الإسلام الشعبي القرب من الحياة

mainThumb

17-12-2007 12:00 AM

تعرض زهية جويرو في كتابها الصادر مؤخرا بعنوان "الإسلام الشعبي" المفاهيم والاعتقادات الشعبية والعامة في المجتمعات، المستمدة من تفاعلات واعتقادات قديمة تواصلت عبر الزمن واستطاعت البقاء والصمود مؤثرة في الناس، حتى وجدت لنفسها صبغة إسلامية رغم أنها تعود إلى مرحلة سابقة للإسلام، وتقوم المؤلفة بدراسة هذه المعتقدات والأساطير دراسة اجتماعية فتلاحظ أنها ذات وظيفة اجتماعية راسخة، ومرتبطة بحراك المجتمعات وتفاعلها الدائم والمتواصل مع تطلعاتها واحتياجاتها.

الواقع أن تداخل التراث بالدين ظاهرة تمتد إلى كل الأديان والمجتمعات في التاريخ والجغرافيا، ومن المهم كثيرا الإحاطة بهذه الظاهرة للتمييز بين الدين وبين التراث وبين النصوص الأصلية وبين فهمها وما أضيف إليها، ولو تجرى مجموعة واسعة وشاملة من الدراسات كما فعلت جويرو فإن صورا جديدة ستتشكل لفهم الدين والمجتمع على نحو يميز بين الإنساني والمقدس ليعرف المتدينون أيضا ما يعتقدونه، وما يدعون إليه وما يتسامحون تجاهه وما ينسونه وما يتمسكون به ويدعون إليه.

ثمة مسألة قديمة ومعروفة في التراث العلمي الإسلامي في التمييز بين الفهم الشعبي السائد للإسلام وبعض الممارسات والشعائر، وبين الفهم الرسمي المستمد من رؤية العلماء والمؤسسات الدينية الرسمية والحركات الإسلامية، وبالرغم من أن استخدام عبارة الدين الشعبي في مواجهة عبارة الدين الرسمي أو دين العلماء استخدام حديث نسبيا، فإنها في الحقيقة ظاهرة قديمة مترسخة في مختلف التجارب الدينية التاريخية، بما فيها تجربة الإسلام حين نهض التمييز بين إسلام الخاصة وإسلام العامة، أو بين إسلام الفقهاء والعلماء وإسلام سائر الفئات الاجتماعية، مؤشرا على اختصاص كل ظرف بفهم مخصوص للدين وبأشكال متباينة تجلت من خلالها تجربة التدين.

في الدين الرسمي سواء في المجال المسيحي أو الإسلامي يستند إلى معايير دينية صنفت على أساسها "عقائد العوام" في باب البدع والانحرافات، أو في باب الرواسب ذات المرجعيات الوثنية أو الجاهلية، لذلك اقترن استعمال الدين الشعبي لدى أصحاب هذا الموقف بدلالات خاصة سلبية، رمي بسببها أصحاب العقائد بالكفر والزندقة وإتيان البدع.

وقد خلفت هذه الدلالات أثرا في الدراسات "الفلكلورية" التي تعد تاريخيا أول الدراسات اهتماما بالعناصر الدينية الاعتقادية الشعبية، وهو ما يظهر بوضوح من خلال التسميات التي أطلقت على تلك الظواهر، فهي إما أشكال عريقة أو تقاليد، بمعنى أنها موروث قديم راجع إلى فترات منقضية.

وظلت عبارة "الدين الشعبي" تدور في الخطاب الفلكلوري وحتى في الدراسات الإثنولوجية ليشار بها إلى حقيقة مركبة متعددة الأشكال، وإن لم ترتق إلى مستوى المفهوم العلمي إلا في إطار علم الاجتماع، ولم تخضع للتنظير العلمي إلا في سياق الدرس السوسيولوجي للظاهرة الدينية. وقد تصدى كل من كونت ودوركهايم وفيبر لدراسة وتحليل "المقدس" وكيفية اشتغال الدين في المجتمعات البشرية، وقدموا وجوها للعلاقة بين النظام الاجتماعي الاقتصادي ونظام القيم، وبين الرموز والمؤسسات وبين مصادر المعنى وآليات التوافق الاجتماعي.

والواقع أنه لا يمكن الفصل فصلا تماما بين الدين المنظم والدين الشعبي، فالدين الشعبي حقل واسع من الممارسات والعقائد، على غرار كرامات الأولياء وما يتصل بها من طقوس كالزيارة والتوسل وغيرهما، لأن مقولة كرامة الولي مرتبطة مضمونا ودلالة بمقولة "معجزة النبي" في الإسلام العالم، وقد تحققت المصالحة بين المذهب السني والتصوف، ولم يصبح الاعتقاد في كرامات الأولياء اعتقادا شعبيا إلا نتيجة لعوامل تاريخية معقدة.

ولكن تبقى هناك اختلافات واضحة في التصورات والمعتقدات بين الإسلام الشعبي والإسلام العلمي، فالمسلم العامي يعتقد بتصور نفعي للألوهية وللإله، لذلك يستحضره بواسطة الأقوال والطقوس في كل فعل ينوي القيام به، وفي كل مطلب يروم تحقيقه، لا بل إن اسمه وحده قادر على دفع الكوارث ورد العين الحاسدة، ونجده يضفي على الولي الصالح الذي يؤمن بكرامته ملامح إلهية، فهو حي وإن كان في الظاهر ميتا.

وفي المقابل ينظر المسلم العالم إلى هذه المعتقدات على أنها بدع وشرك بالله، ويرى الاختلاف في مراتب الإيمان لا يبرر نسبة ما اختص به الله من صفات وأفعال إلى أي من خلقه، فالقدرة مخصوصة به لذلك فلا وساطة في الإسلام الذي يتصوره بين المؤمن وربه.

ibrahim.gharaibeh@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد