أميركا والإصلاح السياسي في الأردن

mainThumb

09-01-2008 12:00 AM

صدر قبل أيام لأندرو تيريل، الأستاذ والباحث الأميركي المتخصص في السياسات الشرق اوسطية وشؤون الأمن القومي، كتاب "الأمن القومي الأردني ومستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط".

وتبرز أهمية الكتاب، بالإضافة إلى مضمونه، أنّه صادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية المرتبط بكلية الحرب الأميركية. فهو قراءة تمثل رؤية مراكز التفكير والقرار الاستراتيجي الأميركي للعلاقة مع الأردن، وإن كان المعهد قد حرص على التأكيد أنّ هذه الدراسة لا تمثل موقف المعهد رسمياً.

يقدّم تيريل في كتابه مراجعة موجزة لأبرز المراحل السياسية التي مرّ بها الأردن وأهم القضايا المتعلقة بأمنه القومي. ويؤكد تيريل أنّ علاقة الولايات المتحدة مع الأردن تمثل واحدة من أهم علاقاتها الاستراتيجية في في العالم العربي، وقد زادت أهمية العلاقة ودورها بصورة واضحة منذ احتلال العراق عام 2003. ويصل تيريل إلى أنّ "مملكة هاشمية مزدهرة ومستقرة في الأردن تبقى بوضوح وبقوة من المصالح القومية الأميركية".

يرصد تيريل في كتابه أبرز مصادر التهديد والقلق للأمن القومي الأردني خلال المرحلة الراهنة، بخاصة بعد احتلال العراق إذ عرّف الأردن "القاعدة" هناك كأحد أبرز مصادر التهديد. فعراق مستقر وآمن يمثّل مصلحة حيوية للأردن. وكذلك الحال هنالك مخاوف أردنية من عدم الوصول إلى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو تفجر الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، ما يؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على الأردن، واحتمال وجود موجة هجرة جديدة، في ظل مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين. كما برزت هواجس أردنية أخيرة حول البرنامج النووي الإيراني ونفوذ طهران الإقليمي، وإن كان تيريل يسجل رفض الأردن للحل العسكري مع إيران ورهانه على الحلول السياسية.

ولعلّ أبرز مصادر المصالح المشتركة الأميركية- الأردنية تكمن في منطقة آمنة، وبالتحديد عراق موحد ومستقر. فعلى الرغم أنّ الأردن نصح الإدارة الأميركية بعدم احتلال العراق، إلاّ أنّه لم يدّخر جهداً في تعزيز الأمن والاستقرار في العراق، ويساهم بصورة فعالة في تدريب الشرطة والجيش العراقيين. كما أنّه يشارك بفعالية وقوة بالجهود الأمنية في "الحرب على الإرهاب"، ومتابعة تنظيم القاعدة في العراق وغيرها، وقد كان للأجهزة الأمنية الأردنية دور كبير، بالتعاون مع الأميركيين، في عملية اقتناص زعيم القاعدة في العراق "أبو مصعب الزرقاوي".

ويعد الأردن طرفاً فاعلاً في عملية التسوية السلمية. وله جهود إقليمية تاريخية في مجال تدريب العسكريين من دول الخليج العربي، وكذلك في خدمة أمن هذه الدول واستقرارها، ويدعو تيريل إلى زيادة الدور الإقليمي الأردني في هذا المجال، بخاصة مجال التدريب العسكري، وتعزيز قدرات الأجهزة العسكرية والأمنية الأردنية.

لعلّ أهم ما في الكتاب، الذي يعكس وجهة نظر قريبة من الجيش الأميركي، التوصيات الختامية وأبرزها ما يتعلّق بمجال الإصلاح السياسي. إذ يطالب تيريل الإدارة الأميركية بأن تكون صبورة في مطالبتها الأردن بالإصلاح السياسي والديمقراطية. يقول تيريل: "إذا أرادت الولايات المتحدة الضغط لزيادة الديمقراطية في الأردن، فعليها أن تكون مدركة تماماً أنّ حكومة ديمقراطية أكثر سوف تكون أقل استعداداً للتعاون مع الولايات المتحدة، وبخاصة مع إسرائيل". ويستند تيريل على أنّ القوى التي أتيح لها العمل في اللعبة الديمقراطية تطالب دوماً بإنهاء التعاون الأميركي- الأردني، فيما يتعلق بالعراق، وإلغاء المعاهدة الأردنية- الإسرائيلية للسلام.

ويحدد تيريل المرتكز الأساسي الذي يحكم رؤية الولايات المتحدة للإصلاح السياسي في الأردن بأنه يرتبط بمراعاة مصالح الولايات المتحدة والضغوط التي تتعرّض لها الأردن، ويطالب بعدم ارتكاب "خطأ خطر" باستمرار انتقاد ضعف التقدم الأردني في مسار الإصلاح السياسي. فمن أجل دعم الأردن وتقديم النصح له فإنّ "الولايات المتحدة تحتاج إلى التوازن بين اعتبارات الأمن القومي ومطلب الإصلاح السياسي ومدى انفتاح النظام الأردني".

في المقابل؛ يوصي تيريل بأنّ الولايات المتحدة عندما تظهر مستوى ثابتاً من تفهّم "المعدل البطيء في الإصلاح السياسي والقضائي في الأردن" فإنّ عليها ألا تخلق انطباعاً لدى الحكومة الأردنية "أنّها تتساهل في موضوع تعذيب الإرهابيين".

بخصوص جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي؛ يرى تيريل أنّ الولايات المتحدة تحتاج أن تدرك بأنّ الجماعة ليست تنظيماً إرهابياً، على الرغم من وجود جناج متشدد فيها. وعلى العموم هذه الجماعة غير عنيفة، وموالية للقصر الملكي، مع إدراك أنها تعارض العلاقات الأردنية- الأميركية. ويؤكد تيريل أنّ وجود الجماعة يشكل "قناة ضرورية للمعارضة" في مواجهة الحكومة. ويمكن للإدارة الأميركية "العمل مع الحكومة الأردنية لمنع الجماعة أن تكون قريبة من حركة حماس".

يوصي تيريل الإدارة الأميركية بربط أي انسحاب لها من العراق بالأمن الإقليمي، وبالتحديد مما لا يؤثر على الأردن، ويعرضه لمخاطر شديدة. كما يوصي الإدارة بضرورة السير في طريق التسوية، وبزيادة الدعم الموجه للجيش والأجهزة الأمنية الأردنية ومساعدة الأردن على التعامل مع كلفة اللاجئين العراقيين وبزيادة مساحة التعاون الاستراتيجي والعسكري بين البلدين والدعم المالي المقدّم للأردن.

أبرز ما يمكن الخروج به من دراسة تيريل وتوصياته؛ أنّ الأردن يحتل مكانة استراتيجية مهمة في المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ هذه المكانة تعززت في السنوات الأخيرة في ضوء التعاون العسكري والأمني بين الدولتين. كما أنّ سؤال الإصلاح السياسي ليس أوّلياً في علاقة الولايات المتحدة بالأردن، بخاصة أنّ المضي سريعاً في عملية الديمقراطية في الأردن غالباً ما سيصطدم بالمصالح الأميركية واعتبارات الأمن القومي الأميركي.

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد