حاوياتٌ أم ملاجئْ

mainThumb

04-12-2007 12:00 AM

لم تعد الوظيفة التقليدية للحاويات إيواء النفايات تمهيدا لجمعها ومعالجتها وفق السياسات البيئية المتبعة، بل أصحبت الحاويات تؤدي وظيفة جديدة مؤلمة تشير إلى التردي الكبير في قيمة الحياة التي نعيش ، وإنحدار المنظومة القيمية التي يتبناها البعض منا، هذه الوظيفة باتت تتمثل في إيواء أطفال حديثي الولادة وأطفال آخرين تخلت عنهم الحياة و ألقت بهم في الشوارع.

فليس من المبالغة القول أن حاويات النفايات أصبحت أكثر دفئا من قلوب البعض وأكثر عطفا منا على أطفالنا، ولكنها صرخت في وجوهنا مؤخرا فقتلت أحد أبنائنا وكادت أن تقتل زهرة أردنية بريئة إلا من خطيئة والديها، لم يكن يفصلها عن الموت إلا ان تدور كابسة النفايات فتسحق عظامها الغضة لتصير مؤودة الزمن الجديد.. جريمةً وخطيئةً ولعنةً تلاحقنا إلى الأبد. فما هي الأسباب؟ ومن هو المسؤول؟ وكيف لنا أن نوقف هذه "الظاهرة" التي لا يعد ممكنا تجاهلها إلا أن نكون شركاء في "الجريمة".

ويظل السؤال الكبير: إلى أين سنصل وأين سنجد أطفالنا بعد حين إذا مرت هذه الحوادث سريعا دون أن تثير فينا الأسئلة و واجب التحرك والعمل لإيقافها؟. إن تكرار الحوادث التي يكون عنوانها " في حاويتنا طفل" جعلت انتسابنا إلى الإنسانية موضع شك كبير ، وإن ناقوس خطر كبير لا بد أن يقرع في وجهنا حتى نعيد حسباتنا ونتصالح مع أنفسنا من جديد، فربما تغفر لنا أرواح الضحايا، وربما يسامحنا الأطفال وربما تحترمنا الحاويات فلا يفوح منها عفن إنسانيتنا التي طال لعيها الأمد ولمّا تتطهر. لم يعد مقنعا القول إن الفقر والجهل وتردي مستوى الحياة هم فقط أسباب المشكلة، فهذه "الأزمة" يتحمل مسؤوليتها الأفراد والمؤسسات ذات العلاقة ، وكلنا يصبح ذا علاقة عندما تكون الحياة على المحك وكلنا يصبح معنيا عندما يصبح احترام إنسانية الإنسان هو السؤال. فأين هي المؤسسات التي تقوم على رعاية الطفولة وأين هي فرق عملها التي يجب أن يكون واجبها ممتدا خارج المكاتب ليصل إلى الشوارع ومواقف السيارات والأسواق الشعبية والحارات والأزقة والمدارس وحتى الحاويات.

وأين هم آباء وأمهات الخطئية، في أي مجتمع يعيشون؟ من أي المدارس أو الجامعات تعلموا؟ وفي أي الأسر تربوا؟ أين الأمومة الخاطئة وأين الأبوة المجرمة؟ وأين هم مما اقترفت أيديهم من كبائر؟ إن خطأً تتم موارته بخطيئة هو جريمة شنعاء يستحق مرتكبها أشد أنواع العقاب، وإن برامج إصلاح وتقويم لا بد من وضعها للتوعية وتقويم السلوك المنحرف. هناك ثورة اجتماعية إيجابية لا بد من إعلانها على مظاهر الفساد الخُلقي والعبث والفجور، وإن تراثا إنسانيا غنيا بالقيم والمبادئ لا بد أن يُصان وتحفظ عليه قداسته من أن تتلوث بموبقات الزمن الجديد من "فضائيات/ حاويات" و" خلويات/ حاويات أيضا" وتقنيات لم يعد أكثرها يبث إلا السموم والقرف. وإن غضبة للحق وللإنسان لا بد أن يُعلن عنها حتى تستقيم الحياة ويبقى من الممكن العيش فيها، فقد كانت حاويات فجعلنها ملاجئ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد