البيع على الهوية

mainThumb

06-01-2008 12:00 AM

ثلاث فئات هم العراقيون الذين لجأوا الى الاردن منذ الاحتلال الامريكي, الاولى: الهاربون من حرب معلنة عليهم بقانون من قبل القوات الامريكية وانصارها تحت شعار اجتثاث البعث. واثبتت ممارسات تطبيق القانون بانها حرب نازية لانها زجت بعشرات الالاف من خيرة ابناء الشعب في السجون فيما تمت تصفية الالاف منهم, فقط لانهم كانوا جزءا من الدولة العراقية المستقلة ولانهم عرب.

الفئة الثانية: هاربون من الارهاب الذي استهدفهم واسرهم بالخطف والفدية والتهديد بقطع الرؤوس. على خلفيات طائفية او اجرامية بعد ان تحولت مدن العراق الى مرتع للمجرمين وعصابات القتل والخطف تحت سمع وبصر قوات الامن ان لم يكن بمشاركتها.

اما الفئة الثالثة: فهم الهاربون من المليشيات الطائفية التي قامت بحملات تطهير طائفي في معظم احياء بغداد والمدن الاخرى حيث كانت العاصمة العراقية تستيقظ كل يوم على عشرات الجثث المجهولة الهوية.

بين صفوف هذه الفئات المهاجرة التي بلغت مئات الالاف, هناك علماء واساتذة جامعات وفنانون واطباء ومثقفون وتجار واصحاب رأس مال ينتمون الى خيرة ابناء العراق وعشائرها واسرها العريقة, وبينهم ايضا صفوف طويلة من الفقراء الذين لجأوا هربا من الموت والفقر معا في ظل احتلال دمر الاخضر واليابس ولم يبق على اي اثر او معلم من حضارة العراقيين وبلدهم الاصيل.

هذه الفئات الثلاث ينطبق عليها وصف اللاجئين. ومهما كانت تملك من ثروات او ارصدة فهي لا تكفي لمواجهة واقع اقتلاعهم من وطنهم ومن اعمالهم ومنازلهم وواجبنا كاردنيين وعرب ومجتمع دولي ان نحتضنهم ونخفف معاناتهم, انها مسؤولية قومية قبل ان تكون انسانية واخلاقية.

خلال العامين الماضيين دارت الشائعات حول اللاجئين العراقيين في الاردن لتصفهم بالاثرياء الذين يشترون الفلل والشقق والاراضي باثمان باهظة والحقت بهم المسؤولية "على المستوى الشعبي" في ارتفاع اسعار العقارات. لكن الاحصاءات والبيانات اظهرت ان نسبة العراقيين الذين دخلوا سوق العقار اقل من واحد بالمئة. فلم تكن القصة الا مادة دعائية استغلها تجار العقارات وسماسرة الاراضي لجر الجميع الى المضاربات ورفع الاسعار حيث قفزت ثروات هؤلاء التجار الى ارقام خيالية وفي اخر احصائية رسمية من العام الماضي, بلغ مجمل التعامل بالعقار خمسة مليارات دينار, 97.5 بالمئة من المتعاملين اردنيون.

محنة العراق ومآساة لجوء الملايين من شعبه الى الاردن وسورية, محنة مؤقتة عابرة لان العراق اكبر من الغزاة, وقطّاع الطرق. فهذا الشعب الابي له على ابناء امته دين كبير, وفي مقدمتهم ابناء الاردن وسورية, فالعراق بتاريخه الحديث, وبمختلف انظمته وانقلاباته كان دائما الوفي لهذه الامة في جميع الاوقات الصعبة ولم يبخل عليها بدم ولا مال.

كلام كثير في الفم عن معاملة العراق والعراقيين, كلام بمرارة العلقم, امام ما نسمع ونرى ونقرأ من قرارات حكومات عربية لا تستطيع احتمال اعباء هجرة عراقية مؤقتة. هي اضعف الايمان في مساندة هذا الشعب العظيم. فمتى كانت هناك "اقامات للعرب" في سورية حتى نراها تُطبق الآن لاجبار عشرات الالاف من اللاجئين على المغادرة, وكيف لنا نحن في الاردن ان نبرر قرارا يمنع العراقي من دخول المؤسسات الاستهلاكية اي "البيع على الهوية", حقا اشعر بالخجل كاردني لمجرد الخوض بمثل هذا القرار او حتى نشره!!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد