القمة الخماسية .. اجواء غير مواتية لعقدها قريبا

mainThumb

16-12-2007 12:00 AM

من السابق لأوانه الحديث عن قمة عربية خماسية قريبا بهدف ترطيب الأجواء بين الدول العربية تمهيدا لعقد قمة دمشق أواخر آذار المقبل وسط تحولات استراتيجية تضرب عمق المنطقة العربية المنهارة, حسبما يرشح من دوائر صناعة القرار العربية.

تتسرب هذه التحليلات في الاتجاه المعاكس بعد أيام من صدور إشارات عن مصادر عربية في دمشق إلى جهد يبذله الملك عبدالله الثاني صوب عقد قمّة "لتنقية الأجواء" تجمعه والرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة أو الرياض إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ورئيسي سورية بشار الاسد ومصر حسني مبارك في مصر أو السعودية. لم تحدّد تلك المصادر توقيت القمّة المقترحة واكتفت بالقول إنها ستعقد خلال الأسبوع الثاني من الشهر الحالي.

لكن المعطيات الواقعية والسياسية غير ناضجة بعد لدعم هكذا جهد رغم ضرورته لتوحيد استراتيجية التعامل مع التحديات الإقليمية في ضوء تزايد التوقعات الرسمية بفشل إمكانية قيام دولة فلسطينية مع نهاية عام 2008 وتنامي الخوف من صفقة استراتيجية أمريكية-إيرانية ساحتها العراق. أساس تلك الصفقة غير المقدسة على أنقاض العراق ترتكز, كما يبدو, إلى شراكة صامته لتأمين ساحات النفوذ.

في المقابل ينغمس الفرقاء العرب الخمسة في لعبة التكتيكات لحماية مصالحهم الوطنية العليا في زمن الفوضى الإقليمية التي تورطوا فيها عقب مغامرة احتلال العراق عام 2003 والتي أخرجت المارد الإيراني من قمقمه.

الجميع يريد توسيع الخيارات وليس تضييقها - لكن كل بطريقته الخاصة.

فهناك الكثير من حسابات الربح والخسارة الدقيقة بين شاطئي "البراغماتية" و"المبدئية" وسط اختراقات دبلوماسية متبادلة في بحار الأزمات الموقوتة عبر الشرق الاوسط.

لكن ذلك لا يعني أن إمكانيات تحسين العلاقات بين الأردن وسورية مثلا غير مرشحة للاستمرار بعد مبادرة الملك عبدالله بكسر الجمود في العلاقات بين البلدين الجارين وزيارته المفاجئة إلى دمشق, التي ساهمت بإقناع الجارة الشمالية بالمشاركة في مؤتمر انابوليس للسلام في 27 تشرين الثاني الماضي.

اللجنة العليا الاردنية-السورية المشتركة برئاسة رئيسي حكومتي البلدين ستلتئم في عمان أواخر الشهر الحالي لحلحلة قضايا عالقة تتصل بالامن وترسيم الحدود وتقاسم المياه بعد سلسلة من الإشارات الايجابية المتلاحقة بدأت بإطلاق سراح 19 أردنيا من سجون سورية. تلا ذلك اجتماعات مثمرة لوزيري المياه في البلدين وقيام وزير الخارجية السوري وليد المعلم بزيارة عمان الاسبوع الماضي لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.

على أن احتمالات عقد القمة الخماسية ليست مطروحة الآن على طاولة الحوار السوري - العربي , بحسب مسؤولين عرب وأردنيين حاورتهم "العرب اليوم" مؤخرا.

فالرئيس بشار الاسد ليس على عجلة من أمره لدفع ثمن المتطلبات العربية لإعادة سورية إلى الصف العربي, في مقدمتها فك علاقتها الاستراتيجية مع طهران منذ 35 عاما.

العزلة الدولية التي فرضت على سورية قبل سنوات والتي دفعت دمشق أكثر إلى الحضن الإيراني بدأت تتفكك سريعا بعد دخول عنصر الأزمة في لبنان على أجندة الحوار السوري-الغربي. دمشق قادرة على إدارة علاقاتها مع إيران وحماس وحزب الله ومع الإبقاء على اتصالاتها بالغرب بسبب دورها الواضح في ملفات الإقليم بدءا بفلسطين مرورا بالعراق وانتهاء بلبنان.

الدول الغربية باتت تدرك أن النفوذ السوري متجذر في لبنان وأن خروج القوات السورية في نيسان 2005 بعد اندلاع "ثورة الأرز" عقب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري لا يعني انحسار النفوذ وان تغيرت وسائله وتكتيكه.

شاركت سورية في قمة انابوليس الأمريكية بعد لقاءين بين وزير الخارجية وليد المعلم ونظيرته الأمريكية كونداليزا رايس و بعد أن سعت دول عربية أساسية لدى واشنطن إلى أن يتضمن الاجتماع الدولي السلام الشامل على جميع المسارات التفاوضية بما فيها ملف الجولان كحافز مقابل دور سوري إيجابي في لبنان. جائزة سورية في لبنان ستكون ترتيبات انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا توافقيا لانهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ ثلاثة أسابيع.

في ضوء هذه الصفقات السرية يتجه الحصار حول دمشق إلى التفكك.

فالرئيس النمساوي هانس فيشر سيزور دمشق الاثنين والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أبدى استعداده زيارة دمشق في حال جرت الانتخابات الرئاسية في لبنان.

سورية تعمل الآن مع أمريكا للمساعدة على ضبط الفلتان الأمني في العراق من خلال تشديد الإجراءات الحدودية لضمان عدم تدفق أسلحة ومتسللين عرب يدعمون"القاعدة". وأيضا من خلال تطوير العلاقات بين الحكومة السورية والعراقية. هذا ما تريده أمريكا التي يبدو أنها قررت ترحيل المواجهة بين الغرب وإيران حول الملف النووي إلى الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستخلف الرئيس جورج بوش نهاية العام القادم.

فلماذا ترمي دمشق الأوراق وتلتزم مثلا بالمطلب السعودي القائم على ضرورة الابتعاد عن "الفلك الإيراني" ثمنا لتحسين العلاقات مع الرياض.

لما العجلة إذا كانت هناك أيضا حساسيات بين بعض أعضاء ما يسمى بدول محور الاعتدال العربي- مصر, السعودية, الأردن والإمارات العربية المتحدة?

مثلا, الرئيس عباس محبط من موقف الرياض تجاه التعاطي مع حماس التي قادت انقلابا عسكريا على السلطة الفلسطينية في غزة هذا الصيف. من بين مؤشرات عدم الارتياح استقبال الرياض مؤخرا لخالد مشعل, رئيس المكتب السياسي للحركة المقيم في دمشق.

لماذا التسرع إذا كانت مصر قد كسرت الحصار على حماس عبر السماح لحجاج غزة بالعبور إلى السعودية من خلال سيناء, قبل أن تمنح السعودية تأشيرات لحجاج الضفة الغربية?

سورية قادرة على الحديث مع مصر بدون المرور عبر بوابة عمان. ودمشق قد لا ترغب أيضا في أن تعطي عمان فرصة السبق في تحسين العلاقات مع الرياض.

وهكذا دواليك.

لكن الأردن- الذي أعاد مصر إلى الصف العربي عام 1984 بعد ست سنوات من العزلة- يتجه لتوسيع بيكار علاقاته العربية وبالتالي زيادة في خيارات التعامل مع مرحلة ما بعد انابوليس وعلى ضوء التقارب الأمريكي-الإيراني حول العراق.

ويبدو أنه قرر تعميق التشبيك الإيجابي لتعزيز العلاقات الثنائية. وفي ذلك أيضا رسالة واضحة إلى الحليف الامريكي أن من حق الكل استعمال هوامش اللعبة الدبلوماسية وإبقاء خياراته مفتوحة لحماية المصالح الوطنية العليا بعد سنوات من مطالبات واشنطن لعمان بالابتعاد عن دمشق بسبب ما تعتبره دورا سوريا "سلبيا" حيال قضايا المنطقة.

بالتأكيد واشنطن لم تكن مسرورة من رؤية طائرة الملك عبدالله تهبط في باحة القصر الرئاسي وسط دمشق واستمرار الاتصالات بوتيرة أسبوعية بين عبدالله الثاني والأسد.

سورية توفر للأردن مزيدا من العمق العربي والتعاون والتكامل اضافة الى ان تحسين علاقات المملكة مع أي دولة عربية يقابلها ارتياح في المشهد الداخلي المشدود.

والأردن لا يضره استمرار محاولة كسب مواقف سورية أكثر تفهما لصالح التحديات التي تعصف بالعالم العربي بدون أن يكون ذلك على حساب تحالفها مع إيران.

تكامل العلاقات يبقى الهدف لتعزيز الجبهتين الداخليتين وزيادة ثقل البعد العربي في قضايا المنطقة الكارثية التي تترنح بين نفوذ طهران وواشنطن-تل أبيب.

فسورية تستطيع لعب أدوار أكثر ايجابية في ملف فلسطين والعراق ولبنان. والأردن معني بالاستقرار السياسي وبقيام دولة فلسطينية مستقلة بسيادة حقيقية على الضفة الغربية وقطاع غزة وبعودة الامن والاستقرار إلى العراق وبانتخاب رئيس جديد للبنان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد