الاردن ومفاوضات الحل النهائي .. المقاربات المطروحة

mainThumb

05-01-2008 12:00 AM

يتحاشى مسؤولون الخوض في خطط التعاطي مع أي مفاجآت قد تنتج عن المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية المتعلقة بقضايا الوضع النهائي, خاصة ملف اللاجئين- المعضلة الأعقد - لأنها تمس مصالح المملكة مباشرة بسبب تواجد أكثر من مليون و800 ألف مواطن أردني يحمل صفة اللجوء.

وبينما لا يغفلون أهمية الإطلالة على سير المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل, يرى صناع القرار أن التركيز يجب أن ينصب الآن على إحراز تقدم على هذا المسار- المعطل منذ سبع سنوات- على أمل الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة قابلة للحياة.

فحل الدولتين يبقى أساس الاستراتيجية الأردنية. لذلك يرصد الأردن بعين الغضب وعدم الارتياح استمرار بناء المستعمرات على الضفة الغربية لأن في ذلك تهديد مباشر لأمنه ومصالحه الوطنية العليا.

من هنا جاء تذكير الملك عبد الله الثاني في العقبة لرئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت وذلك غداة قمّة أردنية-فلسطينية. المخاوف ذاتها لا بد طرحها الملك في اتصال هاتفي تلقاه من الرئيس الأمريكي جورج بوش وأيضا خلال القمة الأردنية-الفرنسية.

على أن المسؤولين يقولون إن المملكة لن تتدخل مباشرة في جوانب المحادثات المتصلة بمصالحه وأهمها ضمان ترسيم الحدود وحق العودة, التعويض أو كلاهما لمواطنيها من أصول فلسطينية- - طبقا لقرار الجمعية العامة رقم .194 كذلك للأردن مصالح حيوية وإرث فيما يتصل بالقدس الشرقية, إذ يرفض الانسحاب من هذه المهمة قبل انتقال الولاية للجانب الفلسطيني.

"هذه الملفات الثلاثة الأساسية لن تحل دون الأردن ودون رضاه", يقول أحد المسؤولين. ويذكّر أيضا "بأن للأردن وضعا خاصا فيما يتعلق بملف اللاجئين لأن جزءا كبيرا منهم أردنيون ويجب أن لا تقف مواطنتهم في طريق حق العودة أو التعويض أو كليهما".

"على أن الانطباعات الرسمية هنا تشي بأن اسرائيل لن تسمح بحق العودة إلى مناطق 1948 إنما - وبأعداد قليلة ومنتقاة- إلى "الدولة الفلسطينية" المفترض ان تنشأ على ما سيتبقى من أراضي .1967

كذلك ليس ثمّة أوهام بأن إسرائيل عازمة على تطبيق شروط المجتمع الدولي أو تطبيق السلام لا سيما في ضوء شلل الإدارة الأمريكية المقبلة على سنة انتخابات ساخنة.

يتحدث الأردن عن تعويضات للفرد وأخرى للدول المضيفة, علما أنه وسورية, لبنان ومصر يستضيفون زهاء 5,3 مليون لاجئ- 42 % منهم على الأراضي الأردنية. وسيطالب الأردن- المقبل على سنوات عجاف بسبب ارتفاع اسعار النفط عالميا, بتعويضات لخزينته تفوق 30 مليار دولار لقاء خدمات استضافة اللاجئين منذ أن قذفتهم اسرائيل خارج مدنهم عام .1948

وهو سيراقب, بحسب مسؤولين, من "خلف الستار" غرفة المفاوضات رغم تضاؤل فرص نجاحها بسبب التعنت الإسرائيلي وغياب الإرادة السياسية الأمريكية.

يقول مسؤول آخر: "الأفضل أن يبقى الأردن خلف الباب لمراقبة التقدم أو الإخفاق في تسوية الملفات الأساسية الستة مع استراتيجية واضحة تحدد القضايا التي تهمه ويبلغها صراحة للفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكيين".

لكن في الخلفية تتفاوت مقاربات سياسيين أردنيين بين المطالبة بخوض المفاوضات إلى جانب أصحاب القضية أو الاكتفاء بالمراقبة. وهناك تساؤلات حيال ملامح ونجاعة استراتيجية مخرج" إن وجدت للتعاطي مع أي مفاجآت تنجم عن المفاوضات الأردنية-الإسرائيلية.

الأردن الرسمي لا يفصح عن مضامين مثل هذه المخارج أو مستوياتها.

في المقابل ينبه مسؤولون إلى خطورة أن تبرم إسرائيل والسلطة الفلسطينية صفقات سياسية مفاجئة قد تكون على حساب المملكة, لا سيما فيما يتعلق بملف اللاجئين, تقاسم المياه, وترسيم الحدود.

وينتقد كثيرون غياب "رؤية استراتيجية" في التعاطي مع هذه المسائل بينما ينهمك الفلسطينيون والإسرائيليون في مفاوضات مكثفة.

في البال "تحويلة" أوسلو عن مسار مفاوضات واشنطن التي قادها رئيس السلطة الحالي محمود عباس "أبو مازن" وصولا إلى اتفاق الحكم الذاتي في خريف .1993 تلك المفاجآت أغضبت الملك الراحل الحسين بن طلال ودفعته لتسريع ابرام "تفاهمات واشنطن" في خريف ذلك العام مما مهد لمعاهدة سلام عام .1994

بين بث الطمأنينة بوجود خطط طوارئ والاستكانة إلى احتمالات فشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية تغيب المعلومات الدقيقة عن الدوائر السياسية خارج المطبخ الرسمي وسائر هيئات المجتمع. لذلك يحبذ مسؤولون سابقون وحاليون وجوب الاقتراب من المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين, لكن دون الانخراط المباشر في عملية التفاوض.

ومع ان قضايا الحل النهائي - المفترض ان تتم تسويتها أواخر العام المقبل - تمس الأردن مباشرة, ينبه مسؤولون سابقون إلى خطورة جلوس الأردن إلى طاولة المفاوضات إلى جانب الفلسطينيين والاسرائيليين.

رئيس الوزراء السابق طاهر المصري (1991) يرى أن الأردن "يجب أن لا يكون شريكا كاملا أو يجلس ليقرر حق الفيتو على ما يتوصل اليه الطرفان".

بيد انه يردف: "يجب أن يكون للأردن رأي بحكم الواقع الجيوسياسي, تشابك المصالح والإرث المشترك".

وحول آلية المقاربة الأردنية يقول المصري: "أكون خلف الباب او وراء الستار لكن مش بعيد عن المفاوضات".

المصري يرجع مخاوفه من المشاركة الفعلية الى احتمالات احياء الخيار الاردني.

فإن فشلت المفاوضات قد يستغل الأمريكيون والإسرائيليون ضلوع الأردن فيها "وسيحاولون جره إلى الطاولة كمفاوض رئيسي بدلا من السلطة". وقد تخاطب واشنطن وتل أبيب عمان: "بما انك جزء من المعادلة التفاوضية واصلي العمل بعد خروج الفلسطينيين".

اطلالة الاردن على المفاوضات تظل, مع ذلك, أساسية.

فقضية اللاجئين لا تشكل عقبة بالنسبة للفلسطينيين. وهم باتوا يدركون بأنه "حق معنوي أكثر منه سياسي". لذلك سيحاول المفاوض الفلسطيني "انتزاع اعلان سياسي رمزي تقر به اسرائيل بحق العودة من حيث المبدأ".

لكنها قد تكون مقتلا بالنسبة للأردن.

حين اعلن فك الارتباط مع الضفة الغربية في صيف ,1988 اكد الراحل الحسين بن طلال ان للأردنيين من أصول فلسطينية خيار البقاء أو العودة بعد تسوية قضيتهم".

في سورية يقطن 10 بالمائة من اللاجئين. لكن المشكلة تكمن في زهاء 400 الف فلسطيني يقيمون في لبنان الذي يرفض مبدأ استضافتهم تجنسيهم.

رئيس الوزراء الأسبق فايز الطراونة (1998-1999) يرى أن الأردن "يجب ان يكون طرفا أساسيا في المفاوضات لا بل يصر على ذلك لحماية مصالح سكانه ومصلحته الوطنية".

ثمة تقديرات غير رسمية بأن الأردن انفق 40 مليار دولار على استضافة اللاجئين وادامة مخيماتهم خلال العقود الستة الماضي.

يخشى الطراونة من عقدة اللاجئين وحق العودة. ففي حال وضع حق العودة على الرف قد يكون ذلك على حساب الأردن. الاخطر من ذلك, ينبه الطراونة , الى انجراف باتجاه إقامة كونفدرالية او فدرالية مع الضفة الغربية قبل تسوية القضية الفلسطينية من جميع جوانبها. في هذه الحالة سيدفع الاسرائيليون الى ان يشكل الاردن بؤرة استقطاب للاجئين ما سيخل بالوضع السياسي والمعادلة الديمغرافية.

يقول رئيس الوزراء الأسبق: "على الأمريكيين ان يفهموا أن الاردن يعارض أي كونفدرالية قبل اقامة الدولة الفلسطينية. ويجب ان يستوعبوا رفضنا لكل الطروحات, وأي تسوية على حساب الاردن ستكون على جثتنا". "من واجب الدولة الاردنية أن تدافع عن حقوق ومصالح اللاجئين, وان تدافع عن كيانها وديمغرافيتها".

مسؤول سابق خاض تجربة المفاوضات ينبه الاردنيين الى عدم الوقوع في فخ بناء كونفدرالية مع دولة فلسطينية مؤقتة غير واضحة المعالم. مثل هذه المغامرة ستدفع باتجاه ترسيخ فكرة الوطن البديل. لذلك يحث صانع القرار على تأجيل أي نوع من الرابط مع الضفة الغربية إلى حين "إقامة دولة فلسطينية ناجزة بحدود ثابتة" معترف بها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد