بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا ، توقع البعض أن تنكفيء المعارضة السورية ، وتتقلص مساحات تواجدها على طريق إنهائها ، وتسليم سوريا كاملة بدون نقصان ، إلى الديكتاتور العلوي بشار "الأسد " - وسامح الله جمال عبد الناصر الذي غير إسمهم إلى الأسد - المرتبط أبا عن جد مع الصهيوينة العالمية ، على يد جده سليمان إبان الجلاء ، وهناك مراسلات محفوظة بين الطرفين ، وهذا ما يبرر إستقرار الأمور في سوريا للرئيس حافظ "الأسد " الذي قام بإنقلاب على البعث ، وبعد ذلك باع الجولان لإسرائيل بمئة مليون دولار ، قيل أن الشيك كان بدون رصيد.
هذا ما أفادنا وبشرنا به "الشبيحة " الذين يرون في بشار "الأسد" مخلص الأمة ومنقذها ، وهذه مشكلتنا مع المزورين الذين لا يرعوون ، ولا يهمهم إن كانوا صادقين أو في خانة الكاذبين ، فقد أقسموا أغلظ الأيمان أن بشار سيعيد توحيد سوريا بدعم روسي ، ولكننا وبعد نحو الشهر من التدخل الروسي في سوريا ، رأينا عكس ما يقولون وقالوا سابقا .
إتسم القصف الروسي في سوريا بالشمولية ، وقيل أنه لم يفرق بين معارضة متطرفة ومعارضة معتدلة ، ولا أدري ما سر هاتين التسميتين ، ومعروف أن الطيران الحربي الروسي يختلف في أدائه عن الطيران الحربي الأمريكي ، فالأول كان يقصف بتركيز ،لكن الثاني فقد إتسم قصفه بالأثيري ولم نر نتائج تذكر لهذا القصف ، ضد فرع الإستخبارات الإسرائيلية الخارجية السرية "SISI" داعش ، الذي يتمدد بقوة في العراق وروسيا وليبيا وغير ذلك من الساحات العربية ، رغم وجود تحالف دولي تقوده أمريكا ويضم 60 دولة ، وقد إنضمت إليه روسيا مؤخرا ، ومع ذلك لا يزال داعش يمارس العبث في الساحات العربية ، بإسم الإسلام والإسلام منه براء.
يحق للبعض الذي يشكك في أي طرح غريب لكنه يتساوق مع الحقيقة ويلامسها ، أن يتساءل ، ما دام الأمر كذلك فلماذا جاءت روسيا إلى سوريا ؟
هذا سؤال مشروع والإجابة عليه مفادها أن روسيا جاءت إلى سوريا - تلك الحديقة التابعة للمزرعة الأمريكية الكبرى في المنطقة ، وبطبيعة الحال فإن لأوروبا فيها زاوية ،ناهيك عن مستدمرة إسرائيل الخزرية – ليس إعتباطا أو مغامرة إلى حد المقامرة ، بل جاءت بترتيب مسبق ، سبق لقاء لافروف – كيري المرتقب في نهاية المطاف للتوقيع على خارطة الشرق الأوسط الجديدة ، وقد تفاهم الجميع مع الرئيس الروسي بوتين ، الذي إستبق الإحتفال بضمان قاعدة طرطوس البحرية في القاطع العلوي من سوريا ، وهو الدولة المرتقبة للعلويين بد ون بشار بطبيعة الحال .
جاء التدخل الروسي بعد فشل محاولات التدخل البري عن طريق الأردن ، إذ كان مقررا تنفيذ عملية "الكماشة " ، وهي أن تتدخل القوات الدولية من الأردن بإتجاه الشمال السوري ، في الوقت الذي تدخل فيه القوات التركية من الجهة الشمالية بإتجاه الجنوب ، ليلتقي الجمعان بعد إطباقهما الخناق على قوات بشار مثل الكماشة ، وتحشرها في القاطع العلوي ، وبعد ذلك الفشل تعهد الريس بوتين لأمريكا والغرب بأن يقوم بهذه المهمة المستحيلة لقاء ضمان بقاء قاعدة طرطوس البحرية ، وعلى أمل أن ترفع أمريكا وأوروبا العقوبات المفروضة على روسيا بخصوص أوكرانيا .
لقد كسب الرئيس بوتين الرهان والجولة معا ، ونجح حتى اللحظة في تحقيق الهدف ، وها هو داعش كما أسلفنا يتمدد في سوريا ، وكذلك المعارضة السورية بغض النظر عن التسميات ، تستولي على مساحات جديدة من سوريا بعد إنسحاب قوات بشار أمامها ، وهذا دليل قاطع على أن التدخل الروسي في سوريا ، جاء لتقسيم هذا البلد ، وفقا للمشروع الأمريكي "مشروع الشرق الأوسط الكبير " الذي أقره الكونغرس الأمريكي في جلسة سرية عام 1983 ، وخطة كيفونيم التي أقرها الكنيست الإسرائيلي في 11 حزيران 1982 ، عندما كان السفاح شارون يقوم بغزو همجي للبنان ويحرق الفلسطينيين واللبنانيين ، بدعم من نظام وقوات الرئيس الأب حافظ"الأسد" .
هذا الإعتقاد يدعمه الموقف الأمريكي بدعم ما يطلقون عليه المعارضة المعتدلة ، وهذا يعني انهم إتفقوا سلفا على مناطق نفوذهم في سوريا ، ولذلك يعملون على موضوع تقاسم النفوذ ، ونحن بهبلنا لاهون ، ومن يرقب الأحداث المقبلة يخرج بهذه النتيجة.