خسر خصوم سورية الرهان بعد خمس سنوات من المناورات الإقليمية والدولية التي استعملت فيها كل وسائل الحروب الباردة والساخنة، فمسلسل تدحرج الإرادات متواصل منذ ذلك الوقت حتى لقاء نيويورك الذي جمع اللاعبين الكبار الفاعلين في الأزمة السورية، فالسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا هو: ما الذي جعل المعارضة تقبل بالحوار مع النّظام السوري بعد أن حدّدت وثيقة الدوحة عدم القبول بالحوار وعدم القبول بأقل من سقف سقوط النّظام في سورية؟ ولماذا تخلى الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص، عن فكرة دعم فصائل المعارضة المسلحة والقوى المتطرفة الأخرى، وتوجيه تحذيرات واضحة لدول الخليج وتركيا بعدم دعم هذه المجموعات في سورية؟.
على الرغم من حدّة المعارك في مناطق سيطرة داعش والمجموعات المسلحة الأخرى في الشمال السوري، فإن الحرب التي قادتها أطراف عربية وغير عربية معروفة بغطاء أميركي ضد السوريين لم تحقق مرادها وأهدافها، بل شكّلت مأزقاً لهم، الأمر الذي أحرجهم ودفع بالأزمة السورية أن تأخذ طريقها نحو التسوية السياسية، فقبل عدة ايام عقد في نيويورك مؤتمر بهدف دفع الحوار حول تطبيق مقررات اجتماعات فيينا وتحويلها إلى قرار ملزم في مجلس الأمن الدولي الأمر الذي ما كان ليتم لولا التزام القوى الكبرى بمبدأ القبول لحل الأزمات الدولية وخاصة ما يتعلق بالأزمة السورية، ما يعني أن أمريكا تبنت في النهاية الرؤية الروسية للحل في سورية، وهو ما أكده الوزير الأمريكي كيري بقوله، إن "موقف مؤتمر الرياض غير مرتبط بالمفاوضات ويجب التركيز الآن ليس على خلافاتنا في شأن ما يمكننا أو ما لا يمكننا فعله على الفور بخصوص الرئيس الأسد... فالسوريون هم من يقررون مستقبل سورية ومن يحكمها"، بدأ الغرب يعترف بالحقيقة وهي أن الخطر الأساسي على المنطقة، وعلى مصالحه، لا يتمثل في نظام الأسد، وإنما في إحتمال إستيلاء الإرهابيين في سورية ودول أخرى في المنطقة على السلطة وبذلك أصبحت قضية مصير الأسد وراء ظهره، وباءت مقررات مؤتمر الرياض لما سمي بالمعارضة المعتدلة بالفشل، وفي الإتجاه الأخر لم يعد لتركيا أي دور في سورية، وهذا يعني أن أمريكا نزعت الغطاء العسكري عن أردوغان، وذلك من خلال مطالبتها تركيا بغلق حدود بلادها مع سورية بالكامل وإنهاء عملية مرور المقاتلين عبر اراضيها ووضع حد لتجارة النفط المهرب من سورية.
في هذا الإطار ما كان لهذا التوافق والتنسيق أن يتم لولا إفلاس الرئيس أوباما وحاجته لإنتصار معنوي على الإرهاب يحفظ ماء وجهه، ويعطي لحزبه ورقة ثمينة يستثمرها في الحملة الانتخابية للرئاسة المقبلة والتي يدور محورها الأساس حول الإرهاب، بالإضافة الى تفهم الدول الداعمة للمعارضة لقوة النظام السوري والدعم الخارجي له، سواء كان الروسي أو الإيراني والاستعداد للدخول في حرب عالمية ثالثة لمنع سقوط دمشق اذا اقتضى الأمر ، وبذلك تيقنت معظم الدول العربية الداعمة للمعارضة المسلحة بان الحل السلمي هو المخرج الوحيد للأزمة، مما يعني الاعتراف والتسليم باستمرار النظام وفتح ابواب الحوار معه، ومن هنا أدركت أمريكا أن الإستمرار في هذه الحرب فيه خسارة لدول التحالف، وستكون له انعكاسات سلبية على أمن دول الغرب وحلفاؤها، وسيؤثر على الوضع السياسي فيها، بسبب الاختلاف في وجهات نظر رؤساء هذه الدول حول جدوى هذه الحرب، نظراً إلى أهمية سورية في المنطقة وموقعها الإستراتيجي في الإقليم لذلك زادت أميركا من ضغطها على السعودية وحلفاؤها للقبول بالمفاوضات بشأن الأزمة السورية.
في سياق متصل أصبح هناك توافق أمريكي روسي حول الحل في سورية، ويمكن إيجازه بمسألتين أساسيتين ،أولهما، فقد إنتهى الرهان على الحل العسكري من خلال ورقة التنظيمات الإرهابية لتغيير النظام في سورية بالقوة وتجفيف منابع تمويل الإرهاب وسحق التنظيمات المصنفة إرهابية، بالإضافة الى إدماج الجماعات المسلحة "غير التكفيرية" في المنظومة الأمنية السورية للمساهمة في محاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ، وثانيهما رفض أية محاولة خارجية وأن مصير سورية ومستقبلها يظل بيد السوريين حتى يتجاوزوا محنتهم القائمة منذ قرابة خمس سنوات.
قبل أسابيع من نهاية هذا العام، تبدو جَردة الحساب ضرورة مهمة، لتحديد بوصلة السنة المقبلة، مع ما تحمله من تحديات ومآلات ، وردا على سؤال حول الوقت الذي سيتم التوصل من خلاله لإنهاء الأزمة وإنهاء الصراع في سورية، قال الرئيس الأسد "إذا اتخذت البلدان المسؤولة التدابير اللازمة لوقف تدفق الإرهابيين وإغلاق الحدود أمام ذلك الإرهاب المتسلل من خلال بعض دول المنطقة، ووقف الدعم اللوجستي لهم أستطيع أن أضمن أن الأمر سينتهي خلال أقل من عام، في إطار ذلك يمكنني القول إن هذه المعطيات تدل على أن ظروف التسوية في سورية قد أصبحت ناضجة، لكن في الوقت نفسه لا نستطيع الجزم بأن نتائج المفاوضات ستكون إيجابية، بسبب تعقيدات هذه الأزمة، ووجود تفاصيل كثيرة تحتاج إلى نقاش طويل وجريء، والجميع يعلم أن أمريكا وحلفاؤها تكمن في التفاصيل، لذلك لا بد للاعبين الإقليميين والدوليين البحث عن حلول أو أنصاف الحلول لإيجاد أرض مشتركة يلتقون عليها في إدارة أزماتهم والحد منها وإيجاد المخارج المناسبة لها.
Khaym1979@yahoo.com