كيف نحدد سوق الصحافة؟ .

mainThumb

25-12-2007 12:00 AM

إذا أنجزنا مهمة تحديد المجتمع المحيط بالصحافة والمعني بها فإننا بحاجة أن نتفق على أداة قياس صحيحة حتى لا نكون مثل من يقيس المسافة بميزان الحرارة، هل هي استطلاع الرأي؟ أم المقابلات؟ أم المسح الإحصائي؟ أم قياس الأثر بمنظومة من المؤشرات والأسئلة المتعلقة بالإعلان والتسويق والمعرفة والاتجاه العام والتغذية الراجعة واتجاهات السلوك والاستهلاك؟

وإذا اتفقنا على أن استطلاع الرأي هو الأداة المناسبة فهل يكون ذلك بالهاتف؟ وفي حالة استخدام الهاتف للسؤال كيف يمكن بناء عينة صحيحة يمكن الوصول إليها بالهاتف؟

ولكن القضية الأكثر غموضا وتعقيدا هي تحديد المشكلة المراد الوصول إلى حل لها، فما هي "المشكلة" المتعلقة بالكتابة الصحافية والمطلوب إنضاج فهم وموقف صحيح تجاهها؟

ثمة إجماع لدى الجمهور العام والمشتغلين بالصحافة أن ثمة أزمة متعلقة بالكتابة الصحافية ومضمون الصحافة بعامة، ولكن تحديد هذه الأزمة وصياغتها على هيئة سؤال أو أكثر يكاد يكون مستحيلا، ماذا يريد المستهلك وماذا يحتاج؟ ماذا تقدم الصحافة وماذا لا تقدم؟ هل هي مطلوبة بالفعل أم غير مطلوبة؟ وإذا كانت مطلوبة فكيف تكون؟ ولكن الأسئلة الأكثر تعقيدا هي من قبيل هل أزمة الكتابة الصحافية متعلقة بذاتها أم أن المشكلة في الكتاب والصحافيين واختيارهم وطريقة اختيارهم؟ وهنا يدور سؤال موجع كيف يجري اختيار المقالات والكتاب والصحافيين؟ ما هي الأداة الصحيحة لقياس المحتويات والمقالات وتقويمها وإدراجها حسب أهميتها؟ أين موقع الجمهور والمستهلكين في تحديد اتجاهات وأهمية المضامين الصحافية؟

إننا نتحدث عن أزمة الصحافة دون ملاحظة للبيئة المحيطة بها، فهل يمكن الحديث عما يريده ويحتاجه المستهلك دون وجود صحافة تعمل وفق قاعدة السوق؟ هل نشأت الصحف وعملت ونافست وفق قواعد من المبادرات الفردية؟ وهل يجري بالفعل اختيار الصحافيين والكتاب وفق قواعد السوق؟ وهل ينظم سوق ومجتمع الصحافة نفسه وفق قواعد تجارية واستهلاكية حرة قائمة على التنافس والعرض والطلب؟

كيف يحصل الصحافيون والكتاب على المعلومات؟ كيف تنظم اللقاءات الصحافية في أروقة الحكومة والشركات ومؤسسات المجتمع؟ وكيف تتكرس العلاقة بين الصحافيين وقادة الدولة والمجتمع والشركات؟ كيف نشأت مهنة الصحافة والكتابة الصحافية؟ هل نشأت من خلال الأنظمة الاجتماعية والثقافية والسياسية المتشكلة نحو الموارد والأسواق؟ أم أنها لا علاقة لها بهذه المعادلة؟ فالمهن جميعها تتشكل من خلال السوق والمجتمع، المحاماة والطب والهندسة والصيدلة والتدريس وغيرها تشكلت من خلال التفاعل بين المجتمع والسوق، الحاجة إلى هذه الأعمال والمهن والتطور الاجتماعي والثقافي المصاحب لنمو الموارد والمنشئ لموارد جديدة، فهل تنطبق هذه المعادلة البسيطة على مهنة الصحافة؛ هل يترقي صحافي أو كاتب صحافي في العمل وفي المجتمع وفي موارده وتصنيفه الطبقي والاجتماعي بناء على حركة السوق والمجتمع، كما تشكلت طبقات وقيادات اجتماعية واقتصادية وسياسية من المحامين والمهندسين والأطباء والأساتذة؟

الواقع أن الصحافة باعتبارها صناعة ومهنة لم تتفاعل مع حراك السوق والمجتمع حراكا صحيحا ومنطقيا وعادلا، ومن ثم فإن إخضاع تقويم الخدمة الصحافية بناء على قاعدة العرض والطلب دون وجود سوق حقيقي يعرض بالفعل وبحرية ومجتمع ومستهلك يطلب أيضا بحرية يؤدي إلى نتائج مضللة وتقدير خاطئ.

نحتاج بالفعل أن نحاكم الكتابة الصحافية إلى قواعد من رأي المستهلك والجمهور ولكن ذلك يجب أن يكون مشروطا بوجود صحافة وصحف حرة بمعنى السوق والعرض والطلب، وإلى أن يتم ذلك فإن الحديث عن الفرق بين محتوى الصحافة(العرض) وبين احتياجات القراء والمجتمعات(الطلب) يبدو قفزا إلى النهايات أو هروبا إلى الأمام.

لقد استخدمت مقولات صحيحة من قبيل عجز وانحسار الكتابة الصحافية لتقديم بدائل لم تخرج من دائرة الفشل والخواء، وفي ظل أفكار متقدمة من النقد والمراجعة كانت تمرر مشروعات سياسية وشللية وشخصية.

السؤال المنطقي يظل قائما، كيف نرتقي بالكتابة الصحافية في ظل واقع قائم على عجز السوق عن تكييف نفسه وفق قواعد التنافس والعرض والطلب؟ ماذا يمكن لرؤساء التحرير أن يفعلوا، بل ماذا يجب أن يفعلوا لإنقاذ السوق والمهنة من الغثاء والخواء والعجز؟

ibrahim.gharaibeh@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد