ماذا يعني تراجع الوسط في الإخوان؟

mainThumb

02-12-2007 12:00 AM

تكمن الدلالة الرئيسة لقرار مجلس شورى الإخوان المسلمين الأخير - بحلّ نفسه والدعوة إلى انتخابات تنظيمية مبكرة- أنّ "انقلاباً أبيض" قد جرى على القيادة الحالية لكل من الجماعة والحزب، وأنّ تيار الوسط في طريقه إلى التراجع السريع وفقدان القيادة، وربما فقدان جزء كبير من نفوذه وحضوره داخل الجماعة.

ما سبق لا يدخل في سياق المجازفة بالتكهنات أو المبالغة في تقدير حجم الهزة التي تعرّض لها تيار الوسط، بقدر ما هي قراءة بدهية لمسار التطورات الأخيرة وجملة الانتكاسات والضربات التي تلقاها هذا التيار منذ عودته إلى القيادة قبل عام تقريباً.

بعيداً عن الأسباب "الجدلية" حول أسباب "هزيمة الإخوان" في الانتخابات النيابية الأخيرة، فإنّ تيار الوسط قد وقع ضحية طرفين؛ الأول هو التيار المتشدد داخل الجماعة الذي عمل بنشاط هائل على تشويه صورة تيار الوسط وقياداته ليس فقط أمام القواعد الإخوانية بل أمام الرأي العام، ما انعكس على مستوى الحماس للحملة الانتخابية من ناحية وعلى شعبية الإخوان من ناحية ثانية. أمّا الطرف الثاني فهي بلا شك الحكومة، التي إن قبلنا، جدلاً، عدم تدخلها المباشر ضد مرشحي الإخوان في الانتخابات فإنّها اتخذت موقف "الحياد السلبي" ازاء ظواهر بيع الأصوات وشرائها ونقلها بالآلاف بصورة أساءت للبلد وشوّهت معنى الحياة السياسية بأسرها، وكان المتضرر الرئيس من ذلك مرشحو الإخوان الذين استطاع منافسوهم في العديد من الدوائر الحصول على "ارقام فلكية".

لن نعود إلى مناقشة ما جرى في الانتخابات النيابية لكن قيادات تيار الوسط تشعر بحالة من "خيبة الأمل" الشديدة. فقد عملت هذه القيادات على تقديم كافة "أوراق الاعتماد" مرة أخرى لنزع مشروعية الدعاوى التي تُكال ضد الجماعة، واستطاع هذا التيار أن يرسم ملامح قائمة المرشحين، وان يستبعد – لأول مرة في تاريخ مشاركة الحركة الإسلامية النيابية- عدداً من الصقور، الذين لا يعكسون حقيقة التطور في الخطاب الفكري والإصلاحي للجماعة، كما دفع الوسط باتجاه المشاركة في الانتخابات وبوضع قائمة عنوانها "المشاركة لا المغالبة" ما ينفي "الهواجس المفترضة" من الإخوان وأجندتهم، واستعان الوسط كذلك بالشخصيات الإخوانية التاريخية التي لعبت دوراً كبيراً في بناء علاقة إيجابية مع الحكومات المتعاقبة.

على الرغم من كل الرسائل السابقة، فإنّ الوسط لم يتلق أية ردود مشجعة تحفّز الخطوات والمواقف الجريئة التي اتخذها، بل كانت هنالك إشارات سلبية كالتسريبات الإعلامية حول عدم رضا بعض الجهات عن اللقاء الذي تم بين الرئيس البخيت وقيادات في الحركة عشية إعلانها المشاركة في الانتخابات النيابية.

في المحصلة تلقى الوسط ضربة موجعة في الرأس مع الانتخابات النيابية، أصابته بالصدمة الكبيرة، ما شجع خصومه على التحضير للإطاحة به واستعادة كل من الصقور والمقربين من حماس لمقاليد القيادة داخل الحركة الإسلامية بشقيها جماعة الإخوان وجبهة العمل الإسلامي.

لكن ماذا يعني تراجع الوسط والانتصار المتوقع لكل من الصقور والمقربين من حماس في الانتخابات التنظيمية المبكرة القادمة؟..

يعني ذلك أنّ تيار الوسط الذي تولى القيادة وراهن على قدرته في تخفيف حدة الأزمة مع الحكومة قد فشل، ما يعني – أيضاً- أنّ مقولة "الأزمة مع الحكومة هي غيمة صيف وتنقشع" غير صحيحة. فالعلاقة بين الطرفين لم تكن "زواجاً كاثوليكياً" خلال السنوات السابقة، كما يرى البعض، وإنما "زواج متعة" بني على مصالح متبادلة وظروف سياسية معينة، هي نفسها الظروف التي بدأت تدفع بالعلاقة بين الطرفين منذ سنوات نحو "الطلاق".

فالحكومة ماضية في طريق إعادة هيكلة الحضور الاجتماعي والسياسي للجماعة، والمسؤولون الرسميون على قناعة أنّ الجماعة قد أخذت أكبر من حجمها الطبيعي بسبب التساهل معها، خلال العقود السابقة، وقد آن الأوان لوضع حدود صارمة على نشاطها وبنيتها التنظيمية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فقد اعتمدت الحكومة استراتيجية "المواجهة غير الرأسية" مع الجماعة، والتي تقوم على قضم مستمر لمؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية ومساحات نفوذها المختلفة، وتفكيك أدواتها بصورة متتالية، ما يكفل إضعاف الجماعة بصورة كبيرة، دون الحاجة إلى مواجهة "رأسية".

إلاّ أنّ رجحان كفة التيار المتشدد في قيادة الحركة، قريباً، قد يدفع بالأزمة إلى أبعد من الاستراتيجية السابقة وإلى سيناريوهات مفتوحة تصل إلى احتمال حظر الجماعة أو الحزب أو اعتقال قيادات مفصلية، وهي الاحتمالات التي دُرست على المستويات الرسمية عندما تفجّرت أزمة الانتخابات البلدية وتجاوز الخطاب المتبادل بين الحكومة والإخوان الحدود المتعارف عليها في النقد.

ويؤشر تراجُع الوسط إلى أنّ أجندة "توطين العمل الإسلامي" قد فشلت. تلك الأجندة التي تقوم على الاهتمام أكثر بالشأن الداخلي الأردني، واتخاذ مسافة واضحة عن حركة حماس، ليس سياسياً بل تنظيمياً. في المقابل هنالك علاقة وطيدة بين المكتب السياسي لحركة حماس وبين نخب قيادية وفاعلة في الإخوان، وحماس معنية بوجود تأثير عميق لها في الأردن، في إطار الاستقطاب الإقليمي والصراع بينها وبين المنظمات الأخرى على النفوذ داخل التجمعات الفلسطينية المختلفة.

ربما يشعر بعض المسؤولين بارتياح شديد، إذ إنّ الإخوان يخسرون موقعاً تلو الآخر، و(بالونات الاختبار) كافة توحي أنّ رد فعل الجماعة محدود وضعيف، ولا يشكل خطراً حقيقياً. إلاّ أنّ هذا الرهان يطرح التساؤل عن "كلفته الاستراتيجية" في سياق الإرهاصات الحالية لعودة التيار المتشدد الذي يدفع بالجماعة إلى الوراء والانكفاء بدلاً من إدماجها في الحياة السياسية وتطوير خطابها وممارستها نحو قدر أكبر من الواقعية والعقلانية.

بعض خصوم الإخوان يجادلون أنّ سيطرة التيار المتشدد أفضل؛ فوجود التيار المعتدل في القيادة وإتقانه فن التحايل على الأزمات والهروب من "حافة الهاوية" هو الذي أوصل الإخوان إلى هذه الدرجة من القوة والنفوذ، تلك القوة التي باتت تقلق المؤسسة الرسمية – على المستوى الاستراتيجي- وترى أن مواجهتها بمثابة أولوية على الصعيد السياسي الداخلي.

"المقاربة الرسمية" وإن أتت أكلها على المدى القريب فإنّ نتائجها على المستوى البعيد كارثية، والحل الأنجع ليس ضرب تيار "الاعتدال البراغماتي" داخل جماعة الإخوان والمساهمة بالإطاحة به، بل المطلوب تعزيزه وتجذيره صوناً لتيارات الإسلام السياسي من الانزلاق إلى الانغلاق والعنف والتطرف، ما يشكل مصدر تهديد وقلق دائم وسدّاً حقيقياً أمام المضي قدما في عملية الإصلاح السياسي.

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد