حفرة الشارع

mainThumb

09-01-2008 12:00 AM

يحكى على سبيل النكتة، وان كانت حكاية هامة وجادة، ان بلدة ابتُلي احد شوارعها الرئيسية بحفرة كبيرة، فكانت السيارات تقع فيها او تتسبب بحوادث سير قاتلة حتى زاد عدد الضحايا من الموتى والجرحى، واصبحت هذه الحفرة مصدر خوف وقلق. فاجتمع مجلس البلدة لتدارس الامر، فقال احدهم ان على المجلس ان يضع كابينة هاتف الى جانب الحفرة، حتى يتم الابلاغ عن اي حادث يقع بسرعة، فنظر اليه شخص اكثر ذكاء مقترحا ان يتم بناء مكتب بريد يضم اكثر من خط هاتفي، اضافة الى خدمة الفاكس، فهذا قد يساعد على انقاذ المصابين وتقليل عدد القتلى.

واستمر النقاش متضمنا شتائم ونقدا للحفرة وتعدادا لمخاطرها. وفجأة رفع احد اعضاء المجلس يده مقترحا بناء مركز اسعاف اولي او مركز متطور، فهذا افضل لإنقاذ الجرحى واسعافهم؛ فإنشاء مركز لاسعاف فيه ترشيد للاستهلاك وحفاظ على مال الدولة، الذي سيضيع نتيجة بناء البريد ومجئ الشرطة والاسعاف الى الموقع، ومن ثم نقل الناس الى المستشفى. وتحدث العضو طويلا حول ابعاد اقتراحه وتداعياته المحلية والاقليمية وارتباطه بالتحديات التي تواجه البلدة ومجلسها.

وبعد نقاش مستفيض تخلله غداء عمل ونفث لدخان السيجار، تقدم رئيس المجلس، وهو اكثرهم ذكاء وخبرة، ويحظى بثقة المجلس، وان كان لم يقم بقياس ثقة الناس، تقدم باقتراح سبقه بمقدمة حماسية حول الانتماء للبلدة والحرص على ارواح ابنائها، وحرصه كرئيس للمجلس على كل قطرة دم وذرة تراب. فتقدم مقترحا انشاء مستشفى كبير يكون حلا لمشكلة الحفرة الشريرة، مستشفى يستقبل الجرحى والمصابين، وحتى الموتى من ضحايا الحوادث، يتم تجهيزهم في المستشفى، ولم ينس?Z أن يشير الى ان المستشفى سيوفر لاهالي المصابين اماكن مريحة في ايام الشمس او المطر. واختتم اقتراحه بدراسة اخرجها من جيبه تتحدث عن بعض الاستثمارات التي سترافق انشاء المستشفى من كافتيريا ومواقف سيارات وفندق صغير لأهالي المصابين لأن الحفرة بعيدة عن البلدة وصراف آلي ومحل لبيع الورود والهدايا الخاصة بالمرضى وزوارهم.

وقبل ان يصوت المجلس على الاقتراح اعلن رئيس المجلس أن من يرغب من الاعضاء بالتقدم للحصول على اي من هذه الاستثمارات فإن له الاولوية، وان لم يكن قادرا ولديه صديق او قريب، فله الاولوية مع حق العضو في اخذ عمولة تتناسب مع موقعه.

وبعد سنوات قام المستشفى واستثماراته، والى جانبه تم انشاء مقبرة "استثمارية"، وتم اقامة محطة لنقل الركاب، ومكتب تكسي، وصالة افراح، وسلسلة مطاعم والعاب اطفال. بل ان المجلس اقام مقره هناك ليستطيع كل عضو متابعة استثماراته او استثمارات شركائه، واصبحت منطقة الحفرة ذات نشاط كثيف حتى بأعداد الموتى والجرحى لأن الحفرة بقيت.

بل اصبح تعميق الحفرة وزيادة قطرها ومساحتها في خدمة النشاط الاقتصادي ومصالح التجار. فالحفرة باقية صامدة، لم يفكر احد بردمها، بل اصبح بقاؤها ضرورة وطنية للمجلس والتجار. ولأن المجلس "تقدمي" فقد اصدر قرارا جعل بموجبه اي تفكير بردم الحفرة، وحل مشكلتها مخالفةً قانونيةً وتجاوزاً لمصالح البلاد والعباد.

sameeh.almaitah@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد