تتالت رسائل شخصية تقول إن إيران، أخيرًا، قررت استضافة الأسد، أي منحه اللجوء، واستقباله في طهران كبطل. واستشهدت بتصريح ورد على لسان ولايتي مستشار المرشد الأعلى، عندما زار قبل أيام كلاً من سوريا ولبنان. ويبدو أن المناخ «الإيجابي» النادر وسط هذا الخراب وراء مثل هذه التمنيات، حيث أفرج تنظيم جبهة النصرة الإرهابي عن المخطوفين العسكريين اللبنانيين في صفقة رتبها «حزب الله» وقطر، والأنباء الإيجابية أيضًا وردت عن اتفاق على سليمان فرنجية ليكون رئيسًا للجمهورية اللبنانية بعد نزاع طويل على المنصب الشاغر. كلها توحي بأن سبحة الانفراجات قد بدأت! فهل حان موعد خروج الأسد حقًا؟
لو يعلن مسؤول إيراني كبير، مثل ولايتي، أنهم سيمنحون الأسد اللجوء، سيكون تطورًا بالغ الأهمية، لا يمكن أن يمر على الحكومات والصحافة هكذا بلا صدى. لم أجد أثرًا له إلا في وسائل إعلام سورية معارضة، وهي بالطبع ليست مرجعًا في أخبار الخصم. وبعد بحث طويل عثرت على الفيديو المطلوب كاملاً، أجرت المقابلة قناة «الميادين» مع ولايتي، وفي آخر الحديث، فعلاً، تسأل المذيعة الضيف الإيراني، فيما إذا كانت طهران ستستقبل الأسد قريبًا، «خاصة أنه زار موسكو قبل شهر؟». السؤال يوحي بأن طهران ممتنعة عن استقبال الأسد. يجيبها ولايتي بأن «وجود الأسد في دمشق ضروري، وعندما يكون الأمر واجبًا نحن في إيران سنستقبله، وليس هناك فرض أي رأي (من عندنا) على السيد الأسد، ولا أن يترك الساحة. نحن لا نريده أن يترك بلده، وعندما يريد السفر إلى إيران نحن مستعدون لاستقباله وبحرارة، وسنستقبله كبطل؛ فقد دافع عن شعبه خمس سنوات ولا نريد أن يكون مكانه خاليًا».
من يستمع إلى الشق الأخير من إجابة ولايتي يظن أنه يرحب بتقديم اللجوء على الأسد، لكن السؤال كان واضحًا بأن الأسد الذي زار موسكو لم تستقبله طهران بعد كرئيس زائر. إجابة ولايتي لا علاقة لها بمنح اللجوء، إنما غامضة. ولايتي لم يرحب بزيارة الأسد بشكل مباشر، بل قال لا نريده أن يترك بلده في هذه الظروف. وهذا عذر غير مقنع، فقد رأينا الأسد ترك دمشق وطار إلى موسكو، والرحلة تستغرق أربع ساعات بين العاصمتين، في حين أن الرحلة من دمشق إلى طهران ساعتان فقط!
أتصور أن ارتباط إيران بنظام الأسد قوي وعميق، أكثر من مجرد علاقة مصالح. منذ بداية الثورة كانت طهران وراء سياسة الأسد المتطرفة. وهناك من يرى أبعد من زمن الثورة، وأن الإيرانيين يديرون سياسة سوريا منذ تولي الأسد الحكم، في عام 2000، بما يفسر نهجه العنيف في لبنان، وسلسلة الاغتيالات التي اتضح أن إيران كانت طرفًا فاعلاً معه فيها، وكذلك كانت معه في إدارة ما كان يسمى المقاومة العراقية و«القاعدة» من داخل سوريا بعد الغزو الأميركي. الحلف الإيراني السوري مستمر إلى اليوم، ولن تتخلى طهران عن الأسد إلا في الساعة الأخيرة عندما تخسر دمشق. فهل نحن قريبون من ساعة الأسد الأخيرة؟ صعب أن نقدر لحظة الهزيمة بسبب دخول قوات دول كبرى إقليمية ودولية، إنما الذي نثق فيه هو أن الأسد لن ينتصر مهما نجح الروس والإيرانيون في دعمه وإطالة أمد الحرب.
وما دام الروس والإيرانيون في حالة اتفاق في سوريا علينا ألا ننتظر إبعادًا سهلاً للأسد، مثل منحه اللجوء إلى إيران، وفي حال اختلاف المواقف بين البلدين هنا سيُصبِح موقف النظام السوري صعبًا، بوجود قوات عسكرية للبلدين تقاتل في الجو وعلى الأرض. وقد يوجد اختلاف في الرأي اليوم بين الروس والإيرانيين لكنه لا يرقى إلى درجة المراهنة عليه، خاصة بعد إسقاط الأتراك الطائرة الروسية التي جعلت الروس يزدادون قربًا من إيران. الاختلاف قد نراه في مفاوضات فيينا على مستقبل سوريا، وطرح الحلول السياسية. فقد سبق للرئيس الروسي أن تحدث صراحة عن أن بقاء الأسد ليس مهمًا، وأن الأهم المحافظة على مؤسسات الدولة السورية، الأمر الذي يختلف جذريًا عن الطرح الإيراني، الذي يقول إن شخص الأسد هو الشرعية. وهذا ما كرره ولايتي في حديثه لـ«الميادين» الذي قال إن الأسد سيبقى حتى نهاية فترته الرئاسية، ويجب أن يخوض الانتخابات المقبلة أيضًا، ونحن واثقون أنه سيفوز بها من جديد! موقف إيران الإصرار على الأسد ولو بقوة السلاح والتزوير، لكن إن مال الروس إلى حل سياسي يقصي الأسد، أو يجعله مثل الرئيس في العراق مجرد منصب فخري، هنا قد يقع الخلاف بين الحليفين.
صحيفة "الشرق الأوسط"