتناقضين أصبحوا ‏حلفاء واقصد تحالف طرفي الانقلاب ، ومن فالإشكال في هذه الحرب هو يمني يمني ‏كان ينقصه عود الثقاب وكان سقوط صنعاء هو عود الثقاب فالحرب تحصيل حاصل ‏وهي نتيجة وليست سبب.‏
 
وعلى خلفية تسارع الأحداث وتلاحقها في اليمن وفي الإقليم ، أتوقع للصراع في اليمن أن ‏ينحو منحى تصعيدي في الأيام والأسابيع المقبلة بطريقة لن يسبق لها مثيل على كل ‏الجبهات،وقد تؤجل  الجولة القادمة للحوار لان كل طرفي الصراع الإقليميين ووكلائهم ‏في الداخل عازمين كل منهما على الطرف الآخر دون مراعاة للاعتبارات الإنسانية ،‎ ‎وحتى لو انعقد لقاء آخر فلا نتوقع شئ  لان كلا طرفي الصراع في حقيقة الأمر لا ‏يريدان السلام إلا كل وفق مشيئته ، فالحوثيين هم المستفيدون من أي حوار ومهما كانت ‏نتيجته لأنه وبأي صيغة قد تبقي لهم دور سياسي وربما تعفيهم من محاكمة مستقبلية،بينما ‏الخاسر في أي حوار هو الشعب اليمني إذا كان وفق تلك الروئ المتباينة ، وعليه فقد ‏كتبت مقالة غداة جنيف الأولى عنوانها نجاح جنيف يكمن في فشلة . وهو الأمر نفسه ‏اليوم نجاح أي حوار يكمن في فشله وتعثره لان أي حوار على هذه الشاكلة هو مضيعة ‏للوقت وضحك على الدقون ولعب بعواطف اليمنيين والمتاجرة بآلامهم ، ومن يتشدق ‏بالحل السلمي في هكذا ظروف كمن يحرث في البحر فلا علاقة فالحوثية فكرة وعقيدة ‏عابرة للزمن والوطن والقيم الإسلامية وهي تلاقح عقيدة طائفية بنزعة عنصرية يغذيها ‏وهم التفوق ألسلالي على الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني.‏
 
لقد كان تقد الجيش الوطني بهذه الثقة يحمل معه الكثير من الأمل للناس في عاصمتهم ، ‏فأهالي صنعاء في حالة قلق دائم فهم بين نارين قصف التحالف وقمع الميلشيا أما الأيام ‏الأخيرة قلق من نوع آخر ، بالطبع لن يتملك الناس التوجسُ والقلق الشخصي ، من تقدم ‏الجيش والمقاومة صوب صنعاء ، ولن يقلقهم سوى السلوك الذي قد تلجأ إليه الميلشيا ‏بحثاً عن فرصة أخيرة للنجاة والأمل في تحقيق نصر لم يعد ممكناً أبداً‎..‎‏ وكما هو الشعور ‏وإحساس الأهالي غداة فشل ثورة 1948 عندما استباحت هذه المدينة العريقة ونهب ‏القبائل التي برضاء وأيعاز من الإمام احمد لكن لم يكن هناك أعمال عنف وانحصرت ‏الأمور في النهب والسرقات ، في حين الأمر يختلف اليوم وبطيعة الحال لن تستقيم الحياة ‏بدون إنصاف وعدل وحكمة في كل الذين انتهكوا الحقوق واستباحوا الدماء، بعدالة حقيقة ‏وليس مجرد شعار كما عهدناه في الفترة الانتقالية السابقة والفاشلة حيث غدت مفردة ‏العدالة الانتقالية مجرد شعار وضمن القيم الافتراضية ليس إلا !‏
 
وسيبقى التحدي كامناً في الإرث الطائفي التعصب والاحتقانات المذهبية والمنطقية التي ‏زرعتها الميلشيا، لكن حتى هذا الأثر سينتهي فور شروع الدولة بسلسلة إجراءات لاستعادة ‏الحياة الطبيعية، وإعمال القبضة الحديدة على كل من يذهب باتجاه إثارة هذا النوع من ‏النعرات‎.‎‏ وقد يتم تشريع قانون لتجريم الظاهرة الحوثية ومساواتها بالقاعدة لانهما مدرسة ‏واحدة وسيلتها العنف والتدمير .‏
‏ ‏
 
 
‏* كاتب وسياسي من اليمن


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد