مقبرة جماعية للأحزاب السياسية الأردنية

mainThumb

18-03-2008 12:00 AM

جولة واحدة من الاتصالات الهاتفية مع قادة الأحزاب السياسية الأردنية ، تكفي لرصد "المزاج العام" الذي يحكم الحركة الحزبية في بلادنا ، وهي تقترب من لحظة الحقيقة والاستحقاق ، لحظة الولوج إلى "المقبرة الجماعية" التي حفرها لها قانون الأحزاب السياسية الأخير بإحكام.

أحدهم ، نعى حزبه مبكرا ، واعتذر لكوادره ونشطائه على طريقة أمانة عمان واعتذاراتها عن الأشغال على الطرق: "نأسف لإزعاجكم ونعمل لخدمتكم"... اعتذار صديقنا لكادرات حزبه ، أقرب ما يكون إلى "النقد الذاتي" والإحساس بالخيبة والأسف لتصديق وعود الإصلاح والديمقراطية ، ومن حسن حظ صديقنا ، أن الحزبيين لا يطالبون بتعويض نهاية الخدمة ، أو راتبا تقاعديا من الضمان الاجتماعي ، وإلا لكانت أوضاعه صعبة للغاية.

آخر ، ويترأس حزبا قوميا ، تهدد وتوعد ، نسي الحزب وتذكر العشيرة وأفضالها وإسهاماتها في بناء الأردن والذود عن نظامه ، لكن المطاف بصديقنا سينتهي على ما يبدو ، معارضا في الخارج ، أو هكذا يلوّح صادقا أو على أمل أن ينظر بشأنه.

آخرون كثر ، ينتظرون موعد الخامس عشر من نيسان ـ أبريل ، بقلق وترقب ، إذ اعتبارا من ذلك اليوم ، سيفقد هؤلاء صفتهم كأمناء عامين ، وسيفقد معهم عشرات غيرهم ، صفاتهم كأعضاء مكاتب سياسية وقيادية في أحزابهم ، وسننتهي إلى عدد من الأحزاب ، لن يزيد عن أصابع اليدين على الأرجح.

الأمناء العامون للأحزاب التي صوّبت أوضاعها وتلك السائرة على هذا الطريق بثقة ، يشعرون بأنهم أمام ولادة جديدة ، لكأن حزبهم نشأ للتو ، بصرف النظر عن الطريقة التي تم بها جمع تواقيع وشهادات "لا حكم عليه" ، بصرف النظر عن الوسيلة التي استخدمت لتجديد صلاحية الأعضاء القدامى المنتهية صلاحيتهم والخارجين من الخدمة ، أو بشراء الأعضاء المؤسسين من قوائم المواطنين الذين باعوا أصواتهم بالأمس في الانتخابات البرلمانية ، ومضى على حصولهم على الجنسية الأردنية عشر سنوات على الأقل.

قلة قليلة هي الأحزاب التي لم تشكُ نقصا في الأعضاء والكوادر والنشطاء ، والتي كان بمقدورها أن تلتقي مع شروط قانونها الجديد ، دون عنت أو "مال سياسي" ، ودون أن تضطر لإحياء العظام وهي رميم.

الوجه الآخر لحراك الأحزاب ، اضمحلالا واندثارا واندماجا ، يتعلق بالقانون ذاته ، وبالآراء والمواقف التي دافعت عن ضرورة "رفع الحد الأدنى للأعضاء المؤسسين" والتي صدرت في الغالب من فئتين من الناس: فئة ليست لها أية دراية فكرية أو عملية في العمل الحزبي ولم تنخرط يوما في أية أحزاب سياسية ، وفئة من أشخاص عرفيين ، يكنون مشاعر العداء للأحزاب والحزبية ، ويعملون بنظرية كل من تحزب خان.

وحتى لا نكون ظالمين أبدا لهؤلاء ، نقول أن القاسم المشترك الأعظم بين تبريراتهم وحججهم يقول أن رفع عدد الأعضاء المؤسسين سيساعد على دمج الأحزاب المتقاربة سياسيا وفكريا ، وسينهي ظاهرة تشرذم العمل الحزبي ، وسيفضي إلى تشكيل كتل وأحزاب سياسية كبرى ، توطئة لتداول سلطة سلمي وديمقراطي.

لقد نجح هذا "التيار" في تحويل وجهة نظره إلى "قانون" ، ونحن نتحدى أن يثبت أنصاره اليوم ، أن قانونهم الجديد قد نجح في تحقيق أي من الغايات المذكورة ، فلا الأحزاب اندمجت على نطاق واسع ، ولا التي توحدت منها ، ازدادت فعاليتها ، ولا نحن انتهينا إلى تشكيل كتل كبرى.

قد يكون من الصائب القول ، أن "سكرتارية" مراكز الدراسات ووزارة التنمية السياسية هي المستفيد الأول والأخير من القانون ، إذ ستحتفظ بعد اليوم بقائمة مختصرة من الأسماء والعناوين وأرقام الهواتف ، أما الأحزاب السياسية ، فغارقة في وحل اليأس والإحباط ، ويسير كثير منها إلى "مقبرته الجماعية" التي سيدوّن على شاهدها العبارة التالية: "هنا ترقد الأحزاب السياسية الأردنية" و"هذا ما جناه القانون رقم 19 لسنة 2007 علينا ، وما جنينا على أحد".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد