باب الحارة يفتح على الفراغ والخواء

mainThumb

14-10-2007 12:00 AM

في الأنباء أن السعوديين يضبطون مواعيدهم وأجنداتهم اليومية وفقا لمواعيد بث مسلسل باب الحارة وتوقيتات إعادته ، وأن بعض المساجد في فلسطين اختصرت صلاة التراويح لتمكين جموع المصلين من متابعة حلقات المسلسل من بداياتها ، وفي مدارسنا تحول الطلاب إلى باعة "بليلا" يستلهمون شخصية أبو غالب ونداءاته على بضاعته الكاسدة ، ومجمعاتنا التجارية تعيد إنتاج شخصيات أبو بشير وأبو شهاب وأبو حاتم وأبو بدر وغيرهم من رموز وشخصيات المسلسل العربي الأشهر في رمضان الفائت.
لماذا يثير مسلسل سطحي بأحداثه وحبكته وحواره ومضامينه ، كل هذا الشغف والتعلق من قبل ملايين المشاهدين في عشرات الدول العربية والجاليات في المنافي والمهاجر؟ ولماذا تجد بعض القيم والعلاقات والمفاهيم البالية والمتخلفة كل هذا الاستقبال الحميم من قبل المشاهدين على اختلاف مستوياتهم الاقتصادية والثقافية والعملية؟
مسلسل باب الحارة أثار حنين المواطن العربي إلى "مجتمعات ما قبل الدولة" وتنظيماتها وقيمها وعلاقاتها ، فرموز الدولة والسلطة فيه ، لا تظهر إلا كرموز أجنبية ، عميلة ، فاسدة ومنبوذة ، لكأن المواطن العربي بتعلقه بالحارة وتنظيماتها ، أراد أن يبعث برسالة احتجاج على تنظيمات الدولة الحديثة وقوانينها ، والتي تواجه بدورها أسئلة الشرعية ويتسم أداؤها في كثير من جوانبه بالقمع والفساد والارتباط بالأجنبي.
والمسلسل قدم صورة إيجابية للحاكم ـ القبضاي ، وهو التعبير الشعبي عن "المستبد العادل" ، وهي صورة كنا نأمل أن تكون قد محيت من وعي المواطن لكن نموذج البطل الإيجابي لـ"أبو شهاب" ولاحقا "أبو النار" التي لقيت قبولا ورواجا شعبيين ، خيّبت آمالنا بالمستوى الذي بلغه الوعي الجمعي العربي في فهمه ورؤيته للحكم والحكامة والدولة والسلطة.
والمسلسل مسح بجرة قلم ، كل منجزات الحركات النسائية والكفاح المرير من أجل مساواة النساء بالرجال وتمكينهن ، فقد تبين أن المجتمع الذكوري ما زال مجتمعا مغريا وجاذبا حتى للنساء وليس للرجال فقط ، كما تبين أن "الحرملك" ما زال حاضرا في وعينا ولا وعينا ، فالصورة الإيجابية المحببة لمعتز وأبو شهاب وكل الأبوات في المسلسل الذين لا يصغون لأصوات بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم طغت على صوت الرفض لتهميش المرأة وإذلالها واستعبادها.
ثمة لغز كبير وراء نجاح مسلسل فارغ من أي مضمون كمسلسل باب الحارة ، فالحلقات كانت تنتهي من دون أن تتخطى أحداثها النكايات بين "الحماة والكنّة" ، وربط يوميات الحارة الدمشقية بالقضية الفلسطينية ربط تعسفي بالكاد لمسنا أثره على الشخصيات والأحداث ، فهو مقحم بالقوة على النص ، ومع ذلك يتطلع ملايين المشاهدين بشوق وشغف لرمضان القادم لمتابعة الجزء الثالث ، فأي فراغ هذا الذي نعيشه وأي خواء هذا الذي يهيمن على مجتمعاتنا وشعوبنا؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد