ما دعاني للكتابة حول موضوع السلام في سورية أمران مترابطان، الأول هو بروزه على الساحة الإعلامية بشكل كبير، والثاني وهو الأهم دوره في تحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم، إذ تبدو سورية اليوم وكأنها في طور إعادة ترتيب أوراقها وإستعادة المبادرة، على أساس ثوابت ليست قابلة للمساومة، ويمكن تلخيصها بأن الأمن والاستقرار خط أحمر، ولن تسقط في قبضة المشاريع المعادية، ومن يحاول العبث بهذه المعادلة لا يدرك الأهمية الحيوية لهذا البلد في المنطقة مع الأخذ بعين الإعتبار أهمية سورية كلاعب إقليمي إنطلاقاً من حجمها الإستراتيجي والعسكري، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية يدرك جيداً بتصاعد وتيرة الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عديدة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، وهو ما يبدو جلياً في إنعقاد اجتماعات فيينا في 30 أكتوبر و14 نوفمبر 2015، ثم تنظيم مؤتمر المعارضة السورية في الرياض يومي 9 و10 ديسمبر من العام نفسه، ومن ثم إجتماع نيويورك في 18 ديسمبر لتعزيز الحل السياسي بين النظام وقوى المعارضة وإنهاء الصراع الدائر في سورية منذ خمس سنوات.
لكن بقدر ما كانت تلك الجهود فرصة لتقريب وجهات ومواقف القوى والأطراف المعنية بتطورات الأزمة وتداعياتها، بقدر ما كانت في الوقت نفسه سبباً أساسياً في ظهور خلافات جديدة ربما تضيف عقبات متعددة أمام الوصول إلى تلك التسوية، فإلى جانب التباين فى المواقف حول مصير الرئيس الأسد والحرب ضد الإرهاب، فقد ظهر خلاف جديد حول هوية قوى المعارضة التى سوف تتفاوض مع النظام السوري، وفقا لبيان فيينا في بداية عام 2016م، والتي ما تزال دمشق تعتبر تلك التنظيمات إن لم يكن مجملها بالإرهاب، وهو ما يتوافق إلى حد كبير مع موقف إيران وروسيا التي إعتبرت كل منهما أن بعض القوى المشاركة فى مؤتمر الرياض إرهابية ومرتبطة بتنظيم داعش.
وفي الاتجاه الأخر اعتبر بيان الأمم المتحدة داعش والنصرة تشكيلين إرهابيين خارجين عن الشراكة الدولية ودرّجهما على قائمة المنظمات المحظورة، ونص البيان على أن تبدأ مطلع تموز المقبل مفاوضات بين النظام السوري والمعارضة بالتزامن مع وقف إطلاق النار في مختلف المناطق السورية، فى حين تبدو بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، أقرب إلى ضرورة فتح قنوات تواصل مع النظام السوري، خاصة فى ظل تصاعد حدة العمليات التى تنفذها المجموعات المتطرفة فى الفترة الأخيرة، على غرار التفجيرات التى وقعت فى العاصمة الفرنسية، فضلاً عن استمرار التهديدات بارتكاب عمليات جديدة خلال الفترة القادمة.
في هذا السياق يمكن القول إن صعوبة الوصول إلى حل سياسي اليوم هو عدم تبلور موقف واضح من جانب العديد من القوى الرئيسية المشاركة فى تلك الاجتماعات، على غرار أمريكا، التى ما زال موقفها إزاء بعض القضايا الرئيسية يتسم بالارتباك والتردد، فضلاً عن غياب القوى السياسية المؤثرة التي تؤمن بالحل السياسي والقادرة في الوقت نفسه على توفير الأجواء السياسية والأمنية، وتسهيل سبل الحوار بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى إطار سياسي مشترك ولغة سياسية مشتركة، في هذا الإطار أصبحت موسكو هي باب الأمل والضامن الحقيقي في دعم الحل السياسي في سورية، وهناك إتصالات تجرى خلف الكواليس بين قيادات روسية من جهة وأطراف الأزمة من جهة أخرى، بمعنى إن موسكو تعمل مع كافة الأطراف سواء من داخل سورية أو الأطراف الدولية والإقليمية، على إيجاد وسيلة للتشجيع على هذا الحل، وإنطلاقاً من ذلك تم التأكيد على أهمية الضغط على الدول التي توفر الدعم المالي والسياسي والعسكري واللوجيستي للتنظيمات الإرهابية للتوقف عن ذلك على أساس أن القضاء على الإرهاب يشكل المدخل لنهاية الأزمة في سورية والحفاظ على الإستقرار في المنطقة.
مجملاً... أن اللقاءات الدولية والإقليمية حول سورية تشير الى وجود خطة معينة سيتم من خلالها التعاون مع النظام السوري بالقضاء على الإرهاب، وبمشاركة جميع الأطراف كلاً حسب دوره، لذلك سنتوقع في الأسابيع المقبلة من عام 2016م أن يكون هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، كما أن هناك بعض الدول ستخسر رهانها بالحرب على سورية ويعود ذلك على أن المعارضة أبدت تراخي ومرونة بالقبول بالحلول السياسية، أما داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى فالأحداث والوقائع الميدانية تشير بأن دورها سينحسر ويتشتت، خاصة أن هناك أعداداً من الإرهابيين يبحثون عن طرق للهرب والعودة الى بلادهم.
وأختم بالقول إن الوحدة الداخلية السورية ضرورة وطنية لمواجهة التدخل الخارجي والتيار التكفيري، لحفظ وحدة سورية وموقعها القومي والإسلامي، ومنع الفتنة المذهبية، وإحباط المشروع الغربي لبناء الشرق الأوسط الجديد، لذلك لا بد للسوريين من إقتناص الفرصة المناسبة لإنقاذ سورية وإنهاء أزمتها الشائكة، وبإختصار شديد لقد آن الأوان لنطوي الصفحات السوداء لهذا التاريخ ونبدأ عهداً جديداً تنتهي معه كل أسباب وعوامل التصارع والتقاتل ليحل بدلاً عن هذه الويلات التصالح والتسامح والمحبة والتآخي ويسود التآلف والوئام النابع من إدراكٍ واعٍ بأن سورية وطننا جميعاً وليس لنا وطناً غيرها.
Khaym1979@yahoo.com