تحديات الألفية في مهرجان المفكرين بالامارات؟ .

mainThumb

27-10-2007 12:00 AM

كشف إختتام "مهرجان المفكرين" ,الثاني, هذا الاسبوع في ابو ظبي رغبة متنامية لدى دولة الامارات العربية المتحدة الى تكريس دور ثقافي على الساحة الإقليمية والدولية مستنداً إلى رؤية تحديثية تعكس طموحا غير محدود لطالما حمله أصحاب القرار عشية الاستقلال عن بريطانيا قبل أربعة عقود.

شارك في المهرجان 150 عالما ومفكرا من مختلف انحاء العالم, من بينهم 16 من الحاصلين على جوائز نوبل في السلام وفي التخصصات العلمية والإنسانية والأدبية , وكانت الكينية "وأنغاري ماتي" الحائزة على جائزة نوبل للسلام 2004 الشخصية الاكثر حضوراً بلباسها التقليدي وبوجهها الافريقي البشوش لانها شخصية تمثل ترجمة ذاتية وعامة للكثير من النضالات الحقيقية. (فهي المرأة الاولى التي تحصل على درجة الدكتوراه في أفريقيا الوسطى والشرقية وتحمل سجلا طويلا من الشهادات وهي الناشطة على امتداد حياتها في قضايا البيئة كما أسست في مجتمعها ذلك الربط بين البيئة والديمقراطية من خلال ما سمي بـ "حركة الحزام الاخضر").

شارك في حوارات "مهرجان المفكرين" في دورته الثانية الذي عقد بإشراف الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي الإماراتي عشرات الطلاب والطالبات من مدارس وجامعات دولة الامارات والعالم العربي ودخلوا في نقاشات مع المدعوين من حول العالم - وأن غاب عن التظاهرة العالمية عدد كبير من المفكرين العرب اللامعين.

يندرج المهرجان ضمن نجاحات ثقافية متعددة حققتها أبو ظبي مؤخرا وسمحت لها بالظهور على الساحة الدولية بأعتبارها دولة متحضرة تحترم الثقافة والعلم وترعاهما, كما يقول القائمون على المشروع.

من هذه النجاحات مهرجان "الشرق الأوسط الأول للسينما" الذي استضافته أبو ظبي مؤخرا.

وقبله جاء الإعلان عن مشروع "كلمة" للترجمة لسد فجوة كبيرة في مجال الترجمة العربية.

وقبل أيام افتتح معرض متجول للحاصلين على "جوائز نوبل", مستخدماً احدث ما وصلت اليه التكنولوجيا الرقمية والاعلامية لأظهار ضرورة توظيف ابداعات العلماء في خدمة البشرية.

كما أطلق مشروع إشكالي لإقامة نسخة من متحف "اللوفر" الفرنسي العريق في أبو ظبي حيث من المقرر أن يفتح أبوابه في العام 2012 فضلا عن أقدام العديد من الجامعات العالمية على افتتاح فروع لها في الإمارة.

وساند تنفيذ هذه الرؤية "الهبة الإلهية" المتأتية من ارتفاع أسعار النفط الجنوني واستعمال المال لاستقطاب افضل كفاءات العالم وشركات الترويج الإعلامي, كما وفر جيش من العمالة الآسيوية الرخيصة - مثار تحقيقات وتقارير عالمية تتحدث عن انتهاكات مستمرة لحقوقهم اضرت بصورة البلاد - الفرصة الكبيرة لتحويل الإمارة الصحراوية إلى جنة خضراء تغطيها ناطحات سحاب وقصور وفلل وأنهار وبحيرات اصطناعية ويعيش مواطنوها في غمرة رفاهية منقطعة النظير برعاية الدولة.

الزوار شأنهم شأن المغتربين والمواطنين لا يستطيعون إلا أن يمتدحوا قصة نجاح الإمارات العربية المتحدة في مسيرة التحديث والبناء.

لكن بعد الانتهاء من الهيكل الخارجي (العمران) للبناء الإماراتي خلال العقود الثلاثة الماضية جاء تحدي التعامل مع "الحشوة" أو "البطانة" البشرية لضمان تنمية مستدامة قائمة على العلم والمعرفة والمبادرة لجسر الهوة بين تناقضات هيكلية اقتصادية واجتماعية عميقة وتقليل الاعتماد على الأجانب في إدارة البلاد.

فمثلا ما زال 80% من العاملين في قطاع الصحة والعلاج والخدمات الطبية المساندة من الأجانب بينما وصلت نسبة نساء الإمارات الملتحقات بالتعليم العالي 77 في المئة - النسبة الأعلى في العالم.

عودة إلى "مهرجان المفكرين"

ركز المهرجان الذي عقد بعنوان "رؤية استشرافية لتحديات العصر",على محاور ذات أهمية إماراتية,إقليمية وعالمية تتعلق بالبشرية جمعاء, بدءاً من مستقبل استهلاك الطاقة وعلاقته بالتنمية المستدامة والتحديات البيئية والإعلامية والتعليمية والصحية والنوع الاجتماعي وانتهاء بإعداد أجيال المستقبل القادرة على التعامل مع العالم المتغير ورفع سوية العيش, وتشجيع التفاهم الدولي بالاضافة الى دور التكنولوجيا في تحسين عناصر الحياة.

وكانت آفة الفقر التي تهدد الامن والاستقرار في العالم من بين أهم القضايا التي تناولها المهرجان, فما زال يموت اكثر من ثمانية ملايين شخص حول العالم سنويا لأن الفاقة عندهم لا تسمح لهم بالبقاء احياء.

من هنا وضعت الامم المتحدة استراتيجية الالفية لتخفيض نسبة فقراء العالم الى النصف مع نهاية 2015 واصبحت مرجعاً لاغلب المداولات والاجتماعات والمهرجانات العالمية. وعلى رغم القفزة الهائلة في الاقتصاد والإنتاج وما حققته البشرية في العقود الأخيرة من القرن العشرين, في موازاة الثورة العلمية والتقنية الحديثة وارتفاع الناتج الإجمالي العالمي من ثلاثة آلاف بليون دولار عام 1960 إلى 40850 بليون دولار عام ,2006 يظل الفقر واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء من أعقد الإشكالات الموروثة من القرن الماضي التي تواجهها الإنسانية منذ بداية الألفية.

وفي هذا تهديد بالمزيد من الصراعات والتناقضات المربكة على كل الأصعدة, فالقضاء على الفقر لم يعد تحدياً إنمائيا فحسب, بل بات يمثل تحدياً أيضاً في ما يتعلق بحقوق الإنسان, إذ لا تزال في عالمنا مطلع هذا القرن مستويات غير مقبولة من العوز و الحرمان.

فقد أشارت الدراسات الدولية إلى أن واحداً من بين كل خمسة اشخاص يشكلون عدد سكان العالم الذي يفوق الـ 6.2 مليار نسمة يعيش تحت خط الفقر, أي على أقل من دولار واحد يوميا, ولو رفع هذا الخط قليلا لتجاوزت نسبة الفقراء ثلث سكان العالم, في حين تبلغ ثروة بضع مئات من اصحاب البلايين ومنهم عدد كبيرمن العرب قرابة نصف الدخل الإجمالي العالمي.

وفي هذه اللوحة السوداوية لعالم نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن يعتبر الفقر البشري أحد أبرز التحديات الأساسية التي يواجهها العرب وغيرهم من الملل في تاريخهم المعاصر. فأكثر البلدان العربية ذات الثقل السكاني تقع في مرتبة متأخرة من حيث التنمية البشرية بين دول العالم الـ,177 وفق تقرير التنمية البشرية لعام 2006 - الجزائر في المرتبة 102 في الجدول و مصر ,111 المغرب ,123 السودان ,141 اليمن .150

وتشير دراسات متعددة إلى انهيار الطبقة الوسطى العربية التي شكلت عماد بناء المجتمعات العربية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي, ما أدى إلى تجذر وتراكم الفقراء في أحزمة البؤس المحيطة بالمدن العربية, والى تفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء منذ الثمانينيات بسبب تراجع مهمة الدولة الاقتصادية في عصر الخصخصة.

ذلك يدل أن البنية الطبقية في العالم العربي هي بناء هرمي تشكل قاعدته الواسعة الطبقات الدنيا المتركزة بشكل اكبر في الأرياف ,وهي متلازمة مع ثنائي, الأمية ومع التفاوت الكبير في الدخل خصوصاً في الأقطار الفقيرة والمتوسطة الدخل. وفي الخلفية انقسامات فسيفسائية أخرى في مجتمعات اغلبها من فئة الشباب الذين يبحثون عن وظيفة وعن مستقبل أفضل.

هذه مكامن خلل في بنية المجتمع العربي باتت تعصف به من الداخل وتنخر بنيانه وتنذر بأخطار على مستقبل الأمة العربية, وتجعل الحديث عن التحديث السياسي والاجتماعي والعلمي من دون جدوى, فلا حداثة حقيقية في ظل فقر مدقع وأمية كاسحة يطولان أكثر من مئة مليون عربي.

هناك إصلاحات باتت أولية وضرورية لتخفيف ظاهرة الفقر وتحويلها في اتجاه الديموقراطية الاجتماعية والمشاركة الفاعلة في عصر العولمة والثورة العلمية والرقمية.

من الممكن أولاً, تدارك هذا الخلل بتوزيع أكثر عدالة للثروة تتحمل فيه النخبة الثرية في العالم العربي مسؤولياتها في تنمية مجتمعاتها والارتقاء بها, عوضاً عن حشر ثرواتها المقدّرة بأكثر من ألف بليون دولار في المصارف الغربية وصرف جلها على استهلاك غير منتج.

ويجدر ثانياً, العمل على تحويل المجتمع العربي إلى الانتاج الحقيقي ومضاعفة قواه الإنتاجية بعكس ما هو الواقع الآن والحد من الانفجار السكاني المتسارع والمترافق مع هدر الموارد والطاقات, اذ أن معدّ?Zل النمو السكاني في الخليج العربي مثلا يظل بحدود ثلاثة في المئة سنويا ,الأعلى في العالم حتى بالقياس إلى الدول النامية التي تراوح ما بين 2 الى 2.8 في المئة.

ولا بد من لجم الإنفاق العسكري. فالعالم العربي هو الأكثر استيراداً للسلاح - 60 بليون دولار عام .1999 ويبقى الاهم في هذه المرحلة, الاستمرار في إصلاح المناهج المدرسية ونقل الطلاب من حالة التلقي والصم إلى تعلم مهارات التفكير لتوسيع خياراتهم وبالتالي المساعدة على تغيير الواقع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد