القذافي في باريس .. نفط وعقود وحقوق إنسان

mainThumb

14-12-2007 12:00 AM

الجولة الأوروبية للعقيد الليبي معمر القذافي - المحطة الفرنسية منها على نحو خاص - أعادت طرح قضايا الخلاف بين شمال المتوسط وجنوبه حول ما يمكن تسميته بـ"الش?Zرطية" أو « Conditionality » الناظمة للعلاقة بين ضفتي المتوسط ، وأولوية حقوق الإنسان على التجارة والصفقات والعقود ، حيث بدا أن "عاصمة النور" و"موطن الحرية والإخاء والمساواة" قد سقطت في الامتحان.

ليبيا ليست عضوا في نادي الدول التي تحترم فيها حقوق الإنسان ، وهناك ركام هائل من الوثائق والتقارير التي تزدحم بها أراشيف الخارجية الفرنسية ومنظمات المجتمع المدني الدولية والأوروبية ، حول انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا ، بل أن "الايديولوجيا الرسمية للنظام في ليبيا" تقوم على مناهضة الديمقراطية والحرية والأحزاب ومفهوم السلطة والأمة ، ومع ذلك لم يجد قصر الإليزيه غضاضة في تخصيص استقبال "تاريخي" للزعيم الليبي في باحاته وردهاته.

لم تسعف نيكولا ساركوزي طلاقته اللغوية في استحضار المبررات والذرائع لمواجهة حملة الانتقادات التي جوبهت بها الزيارة ، فقد كان واضحا للقاصي والداني أن الصفقات والعقود التي جاوزت قيمتها قرابة 15" مليار دولار" كانت كافية لإسالة لعاب ساركوزي والحلف الطبقي والاجتماعي ، الذي يدعمه ويقف وراءه ، وأن تطيح بالكامل بكل معايير "عملية برشلونة" وكل الشروط والحوافز والموانع التي تضمنتها "سياسة الجوار الأوروبي" ، فكيف يمكن لنشطاء الإصلاح والتغيير في العالم العربي أن يصدقوا فرنسا وأوروبا بعد اليوم ، كيف لهم أن يأخذوا على محمل الجد "وعد الديمقراطية" الذي انطلق من برشلونة قبل 12 سنة ، وعن أي "اتحاد متوسطي" يتحدث السيد ساركوزي إن لم تكن قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في القلب من ميثاقه ودستوره ولائحة شروط العضوية فيه؟

والمؤسف أن سياسة "وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان الرف" ، باتت نهجا أوروبيا أمريكيا بامتياز خلال العامين الفائتين ، وبات الدبلوماسيون الغربيون يتدربون على تقديم إجابات "مقنعة" عن أسئلة نشطاء الإصلاح العرب ، من نوع أن الأولوية يجب أن تعطى للأمن والاستقرار ، وأن تشجيع بعض الدول التي تتخلى عن أسلحة الدمار الشامل أو تقترب من المعسكر الغربي ، يجب أن لا يغضب أحدا ، وأن نشر الديمقراطية يأتي لاحقا لبناء وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني ، وأن إقامة الحكم الرشيد تسبق إشاعة الديمقراطية ، إلى غير ذلك من حجج وذرائع تذكّر بالحجج والذرائع التي طالما استخدمتها الحكومات والأنظمة العربية لتبرير التعطيل المنهجي والمنظم لمسارات التحول الديمقراطي في دولنا ومجتمعاتنا العربية.

والراهن أن ساحات الصراع العربي الإسرائيلي لم تعد المكان الوحيد الذي تختبر فيها معايير الغرب المزدوجة ، فقد أصبح "ميدان الديمقراطية وحقوق الإنسان" بدوره واحدا من أبرز الميادين التي تمارس فيها ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين ، فالحساسية الغربية لقضايا الحريات والحقوق تستيقظ تماما عندما تنتهك حقوق السوريين وحرياتهم ، أو عندما تنتهك حقوق "المثليين" في إيران وحرياتهم ، أما حين يجري تطبيق نظرية "من تحزّب خان" بكل قسوة ضد نشطاء ليبيين أو خليجيين أو عرب آخرين ، فهذا أمر لا يقض مضاجع السيد ساركوزي أو يؤرق الرئيس بوش وإدارته ، فالديمقراطية التي أطلقت الوعود بإشاعتها ، لم يعد لها من وظيفة خارج "دبلوماسية البوارج" وسياسة وضع اليد على النفط حقولا وخطوط إمداد ، والشهية المفتوحة لتوقيع العقود ذات الأرقام الفلكية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد