ما بعد قمة الانقسام

mainThumb

30-03-2008 12:00 AM

أسموها قمة التضامن. وفي التسمية مؤشر على حجم التكابر في التعامل مع قتامة المشهد العربي. فالقمة العربية الأولى التي تستضيفها دمشق هي قمة الانقسام. وتلك حقيقة تعرفها دمشق وأقرت بها الجامعة العربية وعكسها غياب قادة عرب رئيسين عنها. ورغم الخطاب غير التصعيدي الذي ساد الجلسة المفتوحة للقمة العربية العشرين أمس, تمثل قمة دمشق لحظة الذروة في الخلافات العربية التي وصفها أمين عام الجامعة العربية بغير المسبوقة.

كرست قمة دمشق الانقسام العربي بين تيارين تقود سورية, بالاعتماد على دعم إيران, احدهما وتمثل السعودية ومصر والأردن ركائز الآخر. ولعل في هذا الأثر الفوري المتوقع للقمة على العلاقات العربية سببا كان يستدعي عدم عقدها. لكن القمة انعقدت, ليكون ما لم يقل فيها أعمق الكلام إبلاغا عن عبثيتها, ولتبدأ بها مرحلة مفتوحة على تصعيد سياسي بين الدول العربية.

فالخلاف حول لبنان يشكل السبب الرئيس لتدهور العلاقات العربية والحاضر الأكبر في القمة رغم غياب التمثيل اللبناني فيها. سعت الدول العربية إلى حلحلة الأزمة اللبنانية, بدءا بملء المقعد الرئاسي الشاغر منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي, عبر مبادرة عربية حظيت بالإجماع. بيد أن السعودية ومصر وغيرهما من الدول العربية تعتقد أن سورية عطلت هذه المبادرة.

اشترطت الدولتان إجراءات سورية لتسهيل انتخاب رئيس لبناني وخطوات تخفف التوغل الإيراني في بلاد العرب لحضور القمة بتمثيل قيادي. لكن سورية ظلت على سياساتها التي ترى في استمرار الفوضى اللبنانية ورقة تعتقد وإيران أن مصلحتهما تستدعي عدم التفريط بها حاليا. مصادر سياسية عربية تقول إن سورية خيرت بين إصلاح العلاقات العربية وبين التحرر من المشروع الإيراني بمحاوره في لبنان والعراق وفلسطين فاختارت إيران. وكان مستوى التمثيل المخفض في قمة دمشق رسالة رفض لهذا الخيار.

ثمة من يتوقع الأسوأ في العلاقات العربية الآن. والأسوأ يمكن أن يحدث ويتجسد تعميقا للانقسام العربي ومزيدا من التأزيم في لبنان. فالسياسة السورية ترتكز, على ما يبدو, إلى اقتناع بامتلاك ما يكفي من الأوراق لحماية مصالحها. وسورية, باعتراف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع, أقوى في لبنان الآن مما كانت في عهد الوصاية. وهي ترى في تحالفها مع إيران محورا يغنيها عن العلاقات العربية. وتمتلك دمشق من التحالفات مع لاعبين غير حكوميين ما تظن أنه يمكنها من فرض أزمات مرحلية تستعملها عند الحاجة. وقد تلجأ سورية إلى التصعيد, معتمدة على هذه الأوراق, لتقوية موقفها في مرحلة ما بعد القمة.

لكن السعودية ومصر والأردن ما تزال تسعى إلى عدم إيصال العلاقات مع سورية إلى طريق مسدودة. ولعل هذا الهدف يفسر عدم مقاطعة هذه الدول قمة دمشق والاكتفاء بتخفيض التمثيل. وقد يؤدي هذا الحرص إلى الحؤول دون وصول الخلافات حد القطيعة. فهذه الدول تؤكد أنها تريد سورية ركيزة رئيسة في المنظومة العربية. وهي تعرف أن ازدياد التحالف السوري بإيران يمثل, من منظور استراتيجي. ضررا لها ولسورية وللمصلحة العربية. لذلك فإن مواقف هذه الدول, لا سياسات سورية, قد تحول دون وصول أزمة العلاقات معها إلى منحدرات أعمق.

بيد أن تحقيق هدف ما يسمى دول الاعتدال العربي في حماية لبنان وسورية من الهيمنة الإيرانية يستدعي تنسيقا أكثر مؤسساتية لطرح رؤية تتطور سياسة مبرمجة لإعادة سورية إلى الأفق العربي, الذي رغم كل علاته, يظل أكثر قدرة على خدمة المصالح العربية, بما فيها السورية.

ومع ذلك يظل قرار تنقية العلاقات العربية بيد سورية. وهذا لا يتطلب إلا إعادة تأطير العلاقة مع إيران ضمن أسس تجعلها علاقة ندية, وايجابية, تحترم السيادة العربية وتنأى عن اعتبار بلاد العرب ساحة لنفوذها, إضافة إلى احترام حق لبنان في السيادة والاستقلال والتحرر من التبعية لها.

فلا خلاف بين سورية ومصر والسعودية والأردن وغيرها من الدول العربية على قضايا محورية أخرى. لا يختلف موقف سورية عن موقف باقي الدول العربي في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل. سورية, كما باقي الدول العربية, تريد سلاما قائما على استعادة الأرض والحقوق وتؤيد المبادرة العربية للسلام. لا سورية تقول إنها تريد الحرب ولا هي تلوح بفتح جبهة الجولان. والتمسك بالمفاوضات سبيلا للحل موقف سورية كما هو موقف السعودية ومصر والأردن والقيادة الفلسطينية.

وللأسف لم يكن الإصلاح والتزام الديمقراطية واحترام حقوق المواطنين يوما قضية يطرحها العرب في قممهم أو سببا للخلاف. فهذا محرم لا يريد العرب, بمعظمهم, الاقتراب منه.

خلاصة القول أن الأزمة العربية التي عكستها قمة دمشق تتمحور حول لبنان والدور الإيراني. قرار النظام السوري الدوران في الفلك الإيراني واستعمال لبنان ساحة خلق الأزمة. تفاقم الأزمة أو حلها سيعتمد على ما ستتخذه سورية من قرارات وهي ترأس القمة العربية الآن, وعلى قدرة السعودية ومصر والأردن والدول العربية التي تلتقي معها على اعتماد سياسة مشتركة إزاء هذه الأزمة في مرحلة ما بعد قمة الانقسام.

safadi@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد