من بداهة القول بأن هناك نقاط تشابه واختلاف بين مسببات ومألات تلك الثورات التي وأدت في مهدها وأجهضت من قوى داخلية وإقليمية ، وليس هذا من قبيل الإقرار بنظرية المؤامرات التي دأب العرب على تعليق قضايا هم على هذه الشماعة وكما يقال (الاسطوانة المشروخة ) ، ومن هنا فأي مراقب ومحلل سياسي لاشك سيرى بالفعل أموراً متشابهات بين تلك المحطات ولاسيما في ما يتعلق الأمر بخاصيتين أفرزت لتكريس الاهتمام المحلي والدولي بها وهي مفردة (الإرهاب) وكذا (الطائفية).
يُجمع بلدان الربيع العربي بما فيها العراق أن الإشكال بدلاً من معالجة الخلل في علاقة النظام بشعبه إلى قضية إرهاب بخلفية طائفية صارخة ، ففي الوقت الذي تقصف وتفجر بيوت في اليمن من مكون جهوياً وطائفياً ضد خصومهم في مناطق وطائفة أخرى ، نفس السيناريو في العراق فمحافظة ديالى (شمال شرق بغداد) لإيران ذات ديموغرافية سكانية مختلطة يراد لها ان تتحول الى طائفياً ليتجانس مع سلطة الأمر الواقع في بغداد فيتم تهجير عوائل من المكون لآخر كما عملوا في بغداد ..
من ضمن مفارقات الربيع العربي في نسخته اليمنية بأن النظام السابق لازال في الواجهة بلعب دورا سياسيا فاعلاً في حين أنصار النظام السابق في ليبيا خلف القضبان او قضوا نحبهم ، ناهيك على ان الحالة اليمنية نتفوق على ليبيا في بعض التفاصيل فالنظام عمليا لم يسقط حسب ما عرف بالتسوية التي عرفت بالمبادرة الخليجية ، وقد يستغرب المتابع غير اللبيب بأن المشهد السياسي يغوص بالمتناقضات منها وجود رئيسين فعليين خلال الفترة السابقة في آن واحد فكيف يجتمع سيفان في غمد واحد !
وفي جزئية أخرى لمعالجات في غير محلها توجه هذه الدول لحلولاً فدرالية بعد تجارب مريرة للمركزية المطلقة فقد تحول مسار وهدف الربيع العربي من إشكال في العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى التوجه للفدراليات ، بني غازي في ليبيا ، والمحافظات الجنوبية في اليمن ، لم تكن شعوب هذه الدول التي ثارت من اجل الفساد والظلم والاستبداد ، للتحول إلى إشكال بين الشعب والأرض ، فما ذنب الوطن يُقسم بسكاكين السياسة !
من ضمن العبارات المتشابهه التي يتناولها الإعلام يومياً:
لم يعترف المجتمع الدولي في ليبيا بحكومة طرابلس ، لكنه يعترف ويدعم الحكومة الشرعية في بني غازي وهو الأمر نفسه تماماً في اليمن .
في اليمن تحاصر تعز وتجوع تماما كسوريا تحاصر (مضايا) وتجوع وفي كلا الحالتين يقف المجتمع اللبيب !الدولي في موقف المتفرج اللبيب !
في العراق سلمت نينوى الموصل للقاعدة في عهد المالكي أي ولا زالت الدولة العميقة تفعل فعلها فرئيس حزب الدعوة الذي رئيس الوزراء الحالي (العبادي) يرأسه (المالكي) تماما كزعيمنا ، بمعنى رئيس الحزب الحاكم في العراق واليمن لازال فاعلاً رغم تواريه الشكلي من الحكم ، وفي اليمن سلمت سلطات الدولة العميقة بعد ثورة 2011 محافظات جنوبية للقاعدة ، والرئيس هادي في حزب يرأسه من يفترض ان الثورة قامت ضد..!
تحرير الأنبار من (داعش) استعصى على حكومة بغداد رغم دعم إيران ودول عربية وأمريكا وروسيا وأكثر من عشر دول ف حلف الأطلسي تماما كما تأخر حسم تحرير تعز ..
وعند رصد الجانب السياسي والتفاوضي ففي سوريا تم تأجيل جنيف 3 ، وهو الأمر نفسه في اليمن فقد تأجل جنيف 3 أيضاً !
مألات متشابهة لان المخرج واحد في بلدان الربيع العربي سواء الإقليمي ( إيران والسعودية) او المخرج الإقليمي مع خصوصيات لكل بلد فمثلا اليمن ليس سوريا لان الشرعية تحظى بدعم دولي ، وليس هناك طيران للانقلابيين كي يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة
لقد زاد الأمر تعقيد في الحالة اليمنية وأضفى عليها خصوصية يمنية هو تحالف من كان يفترض أن الثورة قامت ضد وخرج بحصانة يحلم بها أي دكتاتور عربي مع ميليشا الحوثي التًي بإسقاطها العاصمة صنعاء والاستقواء بمقدرات الدولة بسياسة الغلبة وفرض أمراً واقعاً كان ذلك خروجا عن الإجماع وكانت كل تلك التراكمات منذ بداية الإطاحة بالرئيس السابق والتناقضات وهوس والصراع على السلطة الذي تداخل بداهة بتربص قوى إقليمية خارجية (ايران والسعودية ) كل ذلك كان مجرد تهيئة المشهد اليمني لجولة عنيفة من الصراع الداخلي مسنوداً بطموحات وإستراتيجية إقليمية ، كانت الظروف والمسوغات كفيلة لاندلاع حرب ضروس وبحاجة فقط لعود ثقاب يشعل كل تلك التناقضات والتداخلات وكانت ميليشيا الحوثي هو عود الكبريت التي فتحت ابواب جهنم على اليمنيين ، ومن هنا فالعدوان الحاصل على اليمن هو نتيجة وليس سبب ، أي تحصيل حاصل لكل ماحدث خلال الخمس سنوات السابقة بدليل ان ضرب عدن وقصفها بالطيران كان قبل عاصفة العجز للتحالف العربي بقيادة السعودية .
لم يسلم من عاصفة الربيع العربي سواء تونس (رغم بعض المنغصات) واعتقد ليس ذلك فقط لأنها انطلاقة الربيع العربي بل ولان الشعب في تونس وبالنظر للموروث التاريخي والحضاري والموقع الجغرافي فقد تأثرت النخُب السياسية فيها بالقيم الغربية والرؤية (العلمانية) والتي تظل هذه القيم في بعض بلدان المشرق العربي كفر وزندقة ، ففي جمهوريات العسكر العربية لم نشهد سوى سلسلة من الانقلابات وهوس السلطة وإقصاء الآخر ترافق ذلك بنمو الأفكار والروي الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي وقد كان لبعض قيادات تلك الدول دورا في تفكيك البنية الاجتماعية وعدم تجانس تلك المجتمعات بسياسة فرق تسد كما حدث في اليمن .
* كاتب ودبلوماسي يمني