ردّ الاعتبار لـ الإخوان ! .

mainThumb

17-12-2007 12:00 AM

حصلت الحكومة على ثقة مجلس النواب برقم فلكي غير مسبوق(كأرقام بعض المرشحين!)، ما يذكِّر بتندّرنا في السابق على برلمانات "شقيقة".

باستثناء بعض الكلمات التي احتوت على نكهة سياسية بلا مذاق حقيقي، وباستثناء – كذلك- كلمات "نارية" على قاعدة "تصفية حسابات شخصية"، فإنّ الأغلب الأعم من كلمات السادة النواب كانت خدماتية متواضعة، لا تُدرك الفرق بين جلسة الثقة وجلسة الموازنة والجلسات الأخرى، مما أحرج أركاناً في الحكومة وشخصيات عريقة مؤيدة لها في البرلمان، فسعوا إلى إقناع النواب بأن يقدّموا خطاباً سياسياً ولو معارضاً!

وحدها كتلة نواب الإخوان المسلمين بدت تمتلك خطاباً سياسياً متماسكاً مقنعاً، قادراً على تذكير الجمهور والمراقبين بحقيقة الدور المنوط بمجلس النواب أو بصورته المفقودة بعد تجربة عام1989، على الرغم من الاختلاف مع بعض مضامين هذا الخطاب. وقد سمعت أحد النواب الجدد "الموالين" وهو يشيد بكلمة الإخوان بأنّها حفظت "ماء وجه" المجلس في اليوم الأول.

مهما اختلفنا أو اتفقنا مع خطاب الإخوان فقد أثبتوا أنّهم التيار الوحيد اليوم الذي يمتلك منح "المشروعية" لدور مجلس النواب والحياة السياسية، وأنّ تحجيم هذه الحركة وضربها وإبعادها عن المؤسسات السياسية والمدنية لن يخلق كتلة أخرى قادرة على ملء الفراغ بقدر ما يخلق "فراغاً" تعجز عن ملئه الأشكال والصيغ والأدوات الجديدة.

النواب الشباب الجدد، الذين تفاءل بعض الزملاء الكتاب والمراقبين بهم، لا يستطيعون تقديم شيء يذكر! ليس لأنهم شباب، بل لأنهم لا يمتلكون شيئاً يقدمونه للدولة والوطن.. فلم يتدرجوا في سياق حالة حزبية أو ثقافية سياسية تُنضج كفاءتهم وقدرتهم على أداء مهام مجلس النواب، إنما هم نتاج حالة اجتماعية متراجعة على كافة الأصعدة وقانون انتخاب خلّف كوارث حقيقية على الحياة النيابية والسياسية بأسرها. فمن أوصل هؤلاء الشباب إلى مجلس النواب قد ظلمهم حقّاً وخلق "نموذجاً" مشوّهاً للدور المطلوب للشباب في الحياة العامة.

لا تختلف الحال عند "النواب الأثرياء" الجدد، الذين علّق عليهم البعض آمالاً باتجاه إدماج القطاع الخاص في الحياة السياسية وتعزيز دوره في هذا المجال. فهؤلاء النواب هم أيضاً نموذج مشوّه لدور رأس المال في الحياة النيابية والسياسية. صحيح أنّهم يمتلكون مصالح خاصة لكنهم لا يمتلكون "رؤية" للمشكلات الاقتصادية والسياسية، وكان الهدف الرئيس من وصولهم إلى قبة البرلمان إمّا "الحصانة" أو "الوجاهة" السياسية التي تضاف إلى "الوجاهة الاجتماعية" التي يوفِّرها المال.

المسألة ليست مصادرة مبكِّرة على النخبة البرلمانية الجديدة، لكنها قراءة "منطقية" تقوم على مبدأ "السببية". فمدخلات البرلمان الحالي لا يمكن أن تؤدي، بأي حال من الأحوال، إلى برلمان قوي يقوم بمهامه الحيوية، يمثِّل ندّاً حقيقياً للسلطة التنفيذية، إنما هي مداخل مخرجاتها – حصرياً- تتمثل ببرلمان متهافت يعزز من قناعة الرأي العام بأنّه عبء على الموازنة العامة وعلى جيوب الناس من الضرائب والرسوم وغيرها.

بالضرورة؛ لا أتفق مع الرأي الذي يقول بأهمية منح النخبة الجديدة الفرصة الكافية للتمرّس على الحياة النيابية وامتلاك الخبرة المطلوبة والكافية. فمجلس النواب، في الأصل، مؤسسة دستورية تشريعية رقابية تقوم بهذه المهمة الحساسة الكبيرة على مستوى الدولة والوطن، وليس مجالا للتجريب والتدريب، فهذه من مهمات الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأخرى.

هل حالة البرلمان، اليوم، خارج مسار السياق السياسي الوطني أم تقع في صميمه؟ لا شكّ أنّها في صميمه. ولا أعلم هل ضمور الحياة السياسية وتراجعها العام الواضح في مختلف المجالات بمثابة "خطأ استراتيجي" في تقدير الحسابات جرّاء التمادي بمنطق الخصومة والصراع مع حركة الإخوان المسلمين أم أنّ ما يحدث استراتيجية مقصودة تهدف إلى إعادة تشكيل الحياة السياسية، مع تعريف جديد للسياسية مضمونه الخدمات والاقتصاد، لكن ليس على مستوى عالٍ يتعلّق بمناقشة "السياسات الاقتصادية" العامة، إنما على مستوى "التعبير عن مطالب خدماتية معيّنة".

الاحتمالان السابقان لا يتناقضان، بل يتكاملان. فالإخوان هم عنوان من عناوين اللعبة السياسية سابقاً، وأحد أطراف التوازنات التقليدية في البلاد. وإعادة تشكيل الحياة السياسية بصيغة مختلفة بالكلية تستدعي "تكسير الإخوان". ولا يملك المراقب للمشهد العام إلاّ أن يقرّ أنّ قواعد اللعبة وتوازناتها السابقة في طريقها إلى الانهيار.

إعادة إنتاج الحياة السياسية وإدماج الشرائح المختلفة وضخ دماء جديدة فيها، هي بمثابة عملية صحيّة حقيقية عندما تنتج عن تخطيط استراتيجي متوازن، لا عن قراءات نخبوية محدودة، ربما مأزومة، باتجاه واحد في التفكير والرؤية. فلو كانت توصيات الأجندة الوطنية هي المعتمدة في المسارات الجديدة لكانت الرؤية واضحة والمسار محدد، بل يحظى بتوافق وطني يثير الارتياح والاطمئنان ويخفف من عبء وكلفة الاستحقاقات الاقتصادية القادمة على المستوى السياسي والاجتماعي والأمني.

ما يقلق، حقّاً، أنّ فقدان البوصلة يصيب حتى "الأشكال" الجديدة في العمل السياسي والعام، التي وُجدت لملء الفراغ من جهة وللتعويض عن تحجيم النشاط "الإخواني" من جهة ثانية، ولتساعد بعض "المفاصل" بإيجاد لوبي اجتماعي عريض من ناحية ثالثة. فثمة مشكلة استراتيجية، ستظهر بصورة واضحة لاحقاً، في تأسيس المفاهيم السياسية والوطنية لدى هذه الأشكال، والخشية أن نكون أمام نماذج مشوّهة لما يسمى بـ"حزب الدولة" شبيهة بتجارب سياسية عربية بائسة!

بلا شكّ نختلف مع خطاب الإخوان في كثير من القضايا والمفاهيم، وندعو إلى توطينه وعقلنته من خلال عملية متدرّجة قائمة على إدماج الجماعة لا إقصائها. لكن لا مناص من القول، بوضوح: إنّ الصورة الجديدة للبرلمان تعزز من الرصيد الشعبي للإخوان وتردّ الاعتبار لهم!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد