المتسللون الى القطاع العام

mainThumb

02-01-2008 12:00 AM

يخشى أن تشكل التصريحات التي نشرتها الزميلة "الرأي" أمس لوزير تطوير القطاع العام بخصوص عمال المياومة المبدأ الذي ستعتمده الحكومة في التعامل مع قضيتهم, وفيما يلي أقدم ما يشبه الشهادة حول هذا الموضوع الذي يطال أكثر من عشرة آلاف عامل مياومة يكاد بعضهم يمضي طيلة أيام عمره في "المياومة"! وليسمح لي القارئ أن أشير الى أن ملاحظاتي التالية مبنية على متابعة كافية طيلة العام الماضي, ليس فقط للتحركات المطلبية التي قاموا بها بل أيضاً بزيارة بعض مواقع عملهم والإطلاع على العمل الذي يقومون به.

تحدث الوزير عن ان "معظم هؤلاء العمال تسللوا للوظيفة العامة من خلال الواسطة والمحسوبية وتجاوزاً على أنظمة التعيين على حساب غيرهم ممن ينتظرون دورهم".

وبالفعل فإنك تكاد لا تجد أيا من هؤلاء العمال ينكر انه توظف عن طريق "الواسطة", ولكنها أدنى أشكال الواسطة وأكثرها منطقية! نعم اكثرها منطقية إذا اعتمدنا منظورا تنموياً شاملاً يأخذ بالاعتبار الأبعاد الاجتماعية والأمنية أيضاً.

أما باقي كلام الوزير فيحتاج للنقاش. فمن جهة أولى, وقد تكون هذه ملاحظة شكلية, فإن كلمة "المحسوبية" غير واردة هنا على الاطلاق في عالم عمال المياومة, ببساطة لأنه لا يوجد في الدولة من يعتبرهم "محاسيبه", وهم فئة مستثناة من امتيازات المحاسيب. ومن جهة أخرى وهذا هو الأهم, فإن توظيفهم لم يكن "تجاوزاً على أنظمة التعيين" لأن نظام المياومة قديم جداً وقد تعرفت على شخص أمضى أكثر من خمسين عاماً ولا يزال يعمل بالمياومة, ومن ناحية ثالثة فإن استخدامهم لم يكن "على حساب غيرهم" ببساطة لأن العمل بالمياومة لم يكن يوماً مطلباً لمن ينتظرون دورهم في ديوان الخدمة, ولعل التوصيف الأقرب هو أن الدولة هنا تعاملت كصاحب عمل يفضل استخدام عمال بالحد الأدنى من الحقوق والضمانات.

أما النقطة الأكثر غرابة فهي استنكار الوزير قيام هؤلاء العمال بالاعتصامات احتجاجاً على أوضاعهم لأن جميع الأنظمة "تمنع الموظف من القيام بالاعتصامات". ووجه الغرابة هنا ان هؤلاء العمال ليسوا موظفين بالمعنى الذي يمنع عليهم الاعتصام, بل إن مطلبهم هو التوظيف بأدنى درجاته وهو "الراتب المقطوع", وهو أمر إذا حصل فلن يعتصموا.

ان التحرك الجماعي لمثل هذه الفئة لا يجوز أن ينظر اليه من زاوية مدى مخالفته للتعليمات, ذلك أن فيه من العناصر الايجابية الكثير, وخاصة لجهة تطويرهم لتجربة نقابية محترمة ملتزمة, وقد شهدت ورافقت العديد من تحركاتهم وكنت أراقب نمو حسهم النقابي سيما وأنهم مجرد أفراد بسطاء موزعين على عشرات المواقع ويفتقرون عادة للخبرات في هذا المجال. وهذه الملاحظة يفترض ان يتم التعامل معها من منظور أوسع, بمعنى النظر الى ما تدل عليه من تطور عنصر المشاركة وصولا الى المواطنة عند فئات تعاني الكثير من الاقصاء والموقع الدوني.

لكن مسؤولية الحكومة لا تتوقف هنا, فقد صدرت في السابق وعود معلنة من قبل رئيس الوزراء وبعض الوزراء المعنيين عن امكانية وواقعية مطالب هؤلاء العمال وهو تثبيت حوالي ثلثهم ممن امضوا سنوات تم الاتفاق على عددها, ومر زمن طويل ولم تنفذ.

أختم بإيراد الحادثة التالية: فعلى سبيل الاستفزاز لغايات البحث, سألت يوماً أحد عمال المياومة من بدو الجنوب الذي كان يشارك في احد الاعتصامات في العاصمة عن سبب شكواه من موقف الحكومة بينما هي التي وظفته وأنقذته من الفقر الذي كان يعيشه? فقال بلهجته البدوية: "لا والله ما كنا فقيرين, كان عندنا حلالنا وصوفنا ولبنّا حتى رفعوا سعر العلف, ويا ليتنا نرجع للي كنا عليه وما بدنا الوظيفة".

في تقديري, ربما يكون في موقف هذا العامل البسيط من الحصافة التنموية ما يزيد عما يتمتع به المخططون, والله اعلم.0



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد