الواضح من رصد تطورات المشهد السياسي والعسكري وقبل أسابيع من الذكرى الأولى لمرور عام على هذه الحرب التي لم تبقي ولم تذر ، فالأحداث تتلاحق في مسلسل درامي مؤسف ومعاناة إنسانية خانقة متزامناً بتحرك تحالف الانقلاب لاستئناف المحادثات على خلفية الهزائم الأخيرة وربما يبدون مرونة شكلية لاستدراج الطرف الأخر لكن اللافت أنهم لازالوا متخندقين بأوهام النصر الإلهي المؤزر على اعتبار ان كل الحروب التي خاضوها كانوا يتجاوزنها في آخر لحظة ويزيد هذا الرؤية اعتقادهم بجهادهم تحت راية الحسين وبدعم إيراني وتعاطف غربي وروسي واضح من خلال تحرك أمريكي كلما قرب الحسم لإنقاذهم من ورطتهم بطوق نجاه سياسي بالإيعاز لمجلس الأمن بالتحرك السريع في اليومين المقبلين لجلسة تحت مسمى مناقشة الوضع الإنساني على خلفية تقارير تؤكد رفض الحوثيين المستمر في تسهيل المواد الغذائية والتمرينات الطبية للمناطق المنكوبة وبالأخص تعز .
ولعل تداعيات المعارك الأخيرة وتحديداً في نهم لم تنحصر في الجوانب العسكرية بل تواصل الانتصار سياسيا وفي تفكيك جبهة الانقلابيين على النحو الذي نشره الإعلام مؤخراً ، وهذا يؤكد إلحاح القوى الدولية لإنقاذ الميلشيا والتي بدأت بإصرار لافت .ورغم أن مجلس الأمن في اجتماعه المرتقب سيتم تمديد العقوبات على الرئيس السابق والحوثي لعام أخر او لحين انتهاء الحرب ، وهناك طبخة تهيئ قد تتضمن مساعي روسيا وعواصم أخرى مبادرة لإيقاف الحرب بل وإيجاد شرعية جديدة لإنقاذ الانقلابيين وفق تلك التوقعات وبرضاء وتوافق دولي لان من طبيعة السياسة الأمريكية خلق بؤر دائمة ولا تريد منتصر او مهزوم في اغلب الحروب بدليل فضية (إيران جيت) في ثمانينات القرن الماضي فكانت رسيما أن الإدارة الأمريكية آنذاك في صف العراق ومجلس التعاون الخليجي في حربهم ضد إيران ولكن عندما تميل الكفة لصالح العراق تبادر بتزويد الطرف الأخر بالسلاح سراً ومن هنا عرفت تلك الانتهازية وقتها (بإيران جيت )
المراقب للمشهد اليمني لا يتوقع نجاح التوجه السياسي لأنها الصراع بنا على معطيات الواقع اليوم لان طرفي النزاع كل يتخندق بموقفة لإيمانه باحتمال هزيمة الأخر لان نتيجة الحرب ستحدد ليس فقط مصير أي تفاوض مستقبلي والذي بدوره سيحدد هو الآخر مستقبل اليمن بل والمنطقة كلها ومن هنا فهذه الميلشيا لم تعد هما يمنياً بل إقليمياً وبالنسبة لدول الخليج فتعتبر تراجعها في حرب اليمن دون نصر ملموس بمثابة انتحار وبداية العد التنازلي لانهيار أنظمتهم ، وبالطبع تواري هذه الممالك لا يهم اليمنيين لكنه لن يتم ذلك إذا افترضنا جدلاً أن هذه الحروب استمرت وصمدت الميلشيا لسنوات فلن يتأتى ذلك الا بعد تدمير اليمن تدميراً كاملاً وربما مقتل الملايين ، فتغيير تلك الانظمة بداهة هو من مهمة أبناء تلك الدول ومقارعة تلك الأنظمة يوكل لأهلها او حتى إيران وليس على الشعب اليمني ان يحرر الجزيرة من رجسهم .
الرأي العام المتنور تحديداً في اليمن يدرك طبيعة الصراع المحموم على السلطة في وكل ماجرى ويجري غداة الربيع العربي في نسخته اليمنية قد هيئ الظروف المواتية التي كانت مألاتها جملة من التناقضات وانسداد الأفق السياسي لينتج هذه الحرب .واللافت في الخصوصية اليمنية ان اللاعبين في المشهد المتكرر هم أنفسهم مع تغيير شكلي في مواقع المسئولية بمن فيهم المنشقين عن النظام السابق سوا من القبيلة او المؤتمر فهادي احد عناصر تلك الدغمة في مدرسة صالح ولكنه اخذ منحى آخر اللافت المتناقضين أصبحوا حلفاء واقصد تحالف طرفي الانقلاب ، ومن فالإشكال في هذه الحرب هو يمني يمني كان ينقصه عود الثقاب وكان سقوط صنعاء هو عود الثقاب فالحرب تحصيل حاصل وهي نتيجة وليست سبب.
وعلى خلفية تسارع الأحداث وتلاحقها في اليمن وفي الإقليم ، أتوقع للصراع في اليمن أن ينحو منحى تصعيدي في الأيام والأسابيع المقبلة بطريقة لن يسبق لها مثيل على كل الجبهات،وقد تؤجل الجولة القادمة للحوار لان كل طرفي الصراع الإقليميين ووكلائهم في الداخل عازمين كل منهما على الطرف الآخر دون مراعاة للاعتبارات الإنسانية ، وحتى لو انعقد لقاء آخر فلا نتوقع شئ لان كلا طرفي الصراع في حقيقة الأمر لا يريدان السلام إلا كل وفق مشيئته ، فالحوثيين هم المستفيدون من أي حوار ومهما كانت نتيجته لأنه وبأي صيغة قد تبقي لهم دور سياسي وربما تعفيهم من محاكمة مستقبلية،بينما الخاسر في أي حوار هو الشعب اليمني إذا كان وفق تلك الروئ المتباينة ، وعليه فقد كتبت مقالة غداة جنيف الأولى عنوانها نجاح جنيف يكمن في فشلة . وهو الأمر نفسه اليوم نجاح أي حوار يكمن في فشله وتعثره لان أي حوار على هذه الشاكلة هو مضيعة للوقت وضحك على الدقون ولعب بعواطف اليمنيين والمتاجرة بآلامهم ، ومن يتشدق بالحل السلمي في هكذا ظروف كمن يحرث في البحر فلا علاقة فالحوثية فكرة وعقيدة عابرة للزمن والوطن والقيم الإسلامية وهي تلاقح عقيدة طائفية بنزعة عنصرية يغذيها وهم التفوق ألسلالي على الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني.
لقد كان تقد الجيش الوطني بهذه الثقة يحمل معه الكثير من الأمل للناس في عاصمتهم ، فأهالي صنعاء في حالة قلق دائم فهم بين نارين قصف التحالف وقمع الميلشيا أما الأيام الأخيرة قلق من نوع آخر ، بالطبع لن يتملك الناس التوجسُ والقلق الشخصي ، من تقدم الجيش والمقاومة صوب صنعاء ، ولن يقلقهم سوى السلوك الذي قد تلجأ إليه الميلشيا بحثاً عن فرصة أخيرة للنجاة والأمل في تحقيق نصر لم يعد ممكناً أبداً.. وكما هو الشعور وإحساس الأهالي غداة فشل ثورة 1948 عندما استباحت هذه المدينة العريقة ونهب القبائل التي برضاء وأيعاز من الإمام احمد لكن لم يكن هناك أعمال عنف وانحصرت الأمور في النهب والسرقات ، في حين الأمر يختلف اليوم وبطيعة الحال لن تستقيم الحياة بدون إنصاف وعدل وحكمة في كل الذين انتهكوا الحقوق واستباحوا الدماء، بعدالة حقيقة وليس مجرد شعار كما عهدناه في الفترة الانتقالية السابقة والفاشلة حيث غدت مفردة العدالة الانتقالية مجرد شعار وضمن القيم الافتراضية ليس إلا !
وسيبقى التحدي كامناً في الإرث الطائفي التعصب والاحتقانات المذهبية والمنطقية التي زرعتها الميلشيا، لكن حتى هذا الأثر سينتهي فور شروع الدولة بسلسلة إجراءات لاستعادة الحياة الطبيعية، وإعمال القبضة الحديدة على كل من يذهب باتجاه إثارة هذا النوع من النعرات. وقد يتم تشريع قانون لتجريم الظاهرة الحوثية ومساواتها بالقاعدة لانهما مدرسة واحدة وسيلتها العنف والتدمير .
* كاتب وسياسي من اليمن