ماذا حل بالوعي السياسي في المدن؟ .

mainThumb

28-11-2007 12:00 AM

في معرض انتقاده لنظام توزيع المقاعد الانتخابية في قانون الانتخاب الحالي قال أمين عام جبهة العمل الإسلامي قبل الانتخابات بشهرين لمجلة جوردان بيزنس أن القانون الحالي يحابي المناطق الريفية ويعطيها الكثير من المقاعد الانتخابية بالرغم من أن الوعي السياسي في المدن أعلى ولكن قانون الانتخاب يظلمها.

نفس هذا المنطق استخدمه الكثيرون من مراسلي الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية في تقاريرهم قبل الانتخابات بأيام والتي كانت لا تخلو من جملة "قانون الانتخاب مفصل ضد النشطاء السياسيين الذين يعملون في المدن وينحاز إلى المرشحين التقليديين في الدوائر الريفية".

نتائج الانتخابات الأخيرة وخاصة في العاصمة عمان وفي الزرقاء اثبتت عدم صحة هذا المنطق. من بين 23 مقعدا انتخابيا في عمان لم ينجح إلا 4 مرشحين اصحاب طروحات سياسية واضحة بينما توزعت المقاعد الباقية على المقاولين ورجال الإعمال الجدد.

كان من أغرب نتائج الانتخابات حصول مرشح جبهة العمل الإسلامي الناجح في الدائرة الأولى على حوالي نصف أصوات أحد الرجال المرشحين بالرغم من أن الدائرة الأولى تتميز بكثافة كبيرة من المواطنين المسيسين والمرتبطين عقائديا وتنظيميا بالجبهة. أما مرشحا التيار الوطني الديمقراطي والذي يتكون من ثلاثة أحزاب تشكل التاريخ اليساري والقومي في الأردن فلم يجمعا معا أكثر من 1500 صوت في الدائرتين الأولى والخامسة.

في الزرقاء كانت المواقف متشابهة ، إذ فاز في كل المقاعد مرشحي القوى العشائرية التقليدية ورجال الأعمال ، ولم تكن المشاركة السياسية مؤثرة إلا لمصلحة مرشح يساري واحد في المقعد المسيحي بينما حصل نائب يساري سابق على 5085 صوتا على المقعد الشركسي - الشيشاني في الزرقاء وهو عدد أكبر من كل الأصوات التي حصل عليها مرشحو اليسار في كل الدوائر ، وبالرغم من ذلك لم يحالفه الحظ بالنجاح.

في الواقع كان هناك شبه مقاطعة للانتخابات في عمان بالذات بنسبة لا تتجاوز %45 في أفضل الدوائر ، وقد ساهمت نسب التصويت العالية في المحافظات في رفع الاقتراع على المستوى الوطني إلى %54 وكانت النتيجة أن البعد السياسي غاب تماما في انتخابات عمان وحتى في الدائرة الثالثة والتي كانت تعتبر دائرة المثقفين والمنافسات السياسية فقد تفوق صراع رأس المال والخدمات على مرشح جبهة العمل الإسلامي في نفس الوقت الذي لوحظ فيه غياب التيارات اليسارية والقومية تماما عن خوض الانتخابات هذه الدائرة للمرة الأولى منذ عودة الحياة النيابية عام ,1989

هناك حاجة ماسة لفهم طبيعة الاستنكاف السياسي في العاصمة وفي المدن الرئيسية. هناك تبريرات تتعلق بالإحباط العام من الحياة السياسية وقانون الانتخابات وضعف الأحزاب وعدم الثقة بقدرة مجلس النواب على تحقيق الإصلاح ، وهناك تفسيرات تشير إلى أن "الحافز" لدى المواطنين غير المسيسين في التصويت لمرشحي المال والعشائر كان أكبر من حافز المواطنين أصحاب التوجهات السياسية.

في خلاصة الأمر فإن الخسارة كبيرة لمستقبل التنمية السياسية في الأردن في حال استمرار هذا الاستنكاف السياسي في المدن لأن التطورات السياسية عادة ما تصنع في المدن وفي المرافق الثقافية والحزبية والنتائج التي ظهرت في انتخابات عمان والزرقاء بالذات تشكل ناقوس خطر على مستقبل العمل السياسي في الأردن.

batir@nets.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد