بوادر تواطؤ .. إسرا-امريكي .. مع إيران بعد مسرحية .. وهم السلام .. في أنابوليس

mainThumb

08-12-2007 12:00 AM

يعطي ساسة ودبلوماسيون عرب مهلة ثلاثة أشهر كحد أقصى لتقدير النوايا "الاسرا-امريكية" حيال تنفيذ وعود أنابوليس فيما يتعلق بإطلاق مفاوضات متواصلة حول الملفات الجوهرية الستة ضمن جدول زمني حدد أواخر العام المقبل سقفا لإنجاز حل الدولتين لشعبين.

المد والجزر السياسي سيبدأ مع انطلاق المفاوضات الثنائية يوم 12 كانون أول في المنطقة برعاية واشنطن لتنفيذ المرحة الأولى من خارطة الطريق بالتزامن مع فتح مفاوضات لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الرئيس الامريكي جورج بوش سيجول في الضفة الغربية وإسرائيل مطلع العام المقبل لإطلاق مفاوضات يفترض أن تشكل امتحاناً لنوايا السلام في المرحلة المقبلة وعنوانا للجهد الامريكي قبل أن يغادر البيت الأبيض.

لكن الجهد الدبلوماسي سينتهي, على الأرجح, من حيث بدأ في أنابوليس.

فمسرحية "وهم السلام" واضحة للفرقاء.

سيتفرج الجميع على "طبخة حصى" ستطهى داخل قدر كبير يوضع على نار هادئة لإلهاء الجائعين بينما تتقاسم إيران من جهة وإسرا-امريكا من جهة أخرى كعكة نفوذهما في شرق أوسط جديد على أنقاض العالم العربي.

سياسات المماطلة "الإسرا-امريكية" ستعطي فسحة تنفس مرحلية للأطراف الثلاثة المأزومة. لكن ما توصف بـ "دول الاعتدال العربي" تتجه مرة أخرى لدفع ثمن فاتورة التخاذل العالمي/ الإقليمي عبر حشرها في الزاوية وكشف مقدار ضعف إمكانياتها في التأثير على مستقبل المنطقة.

بوش يستفيد من مسرحية "وهم السلام" لتغطية عورته في غسق ولايته الثانية. إذ سيحاول ترحيل ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى خلفه في البيت الأبيض بينما يحاول مساعدوه إيجاد ملطف أجواء لورطة العراق أو تسخينها تمهيدا لضرب إيران .

رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يكسب الوقت هربا وسط فضائح سياسية وعسكرية ومالية وجنسية من دون أن يعطي شيئا أو يمد خيوطاً تساعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إنقاذ الوضع. أما عباس فيظل مكبلا بين حماس وقواعدها الشعبية المناوئة للجهد الامريكي وبين تقديم مزيد من التنازلات قد تطيح بحياته السياسية وربما الجسدية من دون مقابل. تتجلى هذه الوصفة أكثر مع بدء التفاوض الشرس وتصعيد المواقف بين الإسرائيليين والفلسطينيين بينما ينشغل الجميع داخل وخارج المنطقة بمسألة التوازن الإقليمي.

امريكا سترتكز على إسرائيل وإيران لتحقيق ذلك.

إقليميا, تقترب دول الخليج من التحاور مع إيران وتتجه للاعتماد على تعزيز قدراتها الأمنية والدفاعية الذاتية مع التخفيف من الاعتماد على دور القوى الكبرى في تحقيق التوازن العسكري والسياسي في المنطقة.

من هنا جاءت سابقة مشاركة إيران في قمة مجلس التعاون الخليجي بناء على دعوة الدولة المضيفة قطر المعروفة بسياسات الانتهازية واللعب على الحبال.

الرئيس الإيراني محمد احمدي نجاد دعا في كلمته أمام القمة إلى إحداث تقارب عملي بين الطرفين ربما من خلال قيام تحالفات أمنية واقتصادية. قطر تدفع الآن إلى إقامة علاقات أوثق بين التكتل العربي الأغنى وإيران من دون أن يكون ذلك على حساب تحالف المجموعة القوي مع امريكا.

قبلها أعلن بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (ذراع إيران في العراق) عن "إعلان مبادئ" امريكي-عراقي لم يشر إلى جدول زمني لخروج قوات الاحتلال الأمريكي من العراق بعد التمديد الأخير لها لنهاية السنة.

ذلك الإعلان يمهد لاحتلال مدني طويل الأمد بين طرفين غير متكافئين ويضع أسسا للتعامل بين البلدين في المستقبل لا يقتصر على الجانب الأمني بل يتناول مجالات أخرى مهمة اقتصادية وسياسية. وفي الخلفية نشر قواعد عسكرية دائمة تحمي إمدادات النفط الامريكي.

ضمن معادلة تقاسم الكعكة, تتجه إسرائيل للتحكم بالمنطقة الكردية شمال العراق فيما تهيمن إيران على الشريط الممتد من بغداد إلى جنوب العراق. ويبقى السنة محشورين في الوسط والمناطق الشرقية إلى جانب الإبقاء على"جيب للنشاط القاعدي" يغذي التوتر المطلوب.

في خلفية المشهد تداعيات قيام وكالات الاستخبارات الامريكية, التي تضم 16 جهازا, بإطلاق نبرة إيجابية مفادها أن إيران علقت منذ العام 2003 برنامجها لامتلاك سلاح نووي وسط تضارب في مواقف الإدارة الامريكية.

البعض يرى في تقرير ال"سي آي إي" صفقة ضمنية مع إيران تتسق مع خطوات الدوحة وبغداد ووسيلة للتخفيف من سياسة الضغط على إيران, بينما يصر بوش أن شيئا "لم يتغير وأن الدبلوماسية المثلى هي إبقاء كل الخيارات مطروحة بما فيها الخيار العسكري".

عودة إلى سيناريو السلام ما بعد المفاوضات يوم الأربعاء.

المرحلة الأولى تتطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية أن تكافح ما يسمى بالإرهاب الفلسطيني مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين, رفع الحصار, وقف الاستيطان ووضع جدول زمني جدي للمراقبة وآلية لحل المشاكل عندما تنشأ.

بالتزامن تطلق مفاوضات ثنائية حول الحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس, تقاسم المياه والعلاقات المستقبلية.

سيناريو الانهيار

لكن لن يحرز تقدم.

فنوايا إسرائيل التعطيلية المعهودة بدأت بالظهور فور الانتهاء من اجتماع أنابوليس عبر تصريحات لأصحاب القرار قللت من أهمية ما حدث هناك ونفت ضرورة الالتزام بالفترة الزمنية التي أعطاها بوش في خطابه. وحتى الساعة الأخيرة أفشلت جهود الفلسطينيين مدعومين عربيا بالإعلان عن اتفاق سياسي تفصيلي يتناول القضايا الجوهرية الخاصة بالوضع النهائي مقرونا بجدول زمني للتطبيق. ثم تراجع الوضع إلى حد القبول ببيان بين الطرفين لا يحدد مرجعية المفاوضات.

والآن تعلن حكومة أولمرت خطة جديدة لتوسيع الاستيطان في جبل أبو غنيم في القدس المحتلة ببناء 307 وحدات سكنية جديدة.

امريكا لم تندد بالخطة إنما اكتفت بطلب توضيحات من إسرائيل قبل التعقيب رسميا. والآن ستبدأ إسرائيل التحضير لشن عمليات واسعة ضد قطاع غزة بعد أن عادت أوساط أمنية إسرائيلية إلى التهويل من قدرات حركة حماس العسكرية وتحديث منظومة قذائفها الصاروخية. وبذلك تضرب مصداقية عباس مرة أخرى.

وقريبا ستبدأ بتسريع وتيرة التصريحات الرسمية من أن الفلسطينيين غير جادين في تلبية شروط السلام, لذا وجب تجميد هذا المسار والاتجاه صوب سورية. ثم تعود مرة أخرى لفتح ملف ضرورة القضاء على "حزب الله" عسكريا قبل أن تبدأ معزوفة إيران وخطر البرامج النووية.

ستعود إسرائيل إلى اللعبة القديمة الجديدة التي برعت فيها منذ بدء مسيرة وهم السلام عام 1991 .

في هذه الأثناء, يضرب التسويف "الإسرا-امريكي" مصداقية ما يسمى بتحالف دول "الاعتدال العربي" - الأردن, المملكة العربية السعودية, مصر والإمارات العربية المتحدة.

ذلك التحالف كان بذل جهودا دبلوماسية مكثفة خلال العام الماضي بدأت مع قمة الرياض العربية التي أعادت إطلاق مبادرة السلام العربية لعام 2002 - سلام واعتراف وتطبيع مقابل الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967 وضمان امن إسرائيل وحقها في الوجود. ثم تحركت الرباعية لتوسيع غطاء عربي إسلامي من 57 دولة لدعم المبادرة العربية وإغراء إسرائيل, تلاها الكلمة المهمة للملك عبد الله الثاني أمام الكونغرس الامريكي في الصيف لوضع القضية الفلسطينية على أجندة السياسة الأمريكية كأساس لتسوية جميع الملفات العالقة في المنطقة. الجهود العربية توجت بمشاركة 13 دولة عربية على مستوى وزاري في مؤتمر أنابوليس.

دول "الاعتدال", بحسب ساسة ودبلوماسيين, باتت الآن متوجسة من الإشارات المتناقضة التي تصدر عن الإدارة الامريكية. فالرائحة غير مطمئنة.

لكن لا مجال أمامها إلا توسيع مظلة التحالف العربي كي يكون لها صوت واضح حيال مع ما يدور في الساحات الخلفية وحماية مصالحها في ملفات المنطقة المتداخلة في فلسطين والعراق ولبنان. وعلى دول التحالف العمل على تشجيع سورية لأن يكون لها مواقف أكثر ايجابية تجاه القضايا العربية دون الإصرار على فك ارتباطها بإيران.

من هنا تكمن أهمية المبادرة الأردنية لتحسين العلاقات بين عمان ودمشق بعد أربع سنوات من الجمود. زيارة الملك عبد الله الثاني المفاجئة إلى دمشق قبل ثلاثة أسابيع أثمرت مشاركة سورية في حفل أنابوليس عبر نائب وزير الخارجية السفير فيصل مقداد.

تحسين العلاقات بين السعودية وسورية سيحتاج الى ثمن مكلف تطلبه السعودية من سورية, وهو إنهاء التحالف الاستراتيجي مع إيران القائم منذ 35 عاما. على أن سورية غير مستعدة على ما يبدو لتلبية هذا الشرط, بحسب ساسة مقربين من دمشق. لكن المهم أن تتطور علاقات سورية مع الأردن ومع مصر كبداية لجهد اكبر.

أعضاء عائلة الشرق الأوسط الكبير ستعود لإدارة لعبة مصالحها عبر فن الدبلوماسية لتحصين نفسها أمام لعبة التوازنات والنفوذ الإقليمي الجديد على حساب القضية الفلسطينية.

في هذه الأثناء يعود صقور الإدارة الامريكية الأكثر إسرائيلية من ساسة إسرائيل للحديث عن تقاسم وظيفي مع الأردن لإدارة الضفة الغربية, أو العودة لخيار الكونفدرالية أو الفدرالية كي تحل المشكلة الإسرائيلية على حساب الأردن.

وسيستمر الأردن في مقارعة هذه الأفكار إلى ما لا نهاية والعمل بدبلوماسية الواقعية السياسية لقيام الدولة الفلسطينية التي أصبحت خيار الأردن الاستراتيجي الأول ومفتاح حماية أمنه واستقراره.

يبقى الأهم تقوية الجبهة الداخلية الهشة أمام تعاظم المخاطر والتحديات. حين أصر الأردن على الالتزام بالخيار العربي وعدم تدويل الأزمة بين العراق والكويت عام 1991 استطاع أن يقول "لا" للتحالف مع امريكا وغيرها مفضلا العمل الدبلوماسي على الدمار الشامل الذي ما زالت اصداؤه حتى الآن. وقف الشعب في خندق الدولة وتحمل الأردن قيادة وشعبا ثمن هذا الخيار الصعب.

صمود الجبهة الداخلية أساسي في دفع شر الخيار الأردني بعيدا. حتى تكون هذه الجبهة عصية على الاختراق لا بد من توزيع مكاسب التنمية الاقتصادية بعدالة أكبر, نسج شبكة امان اجتماعي تنشل الفقراء من طوفان انفلات الأسعار المتناسل, ومحاولة فتح حوار بين الدولة والتيار الإسلامي. هذه تبقى أساسيات طوق النجاة لاجتياز عنق الزجاجة داخليا ومواجهة تداعيات فشل أنابوليس وتغيير شكل الشرق الأوسط الكبير إلى فسيفساء متشظية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد