تلتقي في الرياض، مختلف شرائح المعارضة السورية المعتدلة في اجتماع هدف إلى توحيد الرؤى. ورغم البدايات غير المُبشّرة التي سبقت الاجتماع وتجلّت في “مماحكات” المعارضة السورية وتسابقها لحجز كرسي في الصفوف الأولى أو حتى الأخيرة، إلا أن أمل السوريين في هذا المؤتمر كبير، وفشل المعارضة هذه المرة سيؤدي إلى انقلاب السوريين عليها.
السعودية قالت إنها سترعى الاجتماع وتؤمّن له الدعم اللوجستي الكامل ولن تتدخل بمجرياته ولا بمخرجاته، واضطرّت لرفع عدد المدعوين من نحو 65 مدعوا إلى أكثر من مئة من أجل إرضاء هذا وذاك من المعارضين السوريين أو التيارات السياسية المعارضة التي لم تعدم وسيلة إلا وحاولت استغلالها لإقناع السعودية بتوسيع مروحة المدعوين لتضمهم أو تضم أكبر عدد من أصدقائهم أو حلفائهم، حتى أن ائتلاف المعارضة وهيئة التنسيق تزاحما وأرسلا قوائم بكامل أعضاء مكاتبهما السياسية ليكونوا ممثلين عنهما، وأرسلت بعض الكتل الهامشية أسماء كل أعضائها لحضور “الحفلة”، وألمح بعضها ضمنيا بأن الغائب سيشاغب إن فاته العشاء.
بكل الأحوال، ورغم المقدمات غير المُرضية، لا يمكن الحُكم على ما سيجري خلال الاجتماع وسينتج عنه، فالتحديات عديدة عنوانها الأبرز ضرورة توافق كل كتل المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، على وثيقة رؤية مشتركة للحل وخارطة طريق زمني له، وتشمل عناوين فرعية لا تقل أهمية من أبرزها توافقهم على تحديد موقف نهائي وثابت من مصير رأس النظام السوري، وكذلك إيجاد صيغة تنسيق وتكامل بين السياسي والعسكري، وصولا إلى توافق الجميع على اختيار حفنة منهم ليكونوا نواة وفد يتحمل مسؤولية التفاوض مع النظام وفق ما يقتضيه إعلان فيينا الذي حدد موعد التفاوض بداية الشهر المقبل.
لطالما طالب السوريون ودول عربية وغربية المعارضة السورية أن تتحد، أو على الأقل أن تُوحّد برامجها وترسم خارطة طريق لإنهاء الأزمة، وهو ما لم يحصل طوال أربع سنوات. وفشلت المعارضة السورية في كل امتحاناتها التي جرت في القاهرة والدوحة وبيروت وإسطنبول وباريس وبروكسل وجنيف، واتهمها السوريون بأنها معارضة غير جدّية بما فيه الكفاية تضع مصالحها الخاصة كأولوية مُطلقة.
الاتهامات والتشرذم والفشل في التوحّد لم تؤثر في الحقيقة على المعارضة وقواها، لا أشخاصا ولا كيانات، فالكل ظل متابعا مسيرته الفردية دون تأنيب ضمير، وبقي كل طرف يُصرّ على أنه الشرعي والوحيد والأكمل، بينما أثّرت هذه المواقف سلبا في داخل سوريا بالمزيد من الدمار والموت، وساهمت في إطالة أمد الأزمة وزيادة الفوضى السياسية والعسكرية.
خيّبت ممارسات المعارضة السورية آمال أنصار الثورة طوال أربع سنوات، وواجه السوريون هذا الفشل بالمسامحة والصفح على أمل أن تكون المرة القادمة أكثر جدّية وجدوى، لكن، وبما أنه للصبر حدود، من الممكن أن يطفح الكيل إن فشلت المعارضات هذه المرة، خاصة وأن الوضع السوري وصل إلى مستوى من الرداءة لا يسمح برفاهية الاختلاف بين المعارضات.
رغم الخلافات العميقة بين التيارات والكتل السياسية السورية المعارضة والتي تتعلق أساسا بالنهج واستقلالية الإرادة السياسية، والموقف من الخيار العسكري والكتائب المسلحة والتدخل الخارجي والمناطق العازلة وحظر الطيران ومصير رأس النظام، إلا أنها بالنهاية تحمل نفس الأهداف النهائية وهي تغيير النظام بنظام آخر يُمهّد لدولة ديمقراطية تداولية تعددية لا طائفية، وهذا ما قد يُعطي بعض بصيص الأمل بإمكان توافقهم.
ما يطلبه السوريون من هذه المعارضة العتيدة واضح، يتمثل في الخروج برؤية جدّية واعية وموحّدة للحل السياسي، ووفد تفاوضي موحّد، قادر ومحترم ومشهود له، وهي أول خطوة لإزالة ذرائع بعض الدول والقوى العالمية التي تتذرع بتشرذم المعارضة وعدم وجود رؤية مشتركة لها أو عدم قدرتها على أن تكون بديلا أو شريكا في المرحلة الانتقالية.
للخروج بهذه النتائج يستدعي الأمر بالضرورة أن يتنحى جانبا غير الأكفاء ومحبو الظهور وأصحاب المصالح الشخصية والمتسلقون، وأن يكتفوا بحضور مآدب الطعام، وأن يتركوا الكلام لأصحاب السياسة وليس لهواتها، لحاملي الهم الوطني وهموم المُعدمين لا لأصحاب الهموم الذاتية، وأن ينسوا الداعمين والممولين لمرة واحدة على الأقل، وأن يصمتوا من أجل سوريا وملايين المساكين فيها.
إن فشل المؤتمر هذه المرة ولم يُقدّم مشروعا متكاملا موحَّدا للحل السياسي في سوريا، منطقي ومسؤول وقابل للتطبيق، فإن على السوريين إقصاء معارضاتهم، واعتبار عشاءهم في الرياض هو “العشاء الأخير”، ورفض كل مُعتلي المنابر والمناصب ومن تحدّث ناطقاً باسم الشعب أو الثورة خلال السنتين الأخيرتين على الأقل، وانتقال ثوار الداخل، سياسيين وعسكر ونُخب مثقّفة، لخطة طوارئ عاجلة، للانقلاب على هذه المعارضات وسحب شرعيتها (الوهمية أساسا)، ومطالبة الأمم المتحدة بوضع سوريا تحت الوصاية الدولية لأنه يحكمها نظام وضيع ومعارضة غير عاقلة، ودون ذلك فإن كل سوري يطمح للحرية والكرامة سيكون شريكاً لهؤلاء بكل ما سيحدث لسوريا في المستقبل من ويلات.
صحيفة "العرب"
ش