الملك فاروق وحرب الـ 48 .

mainThumb

14-10-2007 12:00 AM

امتازت العقود الأولى من القرن الماضي بجدلية سياسية غذتها التنافسية التي سادت علاقات قيادات المنطقة آنذاك، وزادتها تعقيداً الطبيعة الانتقالية لتلك المرحلة في السياسة والجغرافيا. وما تزال هذه الجدلية تطغى على القراءات المتعددة لتلك الحقبة التي أسست لمرحلة ت?Zشكُّل العالم العربي دولاً مستقلة. وذلك أمر طبيعي في ضوء تعقيدات المرحلة والاعتبارات السياسية التي تحكم استنتاجات المؤرخين مثل الانحياز لدولة دون أخرى أو التحسس من الدخول في تفاصيل يمكن أن تؤدي إثارتها إلى توتير العلاقات بين الدول العربية.

من هذا المنظور يمكن فهم, وقبول، القراءات المختلفة لدور قيادات مصر أو السعودية أو الأردن أو العراق في التعامل مع أحداث تلك الحقبة. وهذه قراءات ينطوي بعضها على أحكام قيمية، تغيرت، وتتغير، مع تطور الأحداث وانكشاف معطيات جديدة تؤثر فيها.

ولعل أهم التطورات التي فرضت إعادة النظر في الآراء التي تبلورت وسوقت حول أحداث بدايات القرن العشرين هي الفشل الذريع للأنظمة التي استحوذت على مشاعر الناس آنذاك عبر طروحاتها التي أعطت نفسها صفة الوطنية والثورية والتحرر في مواجهة استبداد وتخلف ولا قومية الأنظمة التي سبقتها أو حاولت إزالتها.

فمقاومو الاستبداد أوغلوا فيه ودعاة الديمقراطية صاروا ألد أعدائها.

ونتيجة حتمية لذلك, صار ينظر الى ما اعتبر خيانة في حقبة الخمسينات على أنه نضوج سياسي والى ما حورب باعتباره ديكتاتورية على أنه انموذج أكثر قرباً من الاستنارة والتزام الديمقراطية.

مسلسل "الملك فاروق"، الذي بثته محطة (MBC)، أعاد زيارة العقود الأولى من القرن العشرين بقراءة مختلفة عن تلك التي فرضها المنقلبون على الملكية حقيقةً ثابتة في ذاكرة شعوب المنطقة.

ويملك القائمون على العمل حق تقديم رؤيتهم السياسية لأحداث ذاك العهد. ولهم أيضاً حق تقديم المواقف السياسية للفرقاء والقاء الضوء على علاقات قيادات تلك الحقبة التي شهدت تنافساً لم يتكرر على زعامة المنطقة.

وعلى هذه الأسس يمكن فهم عرض المسلسل للنظرة السلبية التي حملها الملك فاروق لمواقف مؤسس المملكة الملك عبدالله الأول. فزعامات ذلك العهد في الأردن والعراق ومصر والسعودية كانت على درجة عالية من التنافس وعدم الثقة. ولم ترتح قيادات كثيرة لمنطلقات الملك عبدالله السياسية كونها استندت إلى الثورة العربية الكبرى التي أرادت عالم العرب وطناً واحداً والقيادة الهاشمية زعامة له.

وانتشر في تلك الحقبة وما تلاها, خصوصا في عهد الناصريين والبعثيين، موقف سلبي من الهاشميين خونهم واساء لهم لكنه خشي أيضاً شرعية طرحهم. لكن المواقف تبدلت بعدما أنصف التاريخ مواقف للملك عبدالله الأول وللملك الحسين وبين، من منظور متحرر من النزعة المعادية للزعامات المنافسة، نجاعة تلك المواقف وانسجامها مع المصالح العربية العليا.

لكن تقديم الآراء السياسية شيء وانكار الحقائق أمر آخر. مسلسل "الملك فاروق" عرض نظرة فاروق السلبية الى الأردن وقيادته. ولا منطق في الاعتراض على ذلك. فالمسلسل يؤرخ لحقبة فاروق وللآراء التي سادت فيها. لكن القائمين على العمل أتاحوا ما لا يجوز وهو التغول على حقائق ثابتة حين سمحوا لشخصيات في المسلسل أن تنتقص من دور الجيش العربي الاردني في حرب عام 1948 واتهامه بأنه لم يحارب في حوار بدا وكأنه يسرد حقائق.

يمكن للقائمين على المسلسل القول إنهم قدّموا موقف الملك فاروق وحاشيته في اطار تأريخ هذه المواقف. بيد أن هذا رد غير مقنع، لأن المسلسل سمح بتمرير هذا الانتقاص من دور الجيش الأردني من دون توضيح الحقيقة. ولا شك أن القائمين على المسلسل، الذين فوتوا من حقبة فاروق حقائق مهمة التفاتاً إلى حساسيات سياسية, يدركون أن تمرير افتراء كهذا من دون توضيحه، اعتداء على حق.

الجيش العربي الاردني قدّم ما استطاع في حرب الـ 48 التي انتهت كارثة هزمت فيها الجيوش العربية. حارب هذا الجيش الإسرائيليين ودفع شهداء وتمكن من حماية القدس آنذاك. تضحياته في اللطرون وباب الواد وعلى أسوار القدس مثبتة. أما خسارة الحرب فهي مسؤولية عربية مجتمعة.

وآن وقت أن تخرج على الملأ قراءات أردنية لتلك الحقبة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد