القمة تُسقط الرهانات العربية

mainThumb

31-03-2008 12:00 AM

بعيداً عن فقدان القمم العربية لمصداقيتها ومشروعيتها لدى الشارع العربي عمومًا، بل والنخب المثقفة، التي لم تعد تتوقع أي إنجاز حقيقي منها. فإنّ أبرز دلالات قمة دمشق، سياسيًا وتاريخيًا، أنّها تُجذِّر حالة الانسداد الاستراتيجي في خيارات "المحاور الإقليمية" الحالية، وتعزّز من تقسيم الدول العربية بين محور إقليمي متماهٍ مع إيران وسياساتها ونفوذها المتصاعد في المنطقة ومحور آخر أقرب إلى المصالحة والتفاهم مع السياسات الأميركية في المنطقة.

أحد المؤشرات الرئيسة على مستوى الخلاف الحالي هو تبادل النظامين المصري والسوري الرسائل السياسية الغاضبة قبيل القمة بساعات، بالتوازي مع المستوى المنخفض في القمة للدول الرئيسة المحسوبة على محور الاعتدال العربي (مصر، السعودية، الأردن) مع غياب لرئيس الوزراء العراقي بسبب اشتداد الصراع المسلح بين الحكومة وجيش المهدي (التيار الصدري)، وغياب أيضًا للبنان للأزمة الكبيرة التي تمر بها العلاقات اللبنانية السورية.

في المقابل يحضر الرئيس عباس إلى دمشق بعد توقيع إعلان صنعاء، دون وجود توقعات حقيقية بنجاح الإعلان، حتى وإن تبنّته القمة في بيانها الرئيس. فإعلان صنعاء يأتي مخالفًا لمصالح إقليمية ووقائع على الأرض؛ إذ يفتقد إلى روافع استراتيجية وشروط نجاح، بالمقارنة مع اتفاق مكة الذي توافر على روافع متينة وشروط جيّدة للحياة لكنه لم يستمر طويلاً. وذلك على الرغم من مكانة السعودية المحورية إقليميًا وعربيًا وقدرتها على التأثير الحقيقي على كل من حماس وفتح ودفعهما إلى تقديم تنازلات حقيقية وجادة، وعلى الرغم –كذلك- من تضمين اتفاق مكة بنودًا ملزمة لكلا الطرفين، وليس فقط "إطارًا للحوار" أو "التنفيذ"، ورغم– ثالثًا- أنّ الشروط الإقليمية والداخلية لم تكن بالسوء الذي وصلت إليه حاليًا.

إذن؛ القمة تأتي وسط غياب حكومات لدول لها قضايا حيوية وملتهبة، وغياب زعماء دول رئيسة في النظام الإقليمي، وفي سياق العجز عن الاتفاق على مواجهة أيّ تحدٍّ استراتيجي حقيقي، وهو ما لا ي?Zسِم القمة بالفشل فحسب، بل يؤكد على أنّ النظام الإقليمي العربي قد وصل إلى مرحلة متدنية جدًا من التكيف مع المتغيرات وفي الحفاظ على آليات البقاء، وهي لحظة تاريخية تعدّ من أسوأ اللحظات منذ عقود.

وإذا كان عدد من المحللين والكتّاب يجعل من قمة القاهرة التي تلت دخول صدام للكويت أسوأ قمة، فإنّ معطيات ومؤشرات قمة دمشق تعد أسوأ، على الأقل بمؤشر مواقف الدول الإقليمية المحورية، فبينما كانت كل من مصر والسعودية وسورية تشكل في قمة القاهرة تلك الوزن الاستراتيجي في النظام الإقليمي العربي في مواجهة العراق ودول أخرى مؤيدة له، فإنّ قمة دمشق تباعد بين سورية و"محور الاعتدال" في ظلّ - أيضًا- غياب لدولة محورية أخرى وهي العراق التي تنزلق في صراعات داخلية دموية بالوكالة عن أطراف خارجية.

المعضلة الحقيقية أنّ النظام الإقليمي العربي، وهو ينقسم إلى محورين ومناطق رمادية بينهما، يبدو عاجزًا عن مواجهة الاستحقاقات والتحديات كافة؛ سواء كانت مرتبطة بانتهاكات واحتلالات خارجية (الحالة العراقية والفلسطينية) أو أزمات داخل الدول والمجتمعات (العراق، لبنان، السودان، فلسطين) أو أزمات عربية- عربية (سورية- لبنان، الجزائر- المغرب،...).

من زاوية الرهانات الاستراتيجية؛ فإنّ محور "الممانعة" يتعرقل بأزمات بنيوية أهمها إشكالية الدور الإيراني، وبدرجة أساسية في كل من العراق ولبنان، وكذلك أزمة الحكومة السورية في لبنان، وعدم القدرة على فك شيفرة التناقض بين خطابات هذا المحور العنترية ضد الاحتلال الأميركي والإسرائيلي وممارساته التي تتناقض في كثير من الأحيان مع خطاباته.

إلاّ أنّ الطرف الآخر، محور "الاعتدال العربي"، يمر أيضًا بمرحلة حرجة ومقلقة في سياق انسداد خياراته التي راهن عليها في قمة الرياض الأخيرة، وبالتحديد ما سمي بتسويق المبادرة العربية والترويج لصفقة تاريخية في المنطقة، فقد هبّت رياح لقاء أنابولس بما لا تشتهي هذه الدول، وتبين أنّ الوصول إلى تسوية سلمية في آخر عهد الرئيس بوش يكاد يكون مستحيلاً، في ظل الانقسام الفلسطيني والصراعات الداخلية الإسرائيلية وعدم رغبة الإدارة الأميركية ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي.

دمشق تشعر أكثر من أي وقتٍ مضى بكلفة الوضع اللبناني وتأثيره الحيوي على عزلتها عربيا ودولياً، وباتت تدرك كم تتسع الفجوة بينها وبين الدول الأخرى. لكن محور الاعتدال العربي الذي يغيب، بصورة غير رسمية، عن قمة دمشق يمرّ بأزمة مماثلة، بل أكثر سوءاً على مستوى الشارع، فلا يقدم بدائل ولا إجابات على إخفاق رهاناته، ويترك الجواب شاغرًا، والفراغ حاضرًا، في ظل نظام إقليمي عربي متخلخل، يبدو مكبّلاً بالكلية إلى درجة عدم القدرة على الاجتماع لخدمة مصالح أعضائه، على الرغم أنّ "الاجتماع" بمثابة نقطة الصفر التي لا غنى عنها لأي موقف ممكن!

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد