هل أُصيب القوم ؟
يمتدح الله سبحانه وتعالى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله:
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) صدق الله العظيم
ويقول صلى الله عليه وسلم:
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
ويقول أحمد شوقي:
إنِّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ ... فَإنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخلاقُهُمْ ؛ ذَهَبُوا
يُذكر أنه عندما احتل جنود الحلفاء المانيا ودخل أحد جنود الاحتلال مقتحماً أحد صفوف المنتظرين على الدور للحصول على الخبز قالت طاعنة في السن :
( لقد خسرنا الحرب ولكنا لم نخسر أخلاقنا) مشيرة إلى فعلة الجندي وهمجيته، فالأخلاق هي الركيزة التي تبقي الشعوب وتحميها من الزوال.
وعندما كان المسلمون في أوج قوتهم أيام حكمهم لبلاد الأندلس ، كان الأسبان يرسلون الجواسيس لكي يستطلعوا أحوال المسلمين، فعندما كانوا يجدونهم متمسكين بالأخلاق الحميدة .. متمسكين بكتاب الله .. يشيدون البنيان، وكانوا منارة للعلم والأخلاق الكريمة ، كان الأسبان لا يجرؤون على مجرد الاحتكاك بمن تسلحوا بالإيمان والأخلاق، وعندما وجدوا أن الشاب المسلم يبكي على هجر الحبيبة – عندها- قالوا : الآن سنهزمهم، وتجرأوا، وأزالوا دولة العلم والإيمان عندما زالت الأخلاق من نفوس الشباب.
كل شيء في هذه الدنيا يبدأ بفكرة ، والفكرة يجب أن تكون محاطة منذ ولادتها بالأخلاق ، وإلا فإنها حتى وإن كانت نبيلة الأهداف فإنها ستنتهي بالفشل يوماً حتماً .
وفي هذا كله إشارة قوية على أن الأخلاق هي التي تبني الأمم والحضارات بعد أن تبني الفرد وتجعل منه فرداً صالحاً في المجتمع، وعندما تنتفي الأخلاق عن مفاهيم أي مجتمع وتكون من الأمور الثانوية التي لا يُلتفت إليها فإن الخراب والدمار والضياع هو المصير المحتوم لهذا المجتمع.
فعندما أرادت أمريكيا الانتصار على اليابان بعد رفض اليابان توقيع وثيقة الاستسلام وتركيعها وضعت الجانب الأخلاقي خلفها وأسقطت قنابلها النووية على هيروشيما وناجازاكي عام 1945م وكانت النتيجة مقتل 140،000 شخص في هيروشيما و 80،000 شخص في نجازاكي، وهكذا هو الإنسان عندما يتجرد من الأخلاق فإنه يصبح كالوحش المفترس وأطماعه لا حدود لها، في تجاهل صارخ للإنسانية وكرامة الإنسان، فلا غرابة من ذلك! فأمريكيا أقامت دولتها على قواعد لا علاقة لها بالأخلاق، وهي التي بنت البلاد على جثث الهنود الحمر .. السكان الأصليين للقارة الأمريكية، وهناك دراسات تشير إلى أن عدد من قتلتهم أمريكيا من الهنود الحمر ما بين 10 - 100 مليون نسمة من الهنود الحمر.
وعندما نقفز إلى عصرنا الحاضر تاركين خلفه ويلات صنعتها أمريكيا بشعوب أخرى في فيتنام على سبيل المثال ، فإننا نأتي إلى غطرستها على العرب والمسلمين ، فكان هم أمريكيا الأول هو القضاء على عدوها الأحمر "الاتحاد السوفياتي" وترويض من دخل في حلف الاتحاد - وبالمناسبة هم لا يقلون إجراماً عن الولايات المتحدة ولا يقلون عنها في الحقد الأسود على المسلمين - وعندما تخلصت من خصمها التقليدي الأحمر ، التفتت إلى العالم الإسلامي "المارد الأخضر" وبدأت في العراق عام 1991م.
لقد قتلت أمريكيا في حصارها للعراق أكثر من مليون طفل عراقي بريء ، عدا عن قتلها بقنابلها الذكية والغبية للمدنيين وتهديم منازلهم فوق رؤوسهم ، ولم تسلم حتى المساجد ولا الملاجئ من بطشها وحقدها على المسلمين، ومن منَّا لا يذكر مأساة ملجأ العامرية؟!، فأمريكيا تعلم علم اليقين أن "المارد الأخضر" آتٍ لا محالة، فأرادت أن تئده وهو في المهد، وبحجة احتلال الكويت التي أغرت صدام باحتلالها وشجعته على القيام بذلك لكي تجد لها مبرراً ((أخلاقياً)) مزيفاً تدخل من خلاله إلى ما تريد من تدمير للقيم والإنسان والعمران والأخلاق.
وبعد 12 عاماً من الحصار والتجويع والإفقار لشعب غني وقوي ودولة تضم داخل حدودها العديد من الحضارات، استندت أمريكيا على أكاذيب واهية تتجافى مع الواقع ووتتنافى مع الأخلاق لكي تغزو بلداً آمنا وتروع الآمنين وتسرق خيراته وتنهب كنوزه الثمينة، وأكملت جريمتها، بتمكين من لا يحق لهم التمكن في أرض الرافدين من الفرس وأتباعهم "الشيعة المتصفينين" وتمكينهم من رقاب أهل السنة ليكملوا ما بدأته هي من تصفية الشرفاء وأصحاب القامات العلمية من علماء ومفكرين وخبراء في كل المجالات وقد كان من المفترض بناء عراق قوي وحضاري تفخر به الأمة جمعاء.
لم أنسَ أفغانستان؛ ولكني أجَّلت الحديث عنها بعد العراق لأن جرم أمريكيا في العراق أكبر بكثير، ولا زالت تبعاته تعصف بالمنطقة ولكون العراق هو العامود الفقري للأمة ، فإذا انكسر هذا العامود انكسر ظهر الأمة، ففلسطين هي قلب الأمة ، والعراق عامودها الفقري، ومصر وبلاد الشام هما أجنحتها، وجزيرة العرب هي النبض الذي يخفق في قلب الأمة.
عندما حكمت طالبان "السنية" أفغانستان تأهبت أمريكيا للانقضاض عليها بانتظار سند قانوني في ظل مجلس الأمن حتى أتتها الفرصة السانحة، عندما هوجمت أمريكيا في عقر دارها بطائرات طارت من مطاراتها! وغزت أمريكيا أفغانستان وقتلت الآلاف وشردت الآلاف، وكلنا يتذكر حاويات الموت وكيف وضع المسلمون ممن تعتقد مجرد الاعتقاد أنهم من القاعدة وحليفتهم طالبان في حاويات واغلقت عليهم حتى اختنقوا وانصهرت اجسادهم من الحر في داخلها، ودمرت بلداً استتب فيه الأمن من بعد ما كان أمراء الحرب فيه يمزقونه، ومن بعد احتلال سوفياتي غاشم، ومكنت الشيعة منه كما مكنتهم من العراق الأبي، مع تأكيدي الدائم بأن القاعدة هي صنيعة الحلف الخفي ما بين إيران وأمريكيا كما صنعوا داعش اليوم، فجرحى القاعدة يُعالجون في إيران، كما أن جمهورية إيران "الإسلامية" اعترفت بأنها هي من مكنت أمريكيا والحلفاء من احتلال العراق وأفغانستان فأعطيت المكافأة على ذلك بسيطرتها على البلدين.
فإيران كدولة فارسية صفوية لا أخلاق لها وهي من تحتل جزر الإمارات طنب الكبرى وطنب الصغرى وتدعم الانقلاب في اليمن وتدعم من يحاولون الانقلاب في مملكة البحرين، ومؤسسها الخميني الصفوي عندما سألوه كيف تُكفِّر صدام حسين على أساس أنه بعثي وتُكَفِّر حزب البعث العراقي وتتحالف مع حافظ الأسد البعثي وحزبه.. فأجاب: "صدام حسين بعثي كافر ... أما حافظ الأسد فهو بعثي مؤمن"!!!.
وللمفارقة أن قادة إيران يصفون أهل السنة الذين لا يسيرون في فلكهم بالتكفيريين، وقائدهم الخميني هو أول من كفَّر الناس وهب الجنة لمن يريد ووضع من يخالفه في النار!.
كثيرون هم من تشربوا الغطرسة الأمريكية واستهوتها قلوبهم، ومن ساروا في فلكها، ومن احتموا في ظل شجرتها النتنة، حتى أصبحت عادة وتقليداً، والخروج من هذا التيار هو خروج على المألوف! فعندما قامت ثورة في مصر تمخضت عنها حكومة شرعية منتخبة بانتخابات حرة ونزيهة وأصبح القرار المصري قراراً وطنياً، وأصبح لمصر صوتاً يسمع ورئيساً لا يقبل بإملاءات الخارج تحرك هؤلاء الذين لم يألفوا الخروج عن بيت الطاعة الصهيونية العالمية التي تمثلها أمريكيا وإسرائيل، وانطلت الأكاذيب على من تجردوا من الأخلاق ، فكذبوا الصادق، وصدقوا الكاذب، وخونوا الأمين، وأمنوا الخائن، حتى انقلبوا على الحكومة الشرعية ورئيسها محمد مرسي، والأمور في مصر تسير نحو الهاوية، لأن الأخلاق انتفيت واستبدلت بغيرها، وهذا هو مصير الأمم والشعوب عندما تصاب بأخلاقها.
والمصيبة في سوريا أعظم وأنكى، إذ أن في العالم العربي الذي بدأ يستفيق من غيبوبته وفي سوريا بالذات من يعتقد إلى الآن أن بشار الأسد وأبيه هم من محور المقاومة المزعوم، وهذا محض تهريج فكري وأخلاقي لا أساس له من الصحة، والوقائع تؤيد أن بشار وأبيه ومعهم أمهم إيران يحمون إسرائيل منذ عقود، وما بين إيران من جهة وإسرائيل وأمريكيا والغرب من جهة أخرى من تجاذبات لا تعدو عن منافسة بين قوى تريد كل منها الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من مقدرات الأمة، وبالطبع فإن إيران لا تهمها فلسطين لا من قريب ولا من بعيد، ولا القدس أيضاً في أدبيات ثورتها المزعومة ، وإن كربلاء أعظم عندها من مكة والقدس ولكنها تلعب على الوتر الحساس لدى المسلمين، لكي تبني أمجادها الفارسية الصفوية على ظهور العرب والمسلمين.
وقد يقول لي قائل: إن إيران تدعم حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وهما منظمتان سنيتان، وقد يبدو تناقضاً لما أشرت إليه سابقاً ، لذا أقول: إن دعم إيران لحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين هو من باب المناكفة والمنافسة لإسرائيل، وإن القوى المستقلة بقرارها تناكف بعضها بعضاً تحقيقاً لمصالحها القومية لا أكثر وهذه هي الحقيقة. فإيران مع أمريكيا والغرب خلَّصوا إسرائيل من نظام صدام حسين الذي كان يشكل تهديداً حقيقياً على إسرائيل وهذا ما قاله شارون المقبور بنفسه.
وإن ما يسمى بـ "حزب الله" في لبنان قد فضح بتصرفاته وتدخله في سوريا الأهداف التي شُكِّل هذا الحزب لأجلها برعاية إيرانية عبر وسيطهم النظام السوري النصيري، وهو المشروع الصفوي التوسعي وتطويق جزيرة العرب كما أرادها الخميني عندما قال : (أنا أريد التمدد نحو العراق وسوريا ولبنان والسيطرة على باب المندب وتطويق المنطقة) ولم يذكر هذا المقبور تحرير فلسطين حتى في أدبيات ثورته المزعومة.
إلى هذا الحد وصلنا من الهوان، بترك ديننا ، ونفينا لأخلاق أرادها الله لنا ، لنكون خير أمة أخرجت للناس، نقود العالم بالعلم والإيمان، وننقذ البشرية من التهلكة، ونحقق للإنسانية آدميتها.
فالمسلمون يتعرضون للاضطهاد في كل البلاد، حتى في بلادهم، ففي تركستان التي تحتلها الصين ، تُمنع الشعائر الإسلامية حتى الصيام يُمنع ويجبر الناس على الإفطار في نهار رمضان، وفي بورما ذبح وحرق وسحل للمسلمين وإبادة جماعية، وفي طهران عاصمة الجمهورية "الإسلامية" يمنع إقامة أي مسجد للسنة في حين تقام فيها كل عبادات الملل الأخرى ، وفي العراق اضطهاد واضح لأهل السنة وتهميش كبير واستئصال ممنهج، وفي سوريا يُهَجَّر أهل السنة ويُوَطَّن الشيعة بدلاً منهم، والشيشان أبيدت ، وفي كل العصور كان الروس يبيدون المسلمين ويهجرونهم حتى بلغوا الملايين، وفي البوسنة والهرسك تعرض المسلمون على أيدي الصرب لإبادات جماعية وتهجير وقتل واغتصاب ممنهج.
ليس ما جاء هو سرد وتوثيق للتاريخ بقدر ما هو ذكر لمآسي تعرضنا لها بسبب تشرذمنا وتفرقنا وبعدنا عن ديننا وأخلاقنا، والتي سدنا العالم بها في قرون خلت
فإلى الله المشتكى على ما أصابنا من ضر ، وبه نستعين.
وأخيراً ...
الأخلاق هي قيم عُليا ترتفع بها الأمم والشعوب، وكذلك تسقط وتندثر الأمم والشعوب التي تنفي الأخلاق من مسيرتها ومن قاموس أعمالها وحياتها، وما وصل إليه العرب من عزة ورفعة في قرون خلت إلا بإسلامهم الوسطي المعتدل وبأخلاقهم الإسلامية العالية، وما تفرق العرب وتشرذموا وأصبحوا أذلاء إلا بتركهم هذه القيم السامية ، وإن بقينا على ذلك فلنقم على أنفسنا مأتماً وعويلا. فإننا قوم قد أصبنا في الصميم.
ويكون قد انطبق علينا قول أحمد شوقي
وإذا أُصيْبَ القَوْمُ في أخلاقهم ... فأقم عليهم مأتماً وعويلا
الرئيس اللبناني يؤكد انتشار الجيش وحصر السلاح بالدولة
وزير الخارجية السعودي يبدأ جولته الرسمية في عُمان
ماليزيا والمالديف تؤكدان أهمية الحل السلمي للقضية الفلسطينية
إصابات بالاختناق جراء اعتداء الاحتلال على طلبة مدارس جنوبي بيت لحم
قداحة تغير نتيجة مباراة في الدوري الألماني
ريال مدريد يقترب من التعاقد مع ألونسو خلفًا لأنشيلوتي
امرأة تكتشف إصابتها بالسرطان بمساعدة ChatGPT
وزارة الأوقاف: ما ورد في أحد البرامج الإذاعية يجافي الحقيقة
رجل يقتل زوجته السبعينية في بورسعيد
اليابان تودّع أكبر معمرة عن عمر 115 عامًا
ارتفاع أسعار الليمون في الأردن
محمد الحلو يخضع لجراحة دقيقة في الساقين
جلسة حاسمة قريباً قد تطيح بــ 4 رؤساء جامعات
مصادر حكومية: الأردن أكبر من الرد على بيانات فصائل فلسطينية
خبر سار لأصحاب المركبات الكهربائية في الأردن
الأردن .. حالة الطقس من الخميس إلى الأحد
توضيح مهم بشأن تطبيق العقوبات البديلة للمحكومين
الليمون يسجل أعلى سعر بالسوق المركزي اليوم
رسائل احتيالية .. تحذير هام للأردنيين من أمانة عمان
الخط الحجازي الأردني يطلق أولى رحلاته السياحية إلى رحاب
مصدر أمني:ما يتم تداوله غير صحيح
أول رد من حماس على الشتائم التي وجهها عباس للحركة
رفع إنتاجية غاز الريشة إلى 418 مليون قدم يوميا
أسبوع متقلب جوياً .. تفاصيل الطقس حتى السبت
أسعار غرام الذهب في الأردن الخميس