رواية إسرائيلية للتطهير العرقي

mainThumb

15-01-2008 12:00 AM

أواصل في هذا المقال عرض بعض ما أورده إيلان بابه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" من شهادات وروايات وملخصات للأحداث كما هي في الأرشيف الإسرائيلي أو من شهادات شفوية قدمها بعض المشاركين في هذه الجرائم، فكانت المنظمات القتالية الأكثر تنظيما مثل الهاغاناه والبالماخ تفتح القرى مصحوبة بوحدات استخبارية ثم تسلمها لميليشيات أقل قدرة عسكرية، والتي تقوم بعمليات القتل والنهب والطرد، وكانت وحدة الاستخبارات تقدم المعلومات عن الأشخاص المطلوبين، وكان هؤلاء يعدمون على الفور، وبعضهم أعدم لمجرد وشاية، ويحفل تاريخ النكبة الشفوي بإشارات كثيرة إلى المجموعات الغامضة ممن عرفوا بالوحشية وكانوا يعملون من وراء ستار في مئات القرى.

وفي اجتماع جرى أواخر عام 1947 يعتبره المؤلف بداية لحرب التطهير العرقي حضره بن غوريون وعشرة من القادة السياسيين والعسكريين للحركة الصهيونية، كان ثمة شعور بخيبة الأمل بسبب العدد القليل للهجرة الفلسطينية إلى خارج فلسطين، واقترح عزرا داني رئيس القسم العربي في الاستخبارات الصهيونية البدء بأعمال عنف تستهدف العرب وتجبرهم على الرحيل، وبعد الاجتماع هوجمت قريتان على سبيل التجربة، وهما دير أيوب وبيت عفا، وقد تم تدميرهما كليا بعد أن أخليتا من السكان بالقوة، ووزعت منشورات تهديد في القرى تدعو إلى الرحيل أو انتظار القتل بلا رحمة، ثم هاجمت قوات البالماخ قرية الخصاص على ضفاف بحيرة طبرية، فنسفت بيوتها في الليل، وقتل على الفور خمسة عشر شخصا بينهم أطفال، ولدى تقييم التجربة في مجلس الدفاع الصهيوني قوبلت بحماس كبير، فبدأت تطبق في المناطق الحضرية واختيرت حيفا لتكون الهدف الأول.

وفي أوائل آذار من عام 1948 وزعت خطة مطبوعة سميت خطة دالت على قادة ألوية الهاغاناه الاثني عشر، وتتضمن أوامر واضحة بالطرد والإبادة والإعدام للفلسطينيين، وبدأت عمليات واسعة لتنفيذ هذه الخطة شملت مئات القرى وجميع المدن العربية في فلسطين، ولم تكن دير ياسين إلا مثالا واحدا من مئات الأمثلة.

وبعد أن استقر الاحتلال وسيطر على فلسطين بدأت عمليات واسعة لإخفاء التاريخ الفلسطيني بشكل منهجي، فغابة بيريا التي زرعت على مساحة عشرين ألف دونم تخفي تحتها ست قرى فلسطينية على الأقل، وحولت بلدة عين الزيتونة التي قتل عدد كبير من سكانها وهجر الباقون إلى منتجع سياحي فسيح، وأقيمت فيها مستوطنة عين زيتون، ويشار إليها في التاريخ والأدبيات باعتبارها قرية يهودية منذ القرون الوسطى.

وفي حديقة رامات منشية أخفيت قرى اللجون والمنسي والكفرين والبطيمات والخبيزة ودالية الروحاء وصبارين وبريكة والسنديانة وأم الزينات، ويشار إليها اليوم في الخرائط والأدلة على أنها كفار رامات، وفي المناطق المجاورة للقدس جرى عام 1956 زراعة أكثر من مليون شجرة حرجية تشكل غابة خضراء تحيط بالقدس وتخفي أيضا القرى والبيوت والمزارع التي كانت تخص الفلسطينيين قبل ثماني سنوات من قرى بيت مزمير حورش ودير ياسين وصبا والجورة وأم الميس.

كانت صطاف قرية فلسطينية دمرت عام 1948، وفي عام1949 وطنت مجموعة من المهاجرين اليهود في هذه البلدة، ولكن الصندوق القومي اليهودي آثر تحويلها إلى موقع سياحي، وفي ذلك الوقت بحثت لجنة التسميات الإسرائيلية عن ترابط بين المكان والتوراة،ولكنها فشلت، ثم إنها ربطت بين كروم العنب المحيطة بالقرية بالكروم المذكورة في نشيد الإنشاد في المزامير التوراتية، واسمته "بكوراه" ولكنها تخلت عن التسمية عندما ظل الإسرائيليون يسمون المكان باسمه الفلسطيني صطاف.

لقد جرى كما يقول بابه صناعة تاريخ متخيل وقسري يتجاهل الوجود الفلسطيني العربي عبر ألفي سنة، وتظهر الأدلة السياحية المتداولة لهذه المناطق تاريخا يهوديا خالصا، ولا يبدو وجود يذكر للفلسطينيين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد