الملك حين يعيد صياغة اولويات المنطقة

mainThumb

06-12-2007 12:00 AM

لا نجيد إطالة الوقوف أمام المرآة لكن صورتنا تكاد تنعكس على صفحة الأحداث الاقليمية الكبرى، ففي لحظة تاريخية موغلة في التشاؤم على المستوى الاقليمي كان للدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالة الملك الفضل الأساس في اعادة الأمل بسلام كان أن يصبح مستحيلاً..

وعلى مدى هذا العام الذي يوشك ان يطويه التاريخ استطاعت الدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالة الملك أن تسهم اسهاماً فاعلاً في اعادة ترتيب الأولويات الاقليمية بما يفضي الى وضع القضية الفلسطينية على رأس سلم تلك الأولويات.

الجهد الدبلوماسي الأردني بقيادة الملك كان حيوياً ومثابراً إذ انطلق من الممكن وصولاً الى المأمول ولم يكتف في استثمار الفرص المتاحة الى ذلك بل تجاوز ذلك الى صياغة الفرص وصناعتها وصولاً الى استعادة الدور والاشتراك المباشر في اعادة ترتيب الاجندة الاقليمية بما يضع الموضوع الفلسطيني على رأسها عبر اقناع دوائر صناعة القرار في عواصم القرار بان الاحتلال الاسرائيلي هو راس الدمل في المنطقة وليس أي شيء آخر..

وحين سنحت الفرصة للحديث الى اعضاء الكونجرس الاميركي الربيع الفائت كان جلالة الملك واضحاً تماماً في هذا الشأن اذ قصر الحديث في تلك المناسبة على موضوع واحد وهو أولوية فلسطين على ما عداها وها هي النتائج تتوالى سواء في موضوع استئناف المفاوضات بين طرفي النزاع او في استئناف الاتصالات بين واشنطن ودمشق.. وللموضوع الأخير قصة تروى..

لقد قرأ الملك المشهد الاقليمي والقوى الدولية المؤثرة فيه ليس عبر لغة اتخاذ الموقف التسجيلي منه بل تجاوز ذلك الى الاسهام الفعلي والمباشر في التاثير فيه واعادة ترتيب أولوياته بما يفضي الى استبعاد لغة القوة والتهديد بها والاستعاضة عنها بمفردات سلمية قائمة على جداول زمنية.

لم يكن بعيداً عن العقل الأردني امر استعادة ثقل الشقيقة سورية لتكون بوزنها النوعي جزءاً من سياق الحركة السلمية فكان الاختراق السياسي الكبير الذي تمثل في ايصال الحرارة الى خطوط الاتصال بين العواصم العربية.

ان الثقة بامكانية استثمار كل مكونات القوة العربية هي ما دفع جلالة الملك الى فتح ثغرة في جدار الشك بين دمشق والعواصم العربية واستثمار الوزن النوعي لعاصمة الأمويين ليس في سياق الاستقطابات الدولية والاقليمية بل في سياق صناعة التسويات التي تبعد شبح التوتر والتهديد وتضع أرضية ملائمة لانجاز تسويات تاريخية المنطقة في امس الحاجة اليها.

الدبلوماسية الأردنية تعلم يقينا ان الانقسام لدى الطبقة السياسية الاميركية قد بلغ اشده وتجاوزت الاختلافات هناك الحديث حول الكيفيات الى الحديث حول اعادة ترتيب الاولويات .. من هنا كان امر السعي الى وضع الثقل العربي في سياق ترجيح كفة على اخرى بما يصب في مصلحة شعوب اقليمنا المبتلى بالأزمات..

ولم يكن امرا سهلا انتزاع موافقة اميركية على اشراك سورية في انابوليس كما انه لم يكن امراً في متناول اليد ان يجري تجميد الاختلافات العربية في قراءة المشهد اللبناني لكن الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك وفي هذين الشأنين تحديدا صنعت ما يشبه المعجزة في تذليل العقبات لتسهم إسهاماً فاعلاً في توحيد الموقف العربي ومن ثم توجيه ثقل هذا التوحد صوب الضغط على واشنطن لاشراك الشقيقة سورية في السياقات السلمية بدلاً من الاستقطابات والمحاور..

عمان كانت قطب الرحى في المشهد كله والاتصالات في مختلف الاتجاهات تنطلق من عمان والهدف واضح تماما ويتجلى في جملة: ان غياب السلام معناه الانزلاق الى المجهول وهو في المحصلة غياب ليس في مصلحة احد.

الوعي بالمصلحة العليا عربياً كانت هي البوصلة التي تسترشد بها الدبلوماسية العربية ووضوح الرؤية في هذا السياق هو ما جعل الجهد الأردني ينصب مباشرة الى مكامن العقد المستعصية بحثا عن حلول لها وليس صياغة مواقف تسجيلية حولها .. هذا هو بالضبط منطق التفكير الدبلوماسي الأردني وهذه هي محصلة عام من الجهد المثابر الدؤوب : استعادة للثقل السوري واعادة صياغة للاولويات الاقليمية وتفكيك العقد وفتح الطرق المغلقة بين العواصم العربية..

انها جهود لا تحتاج الى إطالة الوقوف أمام المرآة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد