قوانين الانتخاب ارتجالا

mainThumb

24-10-2007 12:00 AM

أخف ما في حجج الرافضين لتعديل قانون الصوت الواحد المجزوء اعتبار تعديله غير دستوري! وحجة كهذه تعني ببساطة أن الدستور الأردني أقر عام 1993 بقانون مؤقت. والواقع أن القانون المسؤول الأول عما حاق بالحياة السياسية من خراب لا علاقة له بالدستور من قريب أو بعيد. مع أن قوانين الانتخاب في كل الدول تعتبر الرحم الحقيقي للدساتير.

بل إن المواد الأولى في الدستور الأميركي ما هي إلا قانون انتخاب -هذا قديما- أما تبدل الدول والأنظمة في العصر الحديث؛ دول الاشتراكية سابقا في الثمانينيات والجزائر وفلسطين وأفغانستان والعراق في تخوم الألفية الثانية، فكان قانون الانتخاب سابقا على الدستور أو متوازيا معه أو جزءا منه.

لا توجد في الإقليم دولة مستقرة مثل الأردن، ومسألة تعديل الدستور أو قانون الانتخاب، ضرب من الارتجال السياسي. لا يوجد قانون انتخاب مثالي، لكن هل كان ثمة ضرورة قاهرة عام 1993 تدعو إلى حل مجلس النواب وتغيير النظام الانتخابي الذي عرفته الدولة منذ تشكلت؟.

كان ثمة "مستشارون" يعتقدون أن معاهدة السلام لن تمر في ظل مجلس نيابي معبر عن أكثرية الشارع الأردني، فكان لا بد من تدمير تلك الأكثرية بالقانون. ليس صحيحا ذلك فحكومة طاهر المصري وما تلاها من حكومات شاركت في العملية السلمية حصلت على ثقة مجلس النواب المنتخب من خلال القائمة.

وجد قانون الصوت الواحد المجزوء من يدافع عنه، فهو قانون يخدم الشخصيات الفردية. حتى الشخصيات التي تعمل على مستوى محلي واسع لا تجد فرصتها فيه، فمن يخدم محافظة لا يجد فرصة أمام من يخدم عشيرة ذات عصبية، أو إثنية أو طائفة دون غيرها. كنت تقرأ لمن يقول أنه لا يحق للصوت المسلم أن يحسم التصويت للمقعد المسيحي، وهذا منتهى العنصرية والطائفية. فالمواطنة تعني أن يحسم المسيحي ولو قل عدده في المقعد المسلم وأن يحسم المسلم في المقعد المسيحي ولو كثر عدده. وفي التطبيق العملي وجدنا أن المسألة لا علاقة لها بالتعداد، فالمسيحيون ساهموا في إنجاح مسلمين والعكس حصل لأسباب سياسية، وعلى مستوى وطني كنت تجد عشائر صغيرة يصل مرشحوها على حساب عشائر كبيرة بسبب التحالفات السياسية.

تحارب بعض النخب لغة السياسة وتكرس مكانها لغة بدائية تخاطب الغرائز العنصرية في البشر طبعا بقناع من الحداثة لا يخفي بشاعتها. ومن يدرس التاريخ الأردني يجد أن السياسة ترفع أقواما وتضع آخرين، وأن الآخرين لم يستسلموا عقب عام 1989، وإنما ناضلوا وصولا إلى حل مجلس النواب عام 1993، وإقرار قانون الصوت الواحد المجزوء بشكل غير دستوري، وهو قانون أوصل إلى مجلس النواب شخصيات ما كان بعضها ليفوز في مجلس قروي. وبات مطلوبا من منتجات تلك الحقبة غير الدستورية إنتاج حياة دستورية عصرية، وأن?Zى لهم ذلك؟.

كلما نقترب من يوم الانتخابات ندرك كم تجز?Zأنا بفعل قانون الانتخاب. ليس لأن المرشحين السياسيين لا يجدون من يحالفون، لكن لأن العشائر نفسها صغرت أم كبرت تدرك حجم التشظي الذي حل بها نتيجة اختراق الإجماع. والكل يعرف مدى ديموقراطية الإجماع العشائري القائم على الدور والمخاجلة والضغوطات والإكراهات والحسابات الصغيرة جدا.

ومن يتابع الانتخابات في المناطق الأقل عشائرية يجد ما هو أسوأ، ففي دائرة توصف بأنها سياسية تجد من يشتري الذمم يحدثك حديث الوطنيين الأحرار، وتنتعش بورصة الأصوات والنقل. وتقام المضارب في رمزية تهدف إلى ما عرف في علم الاجتماع العربي "ترييف المدينة" ولا تجد ندوة انتخابية يتساجل فيها المرشحون حول برامجهم.

في آخر النفق بصيص ضوء، فالناخب لا يعكس سوء بعض المرشحين، وهو في ظل حيرته قادر على الأقل على إفشال "القائمة السوداء". وإن كان عاجزا عن إيصال أكثرية تمثله. القائمة السوداء هي كل مرشح يدعو إلى عصبية عشائرية أو طائفية أو إثنية ويحارب المواطنة. القائمة السوداء تعني مقاولي الأصوات الذين يعتقدون أن مواقف الناس خاضعة لمنطق البورصة في العرض والطلب. تلك القائمة محاربتها أوجب الواجبات.

أما من ينتخب الناس فهم قادرون على تمييز أصحاب الرأي والموقف والبرنامج، في اليسار كانوا أم اليمين، في المحافظة أم الانفتاح كل سواء. وإن أفلتت من قانون التجزيء أكثرية بمواصفات كهذه فإن أول أولياتها قانون انتخاب جديد. قانون يبتعد عن الارتجال ويرصد السجالات التي بدأت في الميثاق الوطني ولم تنته بالأجندة الوطنية.

أما إن وصلت "القائمة السوداء" فكل ما نطلبه منها تعديل بسيط على قانون الانتخاب يضع آلية لتسعير الصوت مربوطة بالبورصة تمنع استغلال الوسطاء والسماسرة عشية الانتتخابات!.

yaser.hilala@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد