محافظون وليبراليون

mainThumb

04-01-2008 12:00 AM

مثل هذا التقسيم موجود في عالم السياسة والحكم. لكن لا يمكن الادعاء بوجوده في الحياة السياسية الاردنية. فمن هم في الحكومة او البرلمان لا تنطبق عليهم مواصفات المحافظين او الليبراليين. لانه ببساطة يصعب تلمس وجود نهج سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي متكامل يمكن اطلاق وصف ليبرالي او محافظ عليه .

كان هذا النهج موجودا في الدولة الاردنية في زمن الحرب الباردة عندما كان العالم منقسما سياسيا بين معسكرات ابرزها, المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الرأسمالي بزعامة امريكا. في تلك الحقبة اختار النظام الاردني النهج الرأسمالي الذي افرز بدوره نخبة من السياسيين ذات التقاليد المحافظة على المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية, واليه يعزى بقاء الطابع العشائري كمرجعية اخلاقية واجتماعية تميزت بها الدولة الاردنية.

في عام ,89 وقبل انهيار جدار برلين انتقل النظام السياسي الى مرحلة اختلطت فيها المناهج وتمازجت, بين محافظ وعشائري وليبرالي ويساري وقومي.. الخ, وكان ابرز معالم هذا التحول اقرار الميثاق الوطني الذي شكل جسر عبور الى مرحلة التسعينيات بما شهدت من تقلبات دولية واقليمية على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والامنية.

سياسيا في حقبة التسعينيات دخلت الى المؤسسات الحكومية والتشريعية والثقافية قوى متعددة بعضها كان في صفوف المعارضة لعشرات السنين, كما دخلت اجيال جديدة بخلفيات ثقافية يسارية وقومية ووطنية.

اقتصاديا, تميزت هذه الحقبة بالانتقال نحو اقتصاد الخصخصة ونظام الحرية الاقتصادية, وبداية التخلي التدريجي عن دور القطاع العام كمحرك رئيسي للتنمية. فيما ولدت مناخات من الحرية الفكرية والثقافية وظهرت بوادر تشكيلات التعددية في اطار المجتمع المدني.

مع بداية القرن, تأثرت البلاد بشكل كاسح بتيار العولمة الذي بدأ يتشكل على المستوى الدولي. واصبح واضحا ان مفاهيم ليبرالية متقلبة اخذت تتصدر حركة الدولة والمجتمع وفيما تراجع دور النخب المحافظة تحت شعارات التغيير والاصلاح والديمقراطية وحق الاجيال الشابة وغير ذلك فان المفاهيم الليبرالية بالمقابل لم تنجح في طرح البدائل التي تؤشر على وجود منهج ليبرالي متكامل.

والنتيجة اننا امام ليبرالية اقتصادية تتمسك بمقاييس الارقام وعوائد الاستثمار, لكنها تهمل المقاييس البشرية وحاجات المجتمع الى التنمية لا النمو, والصحة والتعليم وليس رفاهية المدارس والمستشفيات الخاصة.

نحن امام ليبرالية تطبق الجانب السلبي من دور العشائرية في الحياة السياسية بينما تتجاهل المفاهيم الاساسية الليبرالية وفي مقدمتها الاصلاح والتعددية والمشاركة في القرارات.

لا وجود لليبرالية في عالم السياسة تقوم على تغييب الرأي العام وتآكل دوره في المشاركة بالقرارات. لانه مهما كانت النوايا حسنة وطيبة عند النخبة الليبرالية فهي لا تستطيع وحدها انجاز التنمية بمعزل عن الرأي العام ورقابته ومشاركته, ومثل هذا الغياب يولد الاخطاء والعثرات.

كما لا توجد ليبرالية حقيقية تنفي وجود نهج منافس (محافظ), فالليبرالية ليست حكما شموليا او انقلابيا, انما وليدة برامج وتنافس في صناديق الاقتراع, وهذا يفسر تداول السلطة بين احزاب ليبرالية ومحافظة في كل دولة تدّعي انها ديمقراطية. ان هذا التنافس غير موجود بالمطلق في الحياة السياسية الاردنية, وبالتالي لا وجود لمحافظين وليبراليين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد