أنابوليس: المعنى والإخراج

mainThumb

28-11-2007 12:00 AM

لا يوجد ما يدفع إلى سقف توقعات عالٍ، وربما منخفض، لنتائج ملتقى أنابوليس. وبعيداً عن كل ما قيل إعلامياً عن نجاحات تمّ تحقيقها في المفاوضات السرية الإسرائيلية- الفلسطينية فإنّ ما تمّ الإعلان عنه مؤخراً لا يُمثِّل أية خطوة إلى الأمام في قضايا الحل النهائي المعقدة والحسّاسة.

فضلاً عن ذلك؛ إذا كان المفاوضون الفلسطينيون أكثر جرأة على تقديم تنازلات مؤلمة وحساسة، تُعتبر بمثابة "محرمات"، فإنّ أولمرت أضعف من أن يقدّم شيئاً ملموساً للفلسطينيين، في سياق وضعه السياسي الهشّ. والأصوات الإسرائيلية الأخيرة تتحدّث عن مطالب"تعجيزية" من الفلسطينيين بهدف إفشال جهود أولمرت.

العرب الذين نشّطوا جهودهم نحو التسوية السلمية بعد قمة الرياض الأخيرة وقدّموا المبادرة العربية وشكّلوا لجنة لتسويقها، حتى داخل الأوساط الإسرائيلية، عادوا وتناسوا المبادرة وما تضمنته، ولا أحد منهم يعلِّق آمالاً تُذكر على "الصفقة التاريخية" المطروحة مع إسرائيل، من حيث الكلفة والجائزة، بل حصلت إسرائيل في أنابولس على جزء من الجائزة دون أن تدفع قرشاً واحداً، او مقابل وعود وضمانات ستُغسل بالماء البارد خلال السنوات القادمة!

وجد معسكر "الاعتدال" العربي نفسه قبل أنابولس أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ إما عدم الذهاب إلى هناك مع ما يتضمنه ذلك من كلفة عالية وكبيرة على "معسكر الاعتدال"، وإمّا الذهاب دون تحقيق الحدود الدنيا من توقعاتهم ومطالبهم السابقة، مع التفكير بمخاطر الإخفاق وتداعياته السلبية الكبيرة.

فعدم انعقاد انابولس يعني تلاشي أفق العملية السلمية، وتعزيز دعاوى معسكر "الممانعة"، وتجذّر وتصدُّر القوى "الغاضبة" في الشارع العربي، جرّاء حالة الإحباط وخيبات الأمل من الأميركيين ومن الأوضاع الاقتصادية والإقليمية بصورة عامة. ومن ناحية ثانية؛ فإنّ عدم الذهاب إلى أنابولس سيعزز من مخاطر تدهور الوضع الفلسطيني وسيُضعف سلطة الرئيس محمود عباس في مواجهة حركة حماس، حتى في داخل الضفة الغربية – كما تتوقع المصادر الأمنية الإسرائيلية-. ومن ناحية ثالثة؛ فإنّ إسرائيل هي المستفيد الأول والرئيس من عدم انعقاد هذا الملتقى، إذ تمضي عملية الاستيطان على قدم وساق في خلق واقع جديد يضيف أوراق قوة وضغطا لصالح الإسرائيليين، مع الاستمرار في بناء "الجدار العنصري" الذي يلغي المعنى الجيوستراتيجي للدولة الفلسطينية المفترضة، وكذلك يعزز من رهانات فريق كبير من السياسيين الإسرائيليين على الانقسام الفلسطيني ودوره في إضعاف فرص إقامة الدولة أو خلق سيناريوهات أقل كلفة استراتيجية على الجانب الإسرائيلي.

في المقابل؛ قرّر العرب الذهاب إلى أنابوليس دون وجود أية آمال حقيقية في الوصول إلى اتفاق نهائي أو جدول واضح لإقامة "دولة فلسطينية"، بعد حلّ معضلات الوضع النهائي. ويكمن هاجس معسكر الاعتدال العربي الرئيس في "ثمن الفشل" الذي سيكون أشد وطأة وأكثر تأثيراً من عدم الذهاب ابتداءً. فالفشل يعني تلاشي الفرصة الأخيرة لعملية التسوية في عهد الإدارة الأميركية الحالية، وسيستثمر معسكر الممانعة هذا الفشل بصورة أكبر وأقوى من عدم انعقاد الملتقى ابتداءً. ووفقاً لتقديرات المحللين فإنّ فشل أنابولس 2007، بعد فشل(كامب ديفيد 2) 2000 يعني ضربة أخرى موجعة كثيراً في رأس "التسوية السلمية"، ولن تكون أية جهود أميركية ودولية جديدة قبل عام2010، مع ملاحظة أنّ السنوات القادمة ربما تكون حاسمة وتحمل في جعبتها عواصف إقليمية شديدة كفيلة بتحريك المياه الراكدة.

الإدارة الأميركية من جهتها معنية بانعقاد أنابوليس وتجنب إعلان فشله، فهي تعد وترتب الأوراق الإقليمية تمهيداً للتعامل بصورة حاسمة وأكثر جدية مع الملف الإيراني، وكي تساعد الحلفاء والأصدقاء العرب، وتُجنّبهم الإحراج، لا بد من "تسكين" الوضع الفلسطيني خلال المرحلة القادمة، بأي صورة كانت، سعياً لانتزاع ورقة أخرى من أوراق النفوذ الإيراني.

ليس من مصلحة أولمرت، أيضاً، إعلان فشل المؤتمر، ويحاول الاتكاء عليه في "لعبة البقاء" – على حد تعبير الزميل حسن البراري- في مواجهة خصومه، ومحاولات الإطاحة به.

إذن؛ ثمة معادلة واضحة تحكم مخرجات أنابولس؛ ليس هنالك أمل في الوصول إلى اتفاق نهائي ولا إلى إحراز تقدّم حقيقي في القضايا المحورية، في المقابل لا مجال لإعلان فشل المؤتمر رسمياً. لذلك سيكون حلّ هذه المعادلة باستراتيجية "شراء الوقت" وتسويق الوعود والضمانات المكتوبة والشفوية، وربما نسمع عن ذلك بكثافة تغطي على "ضحالة المضمون السياسي" للمؤتمر، وقد نسمع – أيضاً- عن "وديعة بوش" وغيرها من قصص جميعها ستتلاشى أمام تعقيدات الواقع وتحولاته في المستقبل.

وإمعاناً في الإخراج الإعلامي والتسويق السياسي للمؤتمر فسيكون هنالك أضواء جانبية باهرة كالحديث عن مشاريع اقتصادية وتوفير فرص عمل، وتسهيل الإجراءات الأمنية بحق الفلسطينيين، وتشكيل لجان متابعة للأزمات التي قد تعصف بالمفاوضات في المرحلة القادمة، ورعاية أميركية مباشرة لهذه المحادثات..

يؤكد مسؤول أردني رفيع أنّ كثيراً من الأمال العربية التي عُلّقت على المؤتمر الدولي تلاشت مبكراً، وأصبح المطلوب أن يتم الخروج ولو بأية "ورقة" يمكن أن يبنى عليها مستقبلاً خطوات قادمة، وتُجنِّب الأطراف المختلفة كلفة إعلان الفشل، وتُبقي الباب مفتوحاً في المستقبل لأية آفاق جديدة. ويذهب هذا المسؤول أنّ ما يمكن تطبيقه حالياً على أرض الواقع هو "المرحلة الأولى من خارطة الطريق"؛ أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي أعادت احتلالها بعد فشل المفاوضات مقابل تعهد فلسطيني بتدمير البنية التحتية للمنظمات الإسلامية المعادية للمسيرة السلمية.

الملاحظة السابقة يؤكدها كاهن السياسة الخارجية الأميركية، هنري كيسنجر، بقوله:"لا يستطيع مؤتمر أنابولس أن يكون نهاية شوط العملية السلمية؛ بل يجب أن يكون بالأحرى أرضية لمرحلة جديدة تبعث على الأمل تستمر مع الحكومات المقبلة. لكن يجب ألا تسيّ?Zر وفق التقويم السياسي الأميركي.إذ لو طلب من أي طرف في المفاوضات سواء كان العرب أو الإسرائيليين أو الأميركيين أكثر مما يستطيعون تحمله فإن هناك خطرا من وقوع فشل أكبر لها".

لن يعود العرب بـ"خُف?Zي حنين" من أنابوليس، لكنهم لن يشتروا – ولن يسوّقوا- سوى أوهام لتمريرها على الرأي العام العربي في سياق الإحماء لمعركة إيران القادمة!

يكمن مأزق الاعتدال العربي في أنّ الأبواب التي يطرقونها - بحثاً عن مخرج من الراهن البائس- مغلقة.

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد