اطفال الحاويات

mainThumb

08-12-2007 12:00 AM

سيطرت اخبار الطفل المولود حديثا الذي وجده عمال النظافة تحت جسر عبدون اول امس, على احاديث الاردنيين في كل جلساتهم وعلى جميع مستوياتها, وقد اصبح تقليدا اجتماعيا اردنيا بان يبدا الراي العام يلوك الاخبار ويطورها ويزيد عليها ويضع اللوم على تلك الجهة او غيرها لانها لم تاخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الخطا.

ولأن فجاة تجد طفلا في حاوية او في باب منزل او على قارعة طريق لهي طريقة مقبولة لان هناك ايضا حوادث قتل مباشرة تتم لمواليد جدد دون ان يكتشفها احد وتبقى مجهولة خوفا من العار او الفضيحة الاجتماعية او...

ولا نعتقد ان الاجهزة الامنية ومن خلفها الحكومة تستطيع ان تمنع شخصا يحمل كيسا من رميه في الحاوية او وضعه تحت جسر وهي ايضا لا تستطيع ان تضع شرطيا او مخبرا في كل الاتجاهات للقبض على شخص يحاول التخلص من مولود جديد او حتى جثة انسان او خروف ولا يمكن تفتيش كل شخص يحاول الاقتراب من حاوية او يمر تحت جسر او نفق.

نعم سجلت في الفترة الاخيرة حوادث مؤسفة هزت مشاعرنا, بدات بالطفل الذي رمي في حاوية جبل عمان وبعدها الطفل الذي نام في حاوية صويلح فكان مصيره هناك, واخيرا طفل جسر عبدون وبدات الالسن" بتكويم" الاخبار والقصص عن اطفال قتلوا او تعرضوا للقتل لاسباب عديدة.

هل هذه القضايا جديدة ? وهل تشكل ظاهرة ? ومن المسؤول عنها وكيف نعالجها ? كلها اسئلة يحاول الناس طرحها والاجابة عليها, لكن ما نعرفه انها قضية اجتماعية ليست بالحجم الكبير لكنها موجودة منذ قدم التاريخ وفي كل دول العالم, والدليل على ذلك وجود بيوت تعتني باللقطاء وهي مليئة بهم واغلبهم عثر عليهم بالصدفة لكن "قساة القلوب" كانوا ارحم ايام كان يعثر على المولود في مكان أمن ودافئ وفي فمه زجاجة حليب, لكن الآن لم تعد تلك اللمسات الانسانية او الخدمات متوفرة.

وايضا فان عمليات اكتشاف تلك الحوادث بسرعة من قبل الاجهزة الامنية والتوصل للفاعلين وتقديمهم للعدالة او تزويج الوالدين, جيدة ولا تبقى الجريمة من دون عقاب او اكتشاف, لكنها من جهة اخرى قد تدب الرعب في نفس مرتكبي تلك الحوادث وتجعلهم يقدمون على اعدام المواليد وعدم رميهم في الحاويات او امام البيوت خوفا من العدالة, وهذه تبقى مسؤوليتهم وليست مسؤولية المجتمع او الحكومة.

القضية اجتماعية بالدرجة الاولى, ولها علاقة بحالة المجتمع وطبيعة التطور الاجتماعي الذي لا بد وان يكون له ثمن ما, عندما يتمسك الناس بالقشور ويتركون اللب, لنعترف بشجاعة, ان العلاقات داخل المجتمع الاردني تسير باتجاه غير سوي, ففي مراحل سابقة كان الجار يعرف جاره ويحرص على راحته وعدم الاساءة اليه وكذلك كان الاردني يحرص على سمعته الشخصية وسمعة عائلته, فلا يلجأ الى اي عمل مخجل او مشين خوفا من لوم الناس او حتى نظراتهم, وكان الاردني اذا اراد وصف شخص محترم قال انه "يستحي " اي يتمتع بفضيلة الحياء والخجل التي تمنعه فطريا من ارتكاب الافعال الشائنة وهي خصلة كافية للردع الداخلي وحتى رواد التشريع استعملوا في القوانين الاردنية مصطلح "خدش الحياء" .

اما اليوم فللاسف رغم ازدياد منسوب التدين بشكل عام, الا ان اخلاقنا جميعا تراجعت واصبح النفاق و"الكذب ملح الرجال", لاننا ببساطة لم نعد نعرف بعضنا, وابتعدت علاقاتنا الاجتماعية وزاد انعزالنا والكل يصيح "اللهم نفسي ومن بعدي فليأت الطوفان" والدليل ما نراه يوميا في الشوارع من تصرفات شاذة غير مقبولة, بدءاً من المشاة و السائقين و حتى الركاب انها "طعه وقايمه".

بصراحة المشكلة في كل واحد فينا, وفي قلة انتمائنا!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد