لا يعقل أن يلجأ ديكتاتور إلى التفاوض مع شعبه الذي ثار عليه ، وبات يطالبه بالتخلي عن السلطة ، ولنا في التاريخ العديد من الأمثلة وفي المقدمة : الجنرال أوغستو بيونيشيه في تشيلي، الذي قتل واعدم الآلاف من أبناء شعبه ، ونيرون الذي أحرق روما عام 64 ميلادية ، وفيرديناند ماركوس الذي نهب الفلبين ، حتى أن خزانة زوجته لحفظ الأحذية كانت تحوي أحذية أرستقراطية تقيم ميزانية بلد بكامله ، وشاه إيران الذي لا يعلم احد كم المبلغ الذي سيطرت عليه البنوك السويسرية بعد وفاته .
ولدينا أيضا نموذج صارخ من الديكتاتورية هو الجنرال فرانسيس فرانكو – أسبانيا ، وهناك أيضا أحمد سوهارتو من اندونيسيا.
ومع ذلك فإن هؤلاء في معظمهم لم يقاوموا حراك شعوبهم التي طالبت بعزلهم ، رغم أن التاريخ خلدهم بجرائمهم التي إرتكبوها بحق شعوبهم ، ومع ذلك لم يرفعوا شاعر "الأسد إلى الأبد ، أو نحرق البلد.
ولو ان الرئيس بشار الأسد "داوى جرحه قبل أن يتسع " ، وحاسب من تسبب في حادثة مدرسة درعا ، و"ضحّى"به ، لكان أراح نفسه وأراحنا من تبعات تلك الجريمة ، ولو أن أجهزة مخابراته التي كان يفترض منها أن تعمل لصالح الأمن والإستقرار ، نبهت إلى عواقب السكوت على حادثة مدرسة درعا ، لما غرقت سوريا في دماء أبنائها ، ونحترق نحن غما وقهرا وكمدا على سوريا التي كنا نأمل ان تكون مظلة إنقاذ ، ولأ ن احدا ممن ذكرنا لم يكن قلبه على البلاد او العباد ، بل لتحقيق المصالح والشهوات ، ضاعت البلاد والعباد معا ، وسيأتي يوم نقول كانت هناك بلد إسمها سوريا، ومن يتظاهرون بتاييد النظام في دمشق ، فإنهم يستحقون الشفقة ، لأن بريقا ما أعمى بصائرهم وأبصارهم عن الحقيقة ، وهي أن سوريا غرقت وأغرقتنا معها ، وسيكون دمار الإقليم قريبا بسبب العبث في سوريا ، وانا هنا لا أبريء أحدا من سفك دماء الشعب السوري ، ولا يفرحن أحد بالتدخل الروسي ، لأن النظام في سوريا حاليا أصبح تحت الوصاية الروسية ، فأي حكم وأي حرية تحت الوصاية ؟
أجد نفسي مضطرا للتذكير بالجوقة التي إستمرأت الحج المصلحي إلى بغداد قبل الإحتلال ، إلى درجة أن رجال دين أقسموا للرئيس الراحل صدام حسين أنه صاحب الإشارات الواردة في النبوءات وأنه السفياني، وأنه من أرسله الله لتحرير فلسطين ، وعندما بدأت طائرات العدوان تمطر العراق بوابل قنابلها ونيرانها ، صمت الجميع ، حتى أن البعض شتم الرئيس صدام بعد أن تأكد من إحتلال العراق ، ويقيني أن نفس النغمة تتكرر مع الرئيس بشار الأسد ..هذا للتذكير فقط.
يقيني أن بشار الأسد لم يستوعب حتى اللحظة أن الشعب السوري ، قد صحا من "غفلته" وتخلى عن شعار فرضه عليه النظام ومخابراته "منحبك"، و"إلى الأبد يا حافظ الأسد"، وهذا هو سر تعنت الأسد ، وعدم جنوحه للسلم مع شعبه.
عندما نقف إلى صف الشيطان ، ونصبح من المحامين عنه ، نلتمس للأسد في سوريا عذرا لكل مواقفه المتعنتة ضد شعبه ، فهو كما أسلفنا لم يتخيل يوما أن يعود الوعي إلى الشعب السوري ، ويكتشف السوريون ان البلد تحول إلى مزرعة إقطاعية يحصد خيراتها آل الأسد وقراد الخيل ممن حولهم ، وهذا هو احد أسباب ثورة الشعب السوري ضد ممارسات أجهزة المخابرات ، وكانت سلمية في البداية ، لكن النظام حولها إلى عسكرية ، وآخر ما إستخدمه لقصف شعبه هي البراميل المتفجرة ، التي أحالت التجمعات السكنية السورية إلى حطام ، وجعلت من الشعب السوري نازحين ولا جئين ينتظرون صدقات الجميع .
يتخيل الأسد - وفقا لنصائح أجهزة مخابراته التي عاثت فسادا وإفسادا في لبنان منذ العام 1976 حتى العام 2005 ، بعد مقتل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري ، وطلب الرئيس الأمريكي السابق بوش الصغير من الرئيس الأسد الإنسحاب و"الآن"- أن الشعب السوري لم ينتفض ضده ولم يطالبه بالرحيل ، وأن ما يجري هو فعل قوى خارجية تقمصت دور الشعب وتجنت عليه ، وإتهتمه بالردة على نظامه الذي أنعم عليه بكل الخيرات والنعم ، وأعاد له هضبة الجولان ، وانه يعد العدة لتحرير فلسطين ، كونه بعثيا يؤمن أن فلسطين هي القضية المركزية الأولى للعرب.
صحيح أن هناك جهات خارجية تدعم المعارضة السورية ، ولكن من الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه ؟ وكيف يمكن لحاكم حصيف عاقل سوي يحب شعبه ، أن يسمح بهذا "الإنفلات "؟ ألم يكن بوسعه محاكمة من تسبب في أحداث درعا والسيطرة على الدائرة الضيقة ؟ كان بإمكانه لو كان حاكما حقيقيا يحب شعبه أن يفعل ذلك ، لكنه حاكم لم ينتمي يوما لشعبه ، حتى أن طائفته العلوية إستاءت كثيرا من تصرفاته ، وتظاهرت ضده رافعة شعار "لك الكراسي ولنا النعوش"
نسي الأسد أنه هو نفسه إستعان بالخارج لتثبيت حكمه وأول من قدم الدعم له مستدمرة إسرائيل ، وجاءت إيران ومعها حزب الله الذي نسي أنه حزب مقاوم هدفه إلحاق الهزيمة بمستدمرة إسرائيل ، كما أنه إستعان مؤخرا بالجوكر البلاتيني وهو روسيا ، التي تواصل قصف الشعب السوري بالسوخوي ، ولذلك جق القول أن بشار الأسد يفاوض معارضيه بالسوخوي الروسية ، بدليل أن مؤتمر جنيف3 لم يواصل إجتماعاته وتأجل صوريا إلى ما قبل نهاية هذا الشهر.
سامح الله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي بلانا بإثنين من أبشع الحكام العرب ، وهما العقيد معمر القذافي الذب خلع عليه لقب "أمين الأمة" ، وإكتشف فيما بعد أنه يهودي إبن يهودية ، كما أنه خلع لقب الأسد على حافظ "...." ، قائلا له "إيه دا يا راجل معقول يكون إسمك "...." ، روح بقيت أسد "، ومنذ ذلك الحين إعتاد الناس على إسم الأسد ، رغم ما كان يقال تهكما وتندرا بعد هزيمة حرب 1967 :أسد عليّ وفي الجولان نعامة.
مجمل القول أن الأسد غير جاد بالمفاوضات وليس معنيا بوقف معاناة شعبه ، لأن حلفاءه ضمنوا له البقاء ، وسيتم تقسيم سوريا لاحقا وإقتطاع إقليم للعلويين يكون بطبيعة الحال تحت الوصاية الروسية ، حفاظا على قاعدة طرطوس البحرية الروسية على شاطيء البحر المتوسط.
أدعو المثقفين والعلماء أن يصدقوا مع من يبتليهم الله بسوء أعمالهم أو سوء نوايا الآخرين ، ألّا تصادقوهم لحاجة في نفوسكم ، فوالله أن الصدق مع الناس هو من يجلب الرزق الحلال ، وهو الذي يكرس الإحترام حتى عند الأعداء ، أما الإنتهازية والكسب من المتاجرة بالمواقف ، فوالله إنها لمخزية لأصحابها ، فليتق البعض مما يفعلون