أنابوليس ونظرة إلى المستقبل

mainThumb

25-11-2007 12:00 AM

يعتقد نصير عاروري أن اتفاق أوسلو - وتداعياته- ربما كان من أسوأ ما حل بالقضية الفلسطينية، فقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية سلسلة جديدة من السياسات المعادية بدأتها بالحصار على المفاوضات واغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي من قادة حماس، حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، والحصار الدبلوماسي على الفلسطينيين ومؤسساتهم الوطنية، ومصادرة الوضع النهائي من قضايا الحدود واللاجئين والمستوطنات والقدس، وأصبحت هذه المسائل مهملة في السياسة والرؤية الأميركية، وأخيرا أقيم جدار الفصل العنصري في تعبير عن تحولات حادة في السياسة الأميركية.

وهنا يتساءل عاروري ماذا يمكن أن نتوقع للمستقبل؟ هل سنشهد تغيرا بنيويا لدى اللاعبين الأساسيين، الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل أو الفلسطينيين يضمن حدوث توقع ما في المرحلة القادمة؟ هل سنشهد تغيرا لدى اللاعبين الثلاثة على المدى القريب أو البعيد بحيث يؤدي إلى نتائج قابلة للحياة والتطبيق؟ وبعد غياب ياسر عرفات عن الساحة ثم غياب شارون، وانتخاب محمود عباس المقبول أميركيا وإسرائيليا رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتعتمد إستراتيجيته بشكل عام على تسوية تقدمها واشنطن، ثم انتخاب حركة حماس بأكثرية كبيرة والتي شكلت حكومتها التي أقالها عباس، ثم انفردت حماس بالحكم في غزة على نحو تعتبره قيادة السلطة انقلابا عليها.

يجيب عاروري بأنه ليس من المنتظر أن يحدث تغير في المستقبل المنظور، وبخاصة أن الزعماء الإسرائيليين على اختلاف أطيافهم متحدون في معارضة دولة فلسطينية مستقلة، أو قابلة للحياة، أو غير ممزقة جغرافيا، أو بحدود ما قبل 4 يونيو/حزيران 1967 أو عاصمتها القدس.

ومع الانتصار الانتخابي الذي حققته حماس في انتخابات المجلس التشريعي في 25 يناير/كانون الثاني 2006 تعرض المشهد الفلسطيني لما يشبه الزلزال، ومن المؤكد بتقدير عاروري أن الفلسطينيين لم يصوتوا لدولة دينية بين النهر والبحر، ولكنهم كانوا يعبرون عن فقدانهم الثقة بقيادة الحزب الفتحاوي الحاكم، والذين تلطخت سمعتهم بالفساد والمحسوبية، وعن رفضهم واستنكارهم للتسامح الأميركي في التعامل مع إسرائيل بعد أن تجاوز كل الحدود الأخلاقية والقانونية، وكان التصويت بالتأكيد تحديا خطيرا لاستراتيجية عباس في اعتمادها الكلي على واشنطن، فلم تف بوعد الدولة الفلسطينية، ولا أزاحت عن كاهل الفلسطينيين شيئا مما يعانونه في ظل حصار خانق واقتصاد معدم.

ولكن المشهد على المدى البعيد يبدو بتقدير عاروري مختلفا جدا، يستوي في مستوى اللاعبين الثلاثة المتشبثين بأهدافهم الثابتة، فواشنطن تعرف تماما أن كل فرص النجاح لاستراتيجية الخروج من العراق وتخطيط مستقبل الشرق الأوسط يعتمدان على قدرة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على تكوين مناخ من الاستقرار لمشروع إسرائيل الاستعماري الذي يتلطى متخفيا وراء عملية السلام.

وهذا ما عبر عنه جون بلجر بوضوح شديد بالقول: إن ما يجري في فلسطين ليس إلا حربا أميركية تشنها من قاعدتها العسكرية حتى العظم، إسرائيل، إننا في الغرب مبرمجون على ألا نفكر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بهذه الاصطلاحات، مثلما أننا مبرمجون أيضا على أن نعتبر الإسرائيليين ضحايا، وليس باعتبارهم قوة احتلال غاشمة وغير قانونية.

ويختم عاروري كتابه "أميركا الخصم والحكم" بالقول إن عملية السلام التي تتعثر وتتقهقر منذ ثلاثة عقود وفي ظل الإستراتيجية الأميركية التي تضع السلام في آخر اعتباراتها ولا تعنى إلا بالإجراءات البيروقراطية المعدة سلفا لتفسير الماء بالماء والمحاطة بهالة من المزاعم والادعاءات حول المعجزات الدبلوماسية المنتظرة ولعل وهم السلام الذي زعمته الاتفاقيات أعظم خطرا من الوضع الحالي المتردي، فإن مؤتمر أنابوليس يبدو إعلاميا أكثر مما هو شيء آخر، ورغم أن كوندوليزا رايس أكدت أن المؤتمر ليس لالتقاط الصور التذكارية، ولكنه يبدو أنه كذلك بالفعل.

فهذه القوى التي تنشر الأوهام وتزين السراب لا تفتأ تحرّف جوهر الصراع، وتنسف كل مسعى طيب للوصول إلى حل حقيقي، وهي بذلك تطيل عمر الاحتلال، وتعيق فرص السلام العادل.

ibrahim.gharaibeh@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد